السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسابقة الأفلام الروائية الطويلة تجمع مخرجي سينما الاحتراف

مسابقة الأفلام الروائية الطويلة تجمع مخرجي سينما الاحتراف
12 أكتوبر 2012
أحمد علي البحيري (أبوظبي) ـ خريطة مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في الدورة السادسة لمهرجان أبوظبي السينمائي الدولي تحتوي التنوع والنموذج الاحترافي للافلام، وتكشف عن صراع الأجيال من المخرجين والكتّاب سواء من حيث أسلوبية التناول أو اللغة السينمائية المعاصرة، أو من خلال القضايا المطروحة وجميعها تلتقي في صورة معاناة الانسان وتحديات عصر العولمة، ولكنها مع ذلك خريطة “محيّرة” في معالمها وخطوطها، فهي غير أنّها تجمع “النّخب” من سينمات العالم من روسيا والصين وبريطانيا وايطاليا وألمانيا وفرنسا والبرتغال والولايات المتحدة الاميركية والدنمارك، إلاّ أنّها كما يبدو اختصرت الطريق مع السينما العربية بتركيزها على إبراز القيمة الفكرية للسينما المغاربية من خلال عرض ثلاثة أفلام هي: “عطور الجزائر” للمخرج رشيد بلحاج في 108 دقائق، مترجم الى الانجليزية، وفيلم “ما نموتش” من أعمال السينما التونسية للمخرج نوري بوزيد في 105 دقائق من إنتاج تونس وفرنسا والامارات، وأخيرا الفيلم الجزائري “حرّاقة بلوز” للمخرج موسى حداد في 103 دقائق، وكما يبدو أيضا فإن هذه الخريطة لم تتناس أن المهرجان يحتفي على وجه الخصوص بالسينما الجزائرية، ضيف شرف هذه الدورة بمناسبة العيد الوطني الخمسين، وهذه خطوة أولى تحسب لهذه الدورة الحافلة بتوجهات ثقافية وفنية عديدة. كما تحسب لهذه الدورة خطوة ثانية أنّها جلبت لنا أفلاما من أعمال السينما المستقلة التي تشجع فكرة الانتاج المشترك التي تعيد لنا جانبا من نجاحات السينما العالمية سواء على مستوى أفلام الكلاسيكيات أو على مستوى لقاء النجوم في حوار التجارب، مما يكسر قواعد ثبات وجمود السينما المحلية الى سينما عالمية محترفة تعترف بالمواهب والابداع الانساني بما يتجاوز الحدود والانغلاق الضيق على المواطنة، فيما تحقق الخطوة الثالثة أهمية بالغة في جذب المرأة المخرجة التي تقدم في هذه المسابقة جملة من الأفلام المميزة والكبيرة على مستوى الحس الجمالي والمونتاج المبهر المتوازن والتمثيل منها: فيلم “جينجر وروزا” للمخرجة سالي بوتر، وهو إنتاج رباعي من إنجلترا وكندا وكرواتيا والدنمارك، كذك فيلم المخرجة سوزان بير “الحب هو كل ما تحتاجه” من أعمال السينما الاسكندنافية (الدنمارك) في 112 دقيقة بترجمة عربية وإنجليزية، وهي حائزة على أوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2010، وهي كمخرجة وثيقة الصلة بمهرجان أبوظبي السينمائي من خلال حضورها المتواصل مع عديد دوراته، وفيلم “تقاليد” للمخرجة الاسترالية كيت شورتلاند في 108 دقائق وهو ثلاثي لكل من المانيا واستراليا وبريطانيا. الصبغة الاحترافية عادة ما تتصدر منافسات مسابقة الأفلام الروائية الطويلة هرم أي مهرجان سينمائي مهما كانت صفته وأهميته وموقعه، وعادة ما تنفتح شهية النقاد الى أفلام ومخرجي هذه المسابقة، نظرا للصبغة الاحترافية أو قل (الاحتراف السينمائي) الذي يظهر صورة (اللغة السينمائية) لكل مخرج يفصح عن أفكاره وعن المدرسة السينمائية التي ينتمي اليها، ولا بد من الاشارة هنا الى أن ما تتمتع به أفلام هذه المسابقة لا يرتبط فقط بقيمة وأهمية جوائزها وبخاصة اللؤلؤة السوداء، وإنما في علاقتها بسينما المهرجانات وجمهورها الذي يختلف في جوهره عن أي جمهور نصادفه، كما أن هذه الافلام تمتاز بصيغة إنتاجية مختلفة، كما أنّها تجمع النخبة الممتازة من المخرجين وكتاب السيناريو وجهات الانتاج وموزعي الافلام وأصحاب المهنة، لكن هذا لا يمنع من أن بعض هذه الأفلام يجنح أحيانا نحو سينما المخرج الذي يغفل في زحمة البحث عن الابهار، ترسيخ القيمة الفكرية التي تخدم جمهور السينما. من ذلك نتصفح بسرعة قائمة أفلام المسابقة التي تبدأ بفيلم “الابن الفاعل” إنتاج إيطالي فرنسي في 90 دقيقة للمخرج دانييلي تشيري، ومن إنتاج البرتغال وفرنسا فيلم للمخرج مانويل دي أوليفيرا بعنوان “جيبو والظل” ومدته 91 دقيقة. ونشهد من أعمال السينما الروسية فيلما مؤثرا للمخرج كيريل سبربيربنكيوف بعنوان “خيانة” في 115 دقيقة، ومن الصين يقدّم لنا المخرج لوشوان فيلما بعنوان “العشاء الأخير” والفيلم يذكرنا بالفيلم العربي بنفس الاسم من تمثيل الراحل أحمد زكي والراحلة سندريلا السينما العربية سعاد حسني والنجم حسين فهمي، حول الصراع الطبقي وقوة المال والمركز، كما يذكرنا بفيلم بذات الاسم للنجم ميل غيبسون الذي جرّ عليه اتهام المراجع اليهودية الاميركية بالتعصب ضد اليهود، وأن فيلمه يثير نعرات معادية للسامية. ومن اليابان يأتينا فيلم “غضب بلا حدود” للمخرج المعروف تاكيشي كيتانو في 110 دقائق في ترجمة عربية وإنجليزية. ومن فرنسا يقدّم لنا المخرج والمؤلف فرانسوا أوزون فيلما بعنوان “في البيت” ويطرح في 105 دقائق دراما فكرية تجمع بين الواقع والخيال نوع جديد من التشخيص للاحداث والشخصيات المركبة. ومن تشيلي وأميركا نتابع فيلم بعنوان “لا” للمخرج بابلو لورين، وهو فيلم مهرجانات في 108 دقائق، حيث حظي بشهادات نقدية طيبة وجائزة نصف شهر المخرجين في إحدى دورات مهرجان كان السينمائي، كذلك الفيلم الجزائري المهم بعنوان “عطور الجزائر” للمخرج رشيد بلحاج. الجائزة والمتنافسون هذه هي تقريبا خريطة برنامج المسابقة الرئيسية، ولا نريد أن نستبق الأحداث لكي نتحدث عن الفيلم الذي سيحصد اللؤلؤة السوداء للمهرجان، ولكن بلا أدنى شكّ، هناك أفلام كبيرة لمخرجين كبار مخضرمين، وهناك أفلام هي محط أنظار النقاد والجمهور والمشتغلين في حقل الفن السابع على العموم، وقد تخيب التوقعات في كثير من الأحيان، لكن الفيلم الجيد غالبا ما يفرض نفسه في جمالياته ولغته وخصوصية الفكر الذي يطرحه، وقربه الشديد من الناس على مختلف ثقافاتهم، ويجب أن لا ننسى أننا هنا أمام أربعة من المخرجين المحترفين الكبار على مستوى مشاركاتهم في مهرجانات السينما العالمية، وعلى مستوى فنّهم السينمائي العالي والراقي ورصيدهم الطيب من الجوائز، وكذلك السمعة الطيبة التي يتمتعون بها في أوساط النقاد وشركات الانتاج وهم: الاسترالية كيت شورتلاند، ومانويل دي أوليفيرا، وكيريل سبربر بنكيوف، وتاكيشي كتيانو، ونضيف اسم المخرج الجزائري رشيد بلحاج الذي قدم نحو ثمانية تجارب ناجحة تعكس بحس سينمائي دقيق واقع المجتمع الجزائري وواقع المهاجرين في الخارج منها على سبيل المثال فيلمه “الخبز الحافي” المقتبس عن رواية بذات الاسم، وتروي قصتها السيرة الذاتية للروائي المغربي محمد شكري، كذلك شريطه الوثائقي الذي أخرجه عام 1976 عن الحياة اليومية القاسية للمغتربين الشمال الأفريقيين في حي قصديري بشمال المدينة الفرنسية نيس، كما قام بتصوير فيلم “المعتدون” عام 1979، وتبعه بالعديد من الأفلام مثل “رقم 49” و”لوس وردة الرمال” ونال عليه جملة من الجوائز أحدها في روما، كما قام باقتباس رواية لعزيز شواقي تحمل عنوان “نجمة الجزائر”، ويشكل بلحاج أهمية بالغة في تاريخ السينما الجزائرية المعاصر، حققت له شهرة عالمية، ويعتبر فيلمه “عطور الجزائر” (كان اسمه سابقا “رائحة الجزائر”) الذي تشارك فيه الممثلة من أصول جزائرية إيزابيل أدجاني، وجيرار جوليو، وسعيدة جواد، واحدا من أهم أعماله على مستوى القيمة الفكرية والتصوير والحركة، والمونتاج وفن إدارة الممثلين. عميد السينما البرتغالية ولا شك إن مفاجأة هذه المسابقة سيكون عميد السينما البرتغالية المخرج مانويل دي أوليفيرا المقيم بباريس بجنسية مكسيكية، واحتفل مؤخرا بعيد ميلاده المائة وثلاثة أعوام، وما زال لديه إصرار مدهش على الانجاز السينمائي والمنافسة حتى أنجز آخر أفلامه المشاركة في المسابقة “جيبو والظل” عن رواية للكاتب المسرحي البرتغالي راؤول براندو، وتمثيل الفرنسي ميشيل بيكولي، والفرنسية جان مور، والنجمة الايطالية الكبيرة كلوديا كاردينالي التي سيتم تكريمها في هذه الدورة، وينقل من خلال أحداثه صورة المجتمع البرتغالي في القرن الخامس عشر من خلال تصوير حكاية محاسب عجوز تمتحن قيمه الأخلاقية بعودة ابنه بعد غياب طويل. وإذا كان مانويل العجوز يواجه تيارات سينمائية قوية في هذه المسابقة، بل ومنافسة شديدة، فستكون على الأرجح من جهة السينما الصينية التي يقودها في هذه المسابقة المخرج الشاب لوشوان بفيلمه “العشاء الأخير”، الذي يحمل إشكالياته من حيث إن الرقابة الصينية منعت عرضه في مهرجان شنغهاي السينمائي، وتمثل قصته حقبة تاريخية عن الصين القديمة، معتمدة على حدث تاريخي حول عشاء خاص بين ملكين متنافسين، وكان لقاؤهما مملوءا بالخطر ولحظات التشويق، ويعتبر هذا الفيلم بإخراجه المميز وتمثيله الأكثر تميزا بمثابة الحلم الأقصى لعشاق السينما الصينية. ولا ننسى الاشارة الى المخرجة كيت شورتلاند التي تنافس بقوة بفيلمها “تقاليد”. بهذه المسابقة للافلام الروائية الطويلة يحقق مهرجان أبوظبي السينمائي قفزة نوعية في مسيرته سواء على مستوى جودة الأفلام أم على مستوى عددها، أم على مستوى شكل وإيقاع المنافسة ودخول الفيلم العربي اليها بقوة، مما يحقق لنا الجو الثقافي وتعميق الحوار حول الافلام المعروضة، لكن المهم هنا أن لا ننسى أنه في أي مهرجان إما أن يكون هناك سينما أو لا سينما.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©