الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

هِجْرَةُ الأخلاق

هِجْرَةُ الأخلاق
15 أكتوبر 2015 22:40
في مناسبة إغلاق ملف سنة هجرية منصرمة، وافتتاح سنة هجرة جديدة، يستمع الناس إلى كثيرٍ من المتحدثين عن أحداث الهجرة النبوية، والدروس والعبر المستفادة من ذلك الحدث التاريخي لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. صاحب هذه المناسبة هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله رحمةً مُهْداة ونِعْمَةً مُسْداة، في زمن عَمَّتْ فيه الجهالات وفَشَت فيه الضلالات، وعبثَ الشيطان بالبشر حتى عبدوا الحجر، وفسدت الأخلاق والأفكار والعقول، ووصل الحال بالناس إلى ما وصفه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله: «كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار يأكل القوي منا الضعيف». نعم لقد تكاثف الظلام، وغرق الإنسان في بحر من الظلمات والأوهام، فأراد الله إنقاذ البشرية وهداية الإنسانية برسول الرحمة، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، «سورة الأنبياء: الآية 107»، فكانت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم دعوة إلى إحياء العقل والأخلاق والقيم، ونوراً يهدي، كما قال الله تعالى: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ)، «سورة المائدة: الآية 15»، قال المفسرون: «يعني بالنور، محمداً صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحقَّ، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به». فاستقامت الأخلاق، وطَهُرَت النفوس، وانتشر المعروف، وانحسرَ المنكر، وتلاشى الظلام، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهى عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم. كل ذلك تحت سماء الرحمة والعطف والحنان النبوي من سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، حتى إنَّهُ من حنانه وعطفه يتألم ويتحسر لإعراض المعرضين عن الإيمان والخير، قال تعالى: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)، «سورة الكهف: الآية 6»، وقال: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، «سورة الشعراء: الآية 3». وقابلت فئةٌ من الناس حبه ودعوته وهدايته ونوره بالعداوة والبغضاء والمحاربة والإيذاء، حتى اشتد البلاء وعَظُمَ، فهاجر الصحابة الهجرة الأولى والثانية إلى الحبشة، ثم هاجروا بتوجيه نبوي إلى المدينة المنورة، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم بعدهم، ومضت الأيام، وأذنَ الله لنوره أنْ يتم، ولرسوله أنْ يظهر، وفتحت مكة، وعم نور الإسلام الجزيرة العربية ثم فاض إلى العالم. وانقطعت الهجرة الجسدية من مكة لدخولها في رحاب الإسلام، ولكن الذي لن ينقطع وسيبقى مطلوباً هو الهجرة من الأخلاق المذمومة إلى الأخلاق المحمودة، ومن المعاصي إلى الطاعات، ومن الغفلة إلى الأنس بالله، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه»، «المهاجر من هجر السوء فاجتنبه»، «المهاجر من هجر الخطايا والذنوب». فليهجر الإنسان الكبر والغرور والعجب والحسد والكراهية والخصومة والشح والبخل والغل، ويزين نفسه بالتواضع والزهد وحب الخير للناس، والحرص على نشر الألفة والمحبة والخير والمعروف. إنَّ أوَّلَ وأبرز عملين قام بهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته هما: بناء مسجده الذي كان مجمع خير ونور وصلة بالله تعالى، وموضع لقاء للمؤمنين، حتى تتم صلة الخلق بالخالق، ويجد الناس لذة العبودية لرب البرية. وأما العمل الثاني فكان عقد الأخوة والمحبة بين المهاجرين والأنصار حتى يكون المجتمع متلاحماً مترابطاً متعاوناً متكاتفاً متكافلاً. فما أحوجنا إلى هذه المعاني الشريفة والأخلاق المنيفة. د. سيف علي العصري المفتي في المركز الرسمي للإفتاء
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©