الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

إسرائيل تكرر تجربة الصليبيين في الدم والهدم والسيطرة

15 فبراير 2007 23:34
أحمد خضر: في العام ،1897 أوصى مؤسس الحركة الصهيونية ''تيودور هرتسل'' بالسيطرة على القدس، التي تعتبرها الأحزاب الإسرائيلية على مختلف اتجاهاتها روح الشعب اليهودي، وعاصمة إسرائيل· وفي عام ،1968 وبعد أشهر معدودات على نكسة يونيو عام ،1967 اتخذ الكنيست الإسرائيلي قراره بتوحيد المدينة المقدسة، بمعنى ضم القدس الشرقية للقدس الغربية التي كانت احتلت منذ النكبة عام ،1948 واعتبارها العاصمة الأبدية لإسرائيل، والتي لا تقبل المساومة أو الانقسام، وتلا ذلك حرق منبر صلاح الدين، والاستيطان في جبل أبوغنيم، وإحاطة المدينة بكتل استيطانية من أجل تهويدها بالكامل، وزيارة شارون المشؤومة للمسجد الأقصى، وإطلاق النار على المصلين· بقيت القدس خارج المعادلة في كل الطروحات والمقترحات لإحلال السلام مع العرب، والتي تقدم بها الإسرائيليون، وكان أكثرها سخاء ما طرحه كلينتون على ياسر عرفات في كامب ديفيد، والذي يتلخص في أن يأخذ الفلسطينيون الجزء العلوي من المسجد الأقصى، ويأخذ الإسرائيليون أسفله، ويكون لعرفات مكتب في الحرم، كرمز للسيادة بصورة معنوية وليس مادية، وهناك اتفاق آخر حول القدس، وهو ما عرف بوثيقة (بيلين ـ أبومازن)، يقضي بتوسيع القدس، وضم قرى عربية جديدة لها مثل ''أبوديس'' والتي تجعل من القدس مدينة مفتوحة، وعاصمتين، إلى آخر القصص المعروفة عن القدس، والتي بقيت موضوعاً حساساً من قبل الجانبين يدفعان بها إلى التأجيل وعدم الحسم، وهو ما أضر بالفلسطينيين كثيراً حيث استطاعت إسرائيل، أن تغير الكثير من المعالم العربية للمدينة المقدسة عبر الطرد والاجتثاث والهدم والتهويد· حتى يصدق العالم اليوم على مرأى من وسائل الإعلام العالمية تقوم إسرائيل بعملية هدم لأحد أبواب القدس القديمة، وهو باب المغاربة، والذي يفضي إلى المسجد الأقصى، ورغم استنكار وشجب العديد من الدول سواء العربية أو غيرها إلا أن إسرائيل مصرة على تنفيذ مخططها الذي يعتبر توطئة لهدم المسجد الأقصى نفسه الذي لا يعترف اليهود بقدسيته كمكان إسلامي، وإنما يطلقون عليه اسم (جبل الهيكل) نسبة إلى هيكل سليمان المزعوم· وفي رأي بعض المحللين الاستراتيجيين الأجانب أن السلام في المنطقة سوف يتحقق حين يقدم طرفا النزاع الأساسيان الفلسطينيون والإسرائيليون على تنازلين مؤلمين، حيث ينسحب الإسرائيليون من القدس مقابل تنازل الطرف الفلسطيني عن قضية اللاجئين، بمعنى أن حائط البراق، والذي يسميه الإسرائيليون حائط المبكى، يعادل في أهميته ملايين اللاجئين المشردين في كافة بقاع الأرض، وأن بضع حجارة متآكلة يقف اليهود ينوحون أمامها تعادل الحقوق الشرعية والوطنية لشعب بأكمله، وبالمناسبة فإن اليهود كان يسمح لهم أيام السبت بالوصول إلى حائط المبكى لممارسة طقوسهم الدينية قبل العام ،1967 حين كانت القدس تحت الحكم الأردني· مدينة التضحية لقد سطر أهالي القدس بمسلميهم، ومسيحييهم، أروع صور الاستبسال والتضحية في الدفاع عن مدينتهم، حيث كانوا يهبون سوية للدفاع عن بيت الشرق الذي أغلقته إسرائيل، وكانت تعتبره مقراً لمنظمة التحرير الفلسطينية، واعتقل مسؤول بيت الشرق المرحوم فيصل الحسيني أكثر من مرة، وكذلك هب أبناء القدس لمنع الصهاينة من تدنيس المسجد الأقصى، والاستيلاء على بعض الأماكن، والكنائس المسيحية في القدس· وفي مفاوضات كامب ديفيد فإن الإسرائيليين طالبوا بالحي المسيحي في القدس، وفور الاستيلاء على المدينة المقدسة عام 67 قاموا بتدمير ثلاث قرى عربية كانت متداخلة مع الأراضي التي احتلت عام ·1948 لقد قطعت قوات الاحتلال القدس عن الضفة الغربية من جهة الشمال والجنوب والشرق، من خلال إقامة أكبر المستوطنات في الضفة الغربية، وهي كفار عتصيون، وراموت، وجيلو، والتي يمكن أن تصبح جزءاً من إسرائيل في حالة التوصل إلى اتفاق سلام نظراً إلى تجاورها من إسرائيل، أو أهميتها التاريخية للوجود اليهودي كما يدعون، بينما بقيت المدينة المقدسة مفتوحة على إسرائيل غرباً، ولم يعد يسمح لأحد بالدخول إليها ممن يأتونها من نابلس وجنين وطولكرم ورام الله في الشمال، أو من بيت لحم والخليل في الجنوب ممن تقل أعمارهم عن 45 عاماً للصلاة يوم الجمعة· إنها سياسة الأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل، إضافة إلى ذلك محاصرة السكان العرب، والذين يتناقص عددهم فيها، مقابل الزيادة المطردة في عدد اليهود، ومن أجل حث اليهود على الشراء والاستيطان في القدس العربية تم نقل بعض المؤسسات الحكومية والوزارات الإسرائيلية إليها، وأقام بعض الزعماء الصهاينة فيها مساكن، مثل شارون الذي يمتلك بيتاً في قلب مدينة القدس، وفي نفس الوقت تهدم بيوت المواطنين العرب، ولا يمنحون رخصاً للبناء· الهدم والتهويد إن ما تقوم به دائرة الآثار الإسرائيلية من حفريات تحت المسجد الأقصى، وهدم لمدخل باب المغاربة، يعتبر انتهاكاً صارخاً للمواثيق الدولية ، التي لا تجيز لدولة الاحتلال أن تعبث بالآثار الدينية والتاريخية والحضارية للبلد الواقع تحت الاحتلال، لكن إسرائيل تلبس ما تقوم به من هدم وتجريف لبوسات خاصة، وتوجد له مبررات خارجة عن السياق التاريخي والديني والوطني للفلسطينيين والعرب والبشر جميعاً، وما قامت به الجرافات الإسرائيلية في باب المغاربة على مرأى العالم أجمع، يعد أكثر من إهانة واستفزاز لمشاعر المسلمين في الأرض، ذلك إن إسرائيل مصرة بكل تأكيد على سرقة القدس وتهويدها وهدم المسجد الأقصى· لم يكن ما قامت به إسرائيل في حي المغاربة خروجاً عن العادة الإسرائيلية، ولكن نقلها عبر الفضائيات وبهذا الشكل السافر يشكل منعطفاً سياسياً له دلالته الهامة، وهي أن إسرائيل تريد أن تسابق الزمن، وتقطع على الفلسطينيين كل خططهم ومواقفهم السياسية، وتقلل من سقف مطالبهم بخصوص القدس على طاولة المفاوضات في المستقبل، وتبتز تنازلات جديدة عن أجزاء منها، وتقنع الفلسطينيين أن ذلك لا يعني التنازل عن الهوية الوطنية، أو المس بالمحرمات الدينية والسياسية، تريدهم أن ينسوا الذاكرة الوطنية والدينية، كما تريد أن تثبت للمجتمع الدولي أن القدس إسرائيلية وهي غير قابلة للمساومة والنقاش، أليس هذا هو ما قاله بيريز قبل فترة وجيزة، وما قاله جميع حكام إسرائيل المتعاقبين؟! إن المحاولات المحمومة التي تقوم بها إسرائيل لتغيير الطابع الديمغرافي، والحضاري، والتاريخي الإسلامي والمسيحي في القدس جريمة كبرى، وتظهر مدى استهتار إسرائيل بالفلسطينيين، والعرب، وهي تريد أن تحسم الأمور مسبقاً لصالحها في المعركة السياسية القادمة، وتسعى إلى حصر القدس في أمور دينية بحتة، أي إطلاق حرية العبادة والصلاة للمسلمين والمسيحيين مع بقاء السيطرة الإسرائيلية· تراجيديا فلسطينية ولا شك أن قضية القدس بكل ما تحمله من مدلولات سياسية وروحية تلقي بظلالها على الساحة العربية، ولقد تنادى العديد من المسؤولين العرب لاستنكار هذه الجريمة الإسرائيلية الشنعاء، كما أنها تمثل لحظة تراجيدية في حياة الفلسطينيين، فهل سيدفع حزن القدس وبكاؤها على بواباتها العتيقة بالفلسطينيين والعرب والمسلمين كافة من الدخول في صراع ديني مع إسرائيل هي تسعى إليه عن قصد وسبق إصرار؟! إن المسألة في أساسها صراع على الأرض، ولا بد من تقديم التنازلات المطلوبة من قبل إسرائيل لتحقيق السلام، لكن الإسرائيليين يريدون الأرض والسلام معاً، في حين تبقى الاختلافات مستحكمة حول القدس، التي تقوم إسرائيل بتغيير معالمها، وتشويه آثارها الحضارية، وتدنيس مقدساتها وتهويدها، والتحكم في مفاتيحها من كل الجهات· أما بخصوص السكان، فليس من المعقول أن تضيف إسرائيل لنفسها 200 ألف عربي هم أبناء القدس الشرقية، والذين هم ليسوا سكان المدينة الأصليين، بل قدموا إليها من الخليل وباقي مدن فلسطين، ذلك أن سكانها والذين كان يبلغ عددهم 70 ألفاً ذبحوا عن بكرة أبيهم في ساحة المسجد الأقصى، وشوارع القدس وأزقتها أثناء احتلال المدينة المقدسة من قبل الصليبيين، واليوم يسعى الإسرائيليون للتخلص من أبنائها وسكانها العرب، عن طريق تقديم الإغراءات المالية، لدفعهم للهجرة أو بيع أراضيهم وممتلكاتهم، والتضييق عليهم، والبدء بتنفيذ هذا المخطط الخطير في إزالة الآثار الدينية والتاريخية للمسلمين والمسيحيين في القدس، وهذا يعني أن إسرائيل لا تريد السيطرة على القدس الغربية والحي اليهودي في القدس الشرقية، وهو ما تم التنازل عنه فعلاً من قبل الفلسطينيين في كامب ديفيد، حيث يحصلون على قدس آمنة ديمغرافياً، في حين تترك الأحياء العربية لأصحابها الفلسطينيين لتكون عاصمتهم· لذا فإن أعمال التجريف والهدم التي تقوم بها إسرائيل في القدس، هو شكل من أشكال العنصرية، والتطهير العرقي، ذلك أن كل المقترحات التي قدمت للجانب الإسرائيلي بشأن القدس رفضت، حتى لدى بعض الحكومات التي اعتبرت (مرنة أو معتدلة) فمثل هذه الحكومات رفضت مبدأ السيادة الفلسطينية على الأحياء العربية، ورفضت تقسيم القدس· مبدأ القوة إن الأطر التي تتحدد وفقها عملية السلام مع إسرائيل هي الحدود والأمن والقدس واللاجئين، وهناك وضوح إسرائيلي عند الحديث عن هذه القضايا، فالحدود ليست هي حدود ،1967 والأمن بيد إسرائيل وهذا يعني الاستيلاء على وادي الأردن والإبقاء على المستوطنات، والقدس عاصمة إسرائيل الموحدة، ولا لعودة اللاجئين، أما بخصوص الجانب الفلسطيني فهو الطرف الضعيف الذي لا يملك حولاً ولا قوة، ومطلوب منه أن يقدم التنازل تلو التنازل، ورغم ذلك فإن هذا لم يرض إسرائيل التي ترفض كل المبادرات العربية والدولية، وتريد (نعم) فلسطينية وعربية صريحة بخصوص الموافقة على الرؤية الإسرائيلية للسلام· ''التوحيدية'' مدينة الديانات بوابة المغاربة إحدى بوابات القدس التي تؤدي إلى المسجد الأقصى، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى الفيلق المغربي الذي جاء من المغرب لنصرة صلاح الدين الأيوبي، إبان تحرير القدس من الصليبيين، هؤلاء الذين كانوا يرفعون الأعلام ، وسمي بعضهم آل العلمي ، الذين يعيشون في فلسطين والأردن، والقدس مدينة مقدسة لدى الديانات التوحيدية الثلاث، أو كما أسماها الملك الراحل حسين مدينة المؤمنين، وتضم أكثر من سبعة وخمسين موقعاً مقدساً ، لكنها في ذات الوقت مدينة سياسية، لذا لا بد من إعادة القسم الشرقي الذي احتل عام 1967 للعرب، وهو ما لا يقبله الإسرائيليون على الإطلاق ومن هنا يكون هدم بوابة المغاربة تعد توطئة لهدم وتشويه واقتلاع أماكن مقدسة ، وآثار حضارية أخرى في القدس، مدينة المقدسات، ومهبط الأديان، ومسرى الرسول الأعظم ومعراجه إلى السموات، وهذه الصورة العاطفية الوجدانية تجاه القدس متجذرة في أعماق أكثر من مليار عربي ومسلم، يتم توارثها جيلاً بعد جيل، وليس ممكناً أن يسلم هذا الجمع الكبير من البشر بالتنازل عن القدس، وتحقيق الحلم الصهيوني في السيطرة والسيادة ومحو كل مقدسات المسلمين، والمسيحيين وجعلها أثراً بعد عين، ويبدو أن ما يفعله الصهاينة ضد منطق الأشياء، ولا بد لهم في النهاية من تقديم تنازلات سياسية (مؤلمة) حسبما يدعون، أي التنازل عن السيادة على (جبل الهيكل) كما يزعمون، والانسحاب من القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين حتى يتحقق السلام·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©