السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجزائر تشيّد ملايين الشقق لمواجهة أزمة السكن

الجزائر تشيّد ملايين الشقق لمواجهة أزمة السكن
22 أكتوبر 2013 00:46
تشهد الجزائر منذ سنوات طويلة أزمة سكن حادة يترجمها الارتفاعُ الحاد في الطلب مقابل نقص في العرض، ويتزايد الطلب من عام إلى آخر مع زيادة عدد السكان الذي بلغ إلى غاية 31 ديسمبر 2012 أكثر من 37.8 مليون نسمة. وتواصل الدولة جهودها لامتصاص العجز في الوحدات السكنية، وجعلت الأمرَ أولوية الأولويات في العشرية الأخيرة، لكن الملاحظ أن أزمة السكن تتفاقم بالجزائر مع ارتفاع عدد المساكن المُشيَّدة، ما يدفع إلى التساؤل عن سرّ هذه المفارقة العجيبة. تعود جذور أزمة السكن بالجزائر إلى بداية الستينيات، فبعد استقلال البلد عن فرنسا في 5 يوليو 1962، حدث تغييرٌ جذريٌ في النمط المعيشي للجزائريين، فتخلى الكثير من الفلاحين عن الزراعة في الريف ونزحوا إلى الجزائر العاصمة والمدن الكبرى التي شيّدتها فرنسا أثناء فترة الاحتلال (5 يوليو 1830- 5 يوليو 1962) طلباً لتحسين ظروف العيش والبحث عن وظائف في المصانع التي خلفتها فرنسا، وكذا تلك التي بدأت الدولة الجزائرية الفتية تشيِّدها بمداخيل البترول. ومع ارتفاع موجة النزوح الريفي، شهدت الجزائر العاصمة خاصة، أزمة سكن غير مسبوقة، وبدأت تظهر الأكواخ القصديرية في ضواحي المدينة، وتفاقمت الأزمة أكثر في العقود الثلاثة الماضية بعد أن بلغ عددُ سكان العاصمة نحو 5 ملايين نسمة، الكثيرُ منهم نزحوا إليها من الولايات الداخلية، بحثاً عن حياة أفضل، ولم تفلح جهود الحكومات المتعاقبة في تثبيت الريفيين في قراهم وبلداتهم من خلال إعادة الاعتبار للريف، وتوفير ظروف العيش الكريم فيه لتخفيف الضغط عن الجزائر العاصمة والمدن الكبرى التي أضحت تشهد اختناقاً سكّانياً كبيراً. «المساكن الهشة» ورغم أن الحظيرة الوطنية للسكن تتجاوز 7.5 مليون وحدة سكنية، مشيّدة في العهد الاستعماري الفرنسي وخلال نصف قرن من الاستقلال، إلا أن العجز في السكن يتراوح بين 2.5 مليون و3 ملايين وحدة سكنية، بحسب المحلل الاقتصادي عبد الوهاب بوكروح، وهو عجزٌ كبير يحتاج إلى سنوات عديدة لسدِّه، لكن المشكلة برأيه، تكمن في النموّ السريع لعدد السكان وبالتالي ارتفاع الطلب على السكن من عام إلى آخر، فلا تكاد الدولة تلتقط أنفاسها بتلبية جزء من الطلب حتى تواجه المزيدَ من الطلب من مواطنين متزوجين حديثاً، يطالبون بحقهم في الحصول على سكن مستقل عن البيت العائلي. والمشكلة لا تقتصر على الزيادة الطبيعية لعدد السكان، وبالتالي الحاجة إلى بيوت جديدة، بل تتعلق أيضاً بضرورة تجديد الحظيرة السكنية الموروثة عن الاستعمار الفرنسي، فالمساكن التي شُيّدت في القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين أضحت الآن قديمة واهترأت وأصبحت مهدّدة بالانهيار في أي لحظة، وقد سقط بالفعل العديدُ من البنايات القديمة في الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة في العشرية الأخيرة مخلِّفة ضحايا عديدين، ما دفع وزارة السكن إلى وضع خطة لترحيل أصحاب هذه البنايات التي تطلق عليها وصف «السكنات الهشة». وتقدّر الوزارة عدد المساكن الهشة بنحو 360 ألف سكن، ويعِدُ الوزير بإعادة إسكان قاطنيها في مساكن أخرى حديثة قبل نهاية سنة 2014؛ أي بعد أن يكتمل إنجاز المخطط التنموي الخماسي 2009- 2014 الذي وضعه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة فور إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثالثة في أبريل 2009، بغرض إحداث إقلاع اقتصادي شامل، وتلبية الحاجيات الأساسية للجزائريين وفي مقدمتها السكن. مليون وحدة سكنية وأعلنت السلطات بناء مليون وحدة سكنية جديدة إلى غاية 2014 وفق المخطط، علماً أن هناك مخططاً تنموياً خماسياً سابقاً بين 2004 و2009 تمكَّنت السلطات من خلاله من بناء مليون وحدة سكنية، حسب وزير السكن السابق نور الدين موسى، لكن المحلل بوكروح شكك في هذا الرقم ووصفه بـ»المضخَّم»، مضيفاً أن استمرار أزمة السكن وازدياد حدّتها تجعل الشكوك قائمة في مثل هذه الأرقام. وأضاف «المعروف أن قدرة المقاولات ومؤسسات البناء الجزائرية على الإنجاز محدودة بالنظر إلى ضعف إمكاناتها المادية ونقص خبرتها في الميدان، ولذا تم الاستنجاد بمؤسسات البناء الصينية المعروفة بسرعة إنجازها وإمكاناتها المادية والتقنية الضخمة، ولكن أعتقد أن عدد المساكن المنجَزة في آخر المطاف أقلّ من العدد المعلن عنه رسمياً». واستنجدت الجزائر بشركات بناء متعددة الجنسية لتجسيد برنامجها ببناء مليون وحدة سكنية قبل نهاية 2014، وتراهن عليها لإتمام كل المشاريع في الآجال المحددة وبالتالي تخفيف حدة أزمة السكن عن مواطنيها وتلبية أكبر عددٍ ممكن من طلباتهم، وتُوجه أغلب المساكن للطبقات الفقيرة، بينما أعلن وزير السكن عبد المجيد تبّون تخصيصَ 280 ألف سكن للطبقة المتوسطة ضمن برنامج يُعرف بـ»سكنات البيع بالإيجار»، كما أعلن بناء خمس مدن جديدة لتخفيف الضغط عن العاصمة والمدن الكبرى. المحاباة في التوزيع يعتقد عددٌ من متتبعي هذا الملف الحساس الذي عادة ما يُحدِث توتراتٍ اجتماعية في الجزائر، أن المشكلة لا تكمن في نقص المساكن المشيَّدة، بل في سوء توزيعها؛ فقد ثبت أن الكثير منها قد ذهب إلى مسؤولين في مختلف المناصب والمواقع وإلى أقاربهم ومعارفهم.. وهؤلاء عادة ما يعيدون بيعها أو يقومون بتأجيرها، أو يتركونها مغلقة. وقدّرت لويزة حنون، رئيسة «حزب العمال» بالجزائر عدد المساكنت المغلقة بأكثر من مليون شقة، وطالبت السلطات بـ»وضع اليد عليها واسترجاعها وإعادة توزيعها على المحتاجين الحقيقيين». وللتخفيف من وطأة الظاهرة التي تُشعِر المواطنين بالغبن وغياب العدل في التوزيع، لجأت السلطات إلى إجراءات عديدة للتضييق على المحتالين الذين يتخذون من الاستفادات المتعددة من السكن مصدراً للريوع، ومنها منع بيع المساكن أو تأجيرها إلا بشروط عسيرة. ثوب «الضحية» وجاءت هذه الإجراءات بعد أن لاحظت السلطاتُ أيضاً أن أصحاب الاستفادات المتعددة لا يقتصرون على مسؤولين استغلوا نفوذهم، بل إن الكثير من المواطنين البسطاء أيضاً أصبحوا يتخذون من المساكن مصدراً ممتازاً لتحقيق الثراء؛ إذ أثبتت تحقيقاتٌ رسمية عديدة أن الكثير من المواطنين الذين رُحِّلوا من مساكنهم القصديرية إلى شقق حديثة، قد قاموا ببيعها وعادوا إلى أكواخهم التي هدّمتها السلطات بعد ترحيلهم، وأعادوا بناءَها من جديد، ولبسوا مجدداً ثوب العائلة البائسة أو «الضحية» المحتاجة إلى سكن لائق، وقد صرّح رئيس الحكومة الأسبق أحمد أويحيى بأن «أحسن طلب للسكن في الجزائر هو بناء كوخ قصديري بهدف الضغط على السلطات ووضعها أمام الأمر الواقع»، وقامت السلطات مراراً بتهديم هذه الأحياء القصديرية وترحيل سكانها إلى ولاياتهم الأصلية في العقود الماضية، غير أن تفاقم الإرهاب في التسعينيات جعلها تغض الطرف عن عودة آفة بناء الأحياء القصديرية، حتى تفاقمت الآن وأصبحت مستعصية على الحل، إذ تقدِّر مصادر مستقلة عددَها بنحو نصف مليون كوخ قصديري موزعة على أحياء قصديرية مكتظة تحيط بالمدن الكبرى، وبخاصة الجزائر العاصمة، وتنتشر فيها مختلفَ الآفات الاجتماعية وبخاصة الإجرام والمخدرات والسرقة. 2.5 مليون مسكن جديد تنوي السلطات معالجة آفة السكن القصديري جذرياً من خلال ترحيل سكان القصدير إلى مساكن عصرية في السنوات القليلة المقبلة، ووضع «شرطة عمران» تمنع هؤلاء بصرامة من العودة إلى مواقع أكواخهم القصديرية لتشييدها من جديد، فضلاً عن تلبية الملايين من طلبات المواطنين المتعلقة بالسكن من خلال إكمال مشروع المليون مسكن قبل نهاية 2014 ثم الشروع في إنجاز 2.5 مليون مسكن جديد ضمن المخطط الخماسي القادم 2014- 2019. ويؤكد بوكروح أن هذا العدد الكبير من المساكن «سيحل أزمة السكن في الجزائر بنسبة 90 بالمائة»، ولكن شرط أن «تتحلى الدولة بالصرامة في التوزيع وأن تذهب المساكن إلى مستحقيها». أما في حالة العكس، فستزيد الأزمة تفاقماً وستبقى المظاهر الحالية سائدة ومنها بلوغ أسعار الشقق بالجزائر العاصمة «مستويات خيالية جعلها تفوق أسعار نظيرتها في إسبانيا وفرنسا»، بحسب عبد الكريم عويدات، رئيس الاتحادية الجزائرية للوكالات العقارية، والحل حسب عويدات يكمن في بناء مساكن موجهة للإيجار فقط عوض البيع حتى يمكن القضاءُ على ظاهرة الشقق المغلقة، وكذا وضع حد لاستنزاف الطبقة الوسطى باستئجار بيوت من الخواص بأسعار تفوق نصف مرتباتهم.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©