الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

مِنْ وَحْي الهجرة

مِنْ وَحْي الهجرة
15 أكتوبر 2015 22:40
في مُسْتَهَلِّ كلّ عام هجري يُشرق على الوجود هلال المحرم، فَيُجَدّد في دنيا الإسلام ذكرى من أعزِّ الذكريات، إنها ذكرى هجرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. وَتُعَدّ الهجرة النبوية حدثاً فاصلاً في تاريخ الأمة الإسلامية، فقد كانت فتحاً مبيناً ونصراً مُؤَزَّراً ومنعطفاً عظيماً في حياة المسلمين ترسَّخت من خلالها دعائم الوحدة، وتنسَّم المسلمون عَبَقَ الحرية بَعْدَمَا أصمَّ المشركون آذانهم واستغشوا ثيابهم وأَصَرّوا واستكبروا استكبارا، فلم يكن بُدٌّ من العمل على حياة كريمة تليق بالإنسان وكرامته ورسالته في هذه الحياة. إن ذكرى الهجرة النبوية العطرة لا تحتاج إلى سرد الأحداث والوقائع، إذْ من الواجب أن يكون جميع المسلمين على دراية تامة وإلمام محيط بمغازيها وعياً وحفظاً وفهماً، فلا رفعة لأمةٍ لا تُحافظ على تاريخها وتراثها، وأي تاريخ أرفع وأنقى وأسمى من ذلك الذي أضاء نوره الإسلام، وزرعه رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - فأنبت نباتاً حسناً بفضل من الله سبحانه وتعالى. لقد كانت الهجرة فاتحة خير بالنسبة للمسلمين والدعوة الإسلامية على السواء، فقد تهيأت من خلالها سبل النصر للمسلمين، وتألفت من ضيائها أنوار الهداية لترسل بأشعتها في كل اتجاه من أرجاء المعمورة، ومن ثَمَّ فقد فطن الفاروق عمر - رضي الله عنه - إلى أهمية هذا الحدث فجعل منه بداية التقويم الهجري، مع أن الإسلام قد بدأ في إرسال أشعته الهادية قبل ذلك بسنوات، بَيْدَ أن هذا الحدث بالذات كان بمثابة الانطلاقة الحقيقية لدولة الإسلام ووحدة المسلمين. تمحيصاً للمؤمنين وَحَدَثٌ بهذه الخطورة والأهمية لا بُدَّ أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - قد أَعدّ له العدة وَوَفَّرَ له من عوامل النجاح ما لابُدَّ منه، خاصة وأن أعداءه المتربصين بالإسلام والمسلمين لم يكونوا ليتركوه لتقوى شوكة الإسلام والمسلمين في يثرب، فيصبح ذلك خطراً يُهَدّد تجارتهم ودينهم بل ومستقبلهم كله. لقد كانت الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة تمحيصاً للمؤمنين واختباراً صعباً اجتازوه بنجاح كبير حيث فارقوا أرضهم وديارهم وأهليهم استجابة لأمر الله وإعلاء كلمته، كما كانت الهجرة إلى المدينة المنورة إيذاناً بفجر جديد في تاريخ الدعوة، حيث أصبح للإسلام دولة عزيزة الجانب. فقد كانوا في مكة أفراداً، فصاروا في المدينة دولة. وكانوا في مكة مضطهدين، فصاروا في المدينة مُكَرَّمين. وكانوا في مكة فاقدي الأمن، فصاروا في المدينة آمنين. وكانوا في مكة لا يَرُدُّون عن أنفسهم أذى، فصاروا في المدينة يكيدون من كادهم ويُرهبون من يعاديهم. كانوا في مكة يعبدون الله سراً، فصاروا في المدينة يرفعون الأذان عالياً مدوياً خمس مرات في اليوم لا يخافون إلا الله - عز وجل. هذه هي هجرتهم، تحوّل عظيم صاعد في سماء الدعوة، وعند دراستنا للسيرة النبوية الشريفة نجد أن الهجرة كانت رحمة من الله لعباده، حيث اشتملت على دروس كثيرة عميقة الدلالة دقيقة المغزى بعيدة الأثر، ومن واجب الأمة الإسلامية الاستفادة من هذه الدروس عن طريق تذكرها والتأثر بها، وخير احتفال بذكرى الهجرة اليوم أن نعود إلى هذه القيم والتي تتطلب منا أن نرتفع بها من المدارسة إلى الممارسة، ونقف اليوم عند درسٍ واحد هو درس المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار. المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار سلام على المهاجر العظيم محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى الذين معه، الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله، خرجوا يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وعلى الذين آووا ونصروا، يُحبون من هاجر إليهم ويؤثرونهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. فالإخاء بين المهاجرين والأنصار أحد الأسس المهمة التي قامت عليها الدولة الإسلامية، وهو المثال الأول في التاريخ الإسلامي الذي جمع بين قبائل شتى من مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومن المعلوم أن ذلك لم يكنْ ليحدث لوْ لمْ يكنْ تحت عين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبتوجيه منه - عليه الصلاة والسلام-، وقد كان بينهم ما كان من عصبيات أدت أحياناً إلى حروب طويلة. وقد أثنى القرآن الكريم على الطرفين اللذين تكوَّن منهم المجتمع الإسلامي أطيب الثناء وأعطره، وسجل موقفهم في آيات خَلَّدت حُسْنَ صنيعهم ما بقيتْ آيات الله تُتلى كما في قوله تعالى: (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، «سورة الحشر الآية 8-9». فما أعظم الحدث الذي تتلاقى فيه كرام الفضائل، مهاجرٌ يعلن للدنيا عقيدته الصادقة ويبتغي فضل الله عز وجل ورضوانه وينصر الله ورسوله، وإن اشتد الفقر في مجاهدته والكفر في ملاحقته، وأنصاريٌّ يستقبل بالحب والترحاب أخاه في الإسلام وكفى به نسباً وبالقرآن حسباً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - رسولاً و إماماً، فيأوي الضيف ويؤَمّنه من خوف ويشاركه في كل شيء. وهكذا اختار الله السابقين من المهاجرين والأنصار من تلك العناصر الفريدة النادرة، ليكونوا هم القاعدة الصلبة لهذا الدين في مكة المكرمة، ثم ليكونوا هم القاعدة الصلبة لهذا الدين في المدينة المنورة مع السابقين من الأنصار، ولم يعرف تاريخ البشرية حادثاً جماعياً كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين بهذا الحب الكريم وبهذا البذل السخي، وبهذه المشاركة الرضيَّة وبهذا التسابق إلى الإيواء واحتمال الأعباء. ومنذ ذلك الحين انطلقت دعوة الإسلام قوية تُجلجل في أقطار الجزيرة العربية، وتهدّ قواعد الشرك والوثنية وتقضي على مآثر الجاهلية فتنهار الأصنام التي كانت تُعبد من دون الله، وتنشر رسالة الإسلام في العالم أجمع ويدخل الناس في دين الله أفواجاً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©