الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سحب القوات الأميركية: دواعٍ اقتصادية وحسابات انتخابية

سحب القوات الأميركية: دواعٍ اقتصادية وحسابات انتخابية
23 أكتوبر 2011 23:24
كما كان متوقعاً، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، يوم الجمعة الماضي، سحب كل القوات الأميركية من العراق بنهاية العام الجاري، منهياً بذلك حرباً طويلة قسمت البلاد انقساماً عميقاً بسبب أسبابها والأرواح الأميركية التي حصدتها. ففي مؤتمر عبر "الفيديو كونفرنس" صباح يوم الجمعة، اتفق أوباما ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على انسحاب كامل للقوات الأميركية في ما يمثل وفاءً بوعد كان أوباما قد قطعه على نفسه ويُعد مهماً لسعيه إلى نيل ولاية ثانية له في البيت الأبيض. غير أن القرار أثار انتقادات حادة من قبل خصومه الجمهوريين، مقابل تعبير عن الدعم والارتياح في صفوف من يرون أن الوقت قد حان كي تنهي الولايات المتحدة حرباً وصفها أوباما نفسه ذات مرة بـ"الغبية". فعلى مدى أشهر، انخرط المسؤولون الأميركيون والعراقيون في مفاوضات حول بنود اتفاق كان سيبقي على الآلاف من الجنود الأميركيين في العراق من أجل تولي العمليات الخاصة والقيام بمهام التدريب بعد نهاية العام، وهو الموعد الذي كانت إدارة بوش الابن قد حددته لسحب القوات. لكن أوباما والمالكي، اللذين لم يطورا علاقة شخصية قوية، فشلا في التوصل إلى اتفاق حول الوضع القانوني للقوات الأميركية التي كانت ستبقى في العراق بعد تاريخ الحادي والثلاثين من شهر ديسمبر المقبل. ونتيجة لذلك، لن تبقى في العراق سوى وحدة تتألف من أقل من 200 جندي مارينز مكلفة بالمساعدة على حماية مجمع السفارة الأميركية الكبير في بغداد، إلى جانب عدد أصغر من الموظفين الآخرين بهدف تقديم تدريب يتعلق بمبيعات عسكرية جديدة ومهام أخرى. وقال أوباما يوم الجمعة في البيت الأبيض: "إن بقية جنودنا في العراق ستعود إلى الوطن"، مضيفاً أنهم "سيعودون إلى الوطن من أجل أعياد نهاية السنة". وقال أيضاً: "بعد تسع سنوات تقريباً، ها هي حرب أميركا في العراق ستضع أوزارها". هذا وقد تعثرت المفاوضات بين الجانبين بسبب مطلب أميركي بأن يتمتع الجنود الأميركيون بحصانة قانونية في العراق، وهو طلب لم يتمكن لمالكي في نهاية المطاف من تسويقه بين العناصر المناوئة للولايات المتحدة ضمن ائتلافه الحاكم، بعد حرب يعتقد الكثير من العراقيين أنها غيرت بلدهم بشكل دائم إلى الأسوأ. غير أن رحيل القوات الأميركية يمكن أن يطرح مشاكل أمنية بالنسبة للحكومة العراقية التي ما زالت تعاني من انقسامات إثنية وطائفية. والجدير بالذكر هنا أن ثمة 39 ألف جندي أميركي في العراق اليوم، وهو عدد يقل بنحو 100 ألف جندي عن العدد الذي وجده أوباما عندما وصل إلى البيت الأبيض. ومن المنتظر أن يظل نحو 16 ألف دبلوماسي أميركي ومتعاقد مدني في العراق. ففي حال اندلاع صراع طائفي أو شكل آخر من العنف في العراق عندما ترحل القوات الأميركية، فإن اللوم قد يلقى على أوباما الذي سيحمَّل مسؤولية التخلي عن العراق قبل أن يصبح مستعداً لحماية نفسه. وقد صدرت مثل هذه الانتقادات يوم الجمعة عن الجمهوريين الذين يتنافسون على الرئاسة العام المقبل. ولكن النتيجة تتيح أيضاً إمكانية إنهاء التدخل العسكري الأميركي في العراق الذي كلف الولايات المتحدة قرابة تريليون دولار وأكثر من 4400 جندي أميركي. وبهذا، سيكون أوباما الذي تميز بموقفه عن الوسط الديمقراطي في عام 2008 جزئياً من خلال معارضته الواضحة لحرب العراق، سيكون قادراً على أن يقول للناخبين، في وقت يواجه فيه حملة صعبة لإعادة انتخابه، إنه أشرف على النهاية الموعودة لحرب العراق. وعلى الرغم من أن السياسة الخارجية لا تتصدر اهتمامات الناخبين في الأوقات العصيبة اقتصادياً في الداخل، إلا أن أوباما استعمل ظهوره يوم الجمعة ليبرز بعضا من إنجازاته في إنهاء حروب مكلفة وقتل أعداء الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، لفت أوباما إلى أنه سيقوم، بعد الزيادة الأولى التي رخص لها في عديد القوات في أفغانستان، بسحب القوات من تلك الحرب التي بلغ عمرها عقدا من الزمن، مشيرا إلى مقتل بن لادن في مايو الماضي و"الخاتمة النهائية" لحكم القذافي الطويل في ليبيا. وقال أوباما في هذا الإطار: "باختصار، إن الولايات المتحدة تتقدم إلى الأمام من موقع قوة"، قبل أن يحول التركيز في تصريحاته القصيرة إلى الاقتصاد إذ قال: "لأنه بعد عشر سنوات من الحرب، فإن البلاد التي نحن في حاجة إلى بنائها -والبلاد التي سنبنيها- هي بلادنا نحن، أميركا تستعيد قوتها الاقتصادية تماماً مثلما استرجعنا زعامتنا عبر العالم". المخطط يتناغم مع الاتفاقية التي تفاوضت حولها إدارة بوش من أجل سحب القوات الأميركية من العراق في نهاية 2011، وهو أمر فشل العديد من خصوم أوباما الجمهوريين في الإشارة إليه ضمن تصريحات تنتقد الانسحاب الكامل. ومن بين هؤلاء ميت رومني، المرشح للتنافس على الرئاسة باسم الحزب الجمهوري، والذي أظهر موقفاً متشدداً في السياسة الخارجية. ففي تصريح له قال رومني: "إن الفشل اللافت في تأمين انتقال منظم في العراق يعرض للخطر على نحو غير ضروري الانتصارات التي تحققت بفضل دماء وتضحيات الآلاف من الرجال والنساء الأميركيين". وكان مسؤولو إدارة أوباما وحكومة المالكي قد ركزوا خلال المفاوضات على عدد الجنود الأميركيين الذين ينبغي أن يبقوا في العراق من أجل مواصلة تدريب القوات الوطنية العراقية ومراقبة بؤر توتر ممكنة مثل الحدود بين الشمال الكردي وبقية العراق. وفي هذا السياق، قال العقيد سلام خالد من الكتيبة السادسة للجيش العراقي يوم الجمعة: "إن قواتنا جيدة، ولكن ليس إلى درجة كافية تسمح لها بمواجهة التحديات الخارجية والداخلية بمفردها"، مضيفا: "إن ولاء القوات ليس لوطنها، بل هو للأحزاب السياسية والطوائف". غير أن مسؤولي الإدارة الأميركية يقولون إن القوات العراقية مستعدة بالفعل للحفاظ على استقرار البلاد. وفي هذا السياق، قال دنيس ماكدونو، نائب مستشار الأمن القومي، للصحافيين: "إن التقييمات المتتالية لقوات الأمن العراقية التي ترد علينا، تشير إلى أن هؤلاء الشباب جاهزون، وقادرون، وقد أثبتوا فعاليتهم ". ويأتي إعلان أوباما بينما تنخرط تركيا في توجيه ضربات مضادة للمتمردين الأكراد في المنطقة الكردية شبه المستقلة شمال العراق، وهو عمل يحظى بدعم "الناتو" والولايات المتحدة. وفي هذا السياق، يقول المحامي العراقي المستقل محمود عثمان، الذي ينحدر من المنطقة، في مكالمة معه عبر الهاتف: في حالة المنطقة الكردية، يمكن أن يكون انسحاب القوات الأميركية إيجابيا "لأن الأميركيين يساعدون تركيا في الاعتداء"، مضيفا: "وبالتالي، فربما يكون من الأفضل بالنسبة لهم ألا يكونوا موجودين في المنطقة". وفي بيان له هذا الأسبوع، قال مقتدى الصدر، وهو رجل دين شيعي يعارض الوجود الأميركي في العراق بقوة، إنه يجب أولاً أن يكون ثمة انسحاب كامل وإن التدريب سيسمح به "فقط في حال أبرم اتفاق جديد بعد إكمال الانسحاب وتم تعويض الشعب العراقي المقهور ماديا". ويذكر هنا أنه في وقت سابق من هذا العام، وبينما كان القلق يتزايد بشأن استمرار ضربات المتمردين والنفوذ الإيراني في العراق، كانت الإدارة الأميركية قد أكدت استعدادها لمواصلة مهام مثل التدريب، والدفاع الجوي، والاستخبارات، والاستطلاع، ومهمات مشتركة لمحاربة الإرهاب. وطيلة أشهر الصيف، كان البيت الأبيض يدعو العراقيين إلى وضع قائمة بالمهام التي يرغبون أن تواصلها القوات الأميركية، وتحدث بشكل غير رسمي عن الإبقاء على ما بين 3 آلاف و10 آلاف جندي في العراق. وفي نهاية المطاف، ضغط زعماء الأقليتين، السنية والكردية، من أجل اتفاق يسمح للقوات الأميركية بالبقاء؛ لكن الصدر ومعارضين آخرين استمروا في معارضة الاتفاق، ثم انهارت المفاوضات في الأخير بسبب مسألة الحصانة. وقال أوباما: "سنواصل المحادثات حول الكيفية التي يمكن أن نساعد بها العراق على تدريب وتجهيز قواته من جديد، تماما مثلما نقدم التدريب والمساعدة لبلدان حول العالم"، مضيفا: "في النهاية، ستكون ثمة بعض الأيام الصعبة في انتظار العراق، لكن الولايات المتحدة ستواصل الاهتمام بعراق مستقر وآمن ومعتمد على نفسه". سكوت ويلسون وكارن دي يانغ - واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©