السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لذّة الاكتشاف...

لذّة الاكتشاف...
6 نوفمبر 2014 15:23
لم نلتق عند مقهى قريب، ولم نفكر أيضاً في الشكل المتناهي لتفاصيل الحوار، أسميناه مجازياً بالتقرير الصحافي، مؤمنين وقتها، بقدرة التجربة الإنسانية في إحداث اكتشاف الثقافة. الكاتبة الشابة حصّة العامري، من الإمارات وكتابها الأول بعنوان: «عن قلق الثامنة والثلث مساءً»، والمصور الشاب ?ي?ك موهان من الهند، والمقيم في الإمارات، ومجموعته الفوتوغرافية حول قصص العُمال والاغتراب، ومعهما «الاتحاد» بحثت عن إبداعهما الإنساني، ومقاربة قبول الاختلاف، تساءلا في غمرة حديثهما عن النص والصورة: من منا يبدأ حواره عن الذات؟! نوف الموسى السؤال الأكثر رواجاً: لماذا كل هذا البحث المضني في صناعة لغة مشتركة، والوعي المعرفي بالآخر عبر الفنون البصرية والنصوص الأدبية؟ بالنظر إلى النماذج المطروحة عبر المقال، فإن الإجابة تتمثل في كمية الحوار «التفاعلي» الناتج عن العمل الإبداعي، سواء في النص الأدبي لدى حصّة أو الفوتوغرافيا لدى ?ي?ك، وهي المحصلة الإنسانية الطبيعية في امتثالها الدائم للتواصل. رقصة درويش للكاتبة حصّة، على سبيل المثال، قصيدة بعنوان «نص مفقود»، تقول فيها: «اللغة التي تدور في رقصة درويش، تقربني إلى الله، بوعي عاشق»، هناك استشفاف في إمكانية تغني الكاتبة بلغة الشاعر الراحل محمود درويش، وارتبط الأخير بالبيئة المعرفية لدى الكاتبة عبر قصيدة «الخطاب الأخير للهندي الأحمر»، كاستدلال أدبي حول شغفها الملحوظ بثقافة السكان الأصليين لدى الأميركيتين، لا نعلم كم معرفة حصّة بقصيدة درويش تلك، فيها (يَقول الغَريبُ كَلاماً غَريباً، وَيَحْفرُ في الأَرْضِ بِئْراً لِيَدْفنَ فيها السَّماءَ)، بينما كتبت حصّة في مكان آخر: (نعيد مشهد الوحدة علينا، ولنا، نتخلى عن الأوطان، وتتخلى عنا). صدمة ثقافية أما المصور ?ي?ك، فيجسد المشهد أعلاه، في قضية الوطن والاغتراب، والتجاوز الجغرافي أمام المفهوم الإنساني عبر زيارته لسكن العُمال، قائلاً: «في الحقيقة، حدث ما أطلق عليه بصدمة ثقافية، بل أكثر بكثير، ربما هزة في العمق، عندما تشاهد 25 عاملاً يتقاسمون الغرفة نفسها، ومستمتعين بمشاهدة لعبة (الكريكت) الشهيرة»، مضيفاً أن الرسالة الأسمى من مجموعته الأخيرة، الحديث عن أهمية الوعي، بالمضمون الروحي لهؤلاء الأفراد بأنهم مميزون ويمتلكون قصصهم اللافتة، وامكانية سردها تكمن ــ من وجهة نظره ــ عبر قدرة الفنان البصري على ابتكار اللحظة مع العُمال، ومحاولة جعل من حكاياهم نسيجاً يتصل باهتمامات المشاهد أو القارئ اليومية. وتأكيداً على طرح المصور ?ي?ك، حول تأثير الإبداع الإنساني، فإنه بالرجوع إلى الذاكرة الروائية أخيراً، ساهمت رواية «ساق البامبو» - مثلاً - للروائي الكويتي سعود السنعوسي (الحائزة على جائزة البوكر) في مناقشة نمطية الصورة الذهنية لدى المجتمعات الخليجية تجاه العمالة المنزلية. يخفون شيئاً ما لا يذكر المصور ?ي?ك اسمه الحقيقي في توثيق أعماله الفنية، مفضلاً اسماً مستعاراً «أفرو?ر»، وعن السبب يقول: «لا أفضل تعريف نفسي باسمي الفعلي، تجنباً للتصنيف والحكم المسبق من الأشخاص، بمجرد سماعهم لأسمي، يضعون العديد من الفرضيات المغلوطة، المرتبطة بالجنسية والشكل واللون»، لافتاً إلى أن «هذا البحث الأزلي في معرفة الآخر، يستدعي مشروعاً ثقافياً كمحور يصنع اللقاءات بين الثقافات المتعددة». في مجموعته، لا وجود للعنصر المحلي في نصوصه الفوتوغرافية، ويعتقد ?ي?ك أنها إحدى أبعاد فجوة التواصل، مؤكداً: «نحن نبحث عن اللقاء بين كل تلك الثقافات، بحثاً عن المشترك فينا». أما الكاتبة حصّة، فلا تظهر صورتها في التعريفات الشخصية عبر مواقع البحث، ولا حتى مواقع التواصل الاجتماعي، ربما بحكم التقاليد المجتمعية المحلية، أو تفضيلها لفرضية الانفصال عن نصها الأدبي فيزيائياً، رغم كل فضاءات المكاشفة التي تعتري الكتابة في قدرتها على اجثاث أجزاء من روح الكاتب، ومن تجربته، فالقارئ يرى بعضاً من حصّة خلال حديثها عن أحادية الحزن، وتيه الظلام، والحاجة للعودة إلى ما قبل النُطفة، وزفرة زهور الجهنمية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©