الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذبح الحياء من الألف إلى الياء!

5 نوفمبر 2014 22:45
نصف الحق باطل كامل ونصف الحقيقة كذب كامل، واحتكار الحق والحقيقة غباء وحماقة كاملان .. ويقيني بأنني على الحق وحدي عزة بالإثم، وهؤلاء باختصار هم الإرهابيون.. وهذا بإيجاز هو الإرهاب.. العزّة بالإثم والصلف بالجهل والغفلة.. والشيطان الرجيم إبليس هو أول إرهابي في الخليقة فقد أخذته العزّة بالإثم وأغوى الناس بأنصاف الحقائق التي هي كذب كامل، وأضل أتباعه بأنهم على الحق فأوردهم المهالك. ولا يمكن أن تجد الشيطان أبداً في علب الليل والمراقص وأوكار الجريمة والقتل والإرهاب .. لكنك تجده دائماً في دور العبادة وأماكن العمل والمصانع والمزارع. مهمة إبليس وجنده أن يوصلوني إلى أماكن الانحراف والرذيلة والإرهاب ولكنهم لا يدخلونها أبداً، فهم يعودون ليأخذوا أناساً آخرين إلى أبواب الضلال والرذيلة والإرهاب. والشيطان مثل الإرهابيين تماماً أو هم مثله، فهو يوحي إلى أوليائه زخرف القول زوراً، وزخرف القول هو القول الجميل المنمق ذو المعنى الخبيث، أو الذي ليس له معنى على الإطلاق. فالإرهابيون أيضاً يقولون لمن أضلوهم: هل ندلكم على شجرة الخلد وملك لا يبلى؟ هل ندلكم على طريق الجنّة وطريق الله؟ والحوار مع الإرهابيين مثل أن تحاور الشيطان لا معنى له ولا طائل منه. الشيطان يتحدث وحده ولا يسمح لك بالحوار معه، وكذلك الإرهابي لا يسمح لك بالحوار معه، لأن الشيطان مهمته ورسالته ووجوده هي الشيطنة، والإرهابي مهمته ورسالته الإرهاب. وفورات وفتن الخريف العربي كلها فجرها وقادها شياطين أوحوا إلينا زخرف القول زوراً ورفعوا شعارات حق أرادوا بها باطلاً .. وأضلوا كثيراً من العباد بعلم وبغير علم.. وأسوأ شعار حق أريد به باطل ذلك الذي راح يدور ويلف في كل دول الخريف العربي وهو شعار: كسر حاجز الخوف وهدم جدار الخوف.. فقد قالوا: إن فتن الخريف العربي كسرت جدار وحاجز الخوف، وهذا في رأيهم أعظم إنجازاتها.. وفرح البلهاء وما أكثرهم بهذا الشعار، وأعجبهم وراحوا يطبقونه عملياً في الحياة وهم لا يعلمون أنه باطل وأنه شعار خبيث وقول شيطاني ظاهره الخير وباطنه الشر.. ولا يمر يوم ولا برنامج فضائي ولا مقال عن ذلك البلاء المسمى الربيع العربي إلا وتسمع أو تقرأ فيه شعار: كسر حاجز الخوف وهدم جدار الخوف .. تماماً مثل قول الشيطان لآدم (... يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى)، «سورة طه: الآية 120»، ومن ذا الذي لا يريد الخلد ولا يريد ملكاً لا يبلى.. حلم جميل وأمل رائع مثل كسر جدار وحاجز الخوف ومثل شعار الفتنة المصرية (عيش - حرية عدالة اجتماعية - كرامة إنسانية).. كلنا نحلم بالعيش والحرية والعدالة والكرامة ولا بد في سبيلهما أن نكسر حاجز الخوف .. وهذا الشعار هو الذي عصف بكل دول «الخريف العربي»، وما زال يعصف بها وربما سيظل طويلاً يعصف بتلك الدول. أدى شعار كسر حاجز الخوف إلى شيوع وباء الإرهاب وإلى الانفلات الإعلامي والسيلان الفضائي والصحفي والفني والسياسي- فبدلاً من أن نكسر حاجز الخوف قادتنا غفلتنا إلى كسر حاجز الحياء وخلطنا خلط الأغبياء بين الجرأة والوقاحة وبين الشجاعة والإرهاب وبين النقد والتطاول والسب وبين الحرية والفوضى، وفقدت دول الخريف العربي كلها المرجعيات والثوابت والقيم ولم يعد فيها كبير ينبغي احترامه وتوقيره ولا صغير يجب أن نرحمه ونحنو عليه .. وانتشار هذا الوباء في عدة دول عربية ليس دليلاً على أنه الحق، ولكنه دليل قاطع على أن الشر يعدي والخير لا يعدي، وأن الانحراف يُعدي والاستقامة والالتزام لا يعديان. كسرنا حاجز الخوف فاندفعت مياه الصرف الصحفي والإعلامي والسياسي والإرهابي لتغرق بلاد الخريف في الدم والعفن. وأدى هذا الصرف غير الصحي إلى ما أسميه سهولة الإجماع على الباطل، لأن الكثرة في دول الخريف صارت كغثاء السيل. وصار كل من هب ودب ناشطاً ومحللاً وخبيراً استراتيجياً وإعلامياً ورئيس حزب ومرشداً لجماعة لا حياة لها إلا في الفوضى ولا نماء ولا راحة لها إلا في مستنقعات الصرف السياسي، بل والصرف الديني أيضاً، لأن الآنية التي تنضح لنا ديناً وسياسة وإعلاماً آنية مسممة لذلك تسمم كل ما فيها، وملعقة واحدة من السم كفيلة بتسميم برميل ضخم من اللبن والعسل، وهذا ما فعله الإرهابيون والإخوان والنشطاء وهوام وحشرات الخريف العربي.. والحديث كله ذو شجون. وذو مجون أيضاً- وإنني لأشعر باليأس من إمكانية إعادة الأمور إلى نصابها في دول الخريف.. فقد أفلت العيار ولم يعد هناك خيار بعد ذبح الحياء من الألف إلى الياء. محمد أبو كريشة * * كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©