الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يُحكى أن الصدى

يُحكى أن الصدى
15 مارس 2009 02:10
أصنام وماذا لو صدَّق الممدوحون أنفسهم؟ ماذا لو تحول الكلام الكثير الذي يُسفح على امتداد لحظات الوقت تزلفاً وتقرباً وتسويقاً وتزويقاً إلى واقع يُعتَّد به؟ ماذا لو صار له معادله الواقعي وحصته من التطبيق العملي؟ ماذا لو قرَّر متلقو الكم الهائل من المديح أن يضعوا نقاط الحقيقة على حروف الهذيان القولي، وراحوا يطالبون بحصتهم من التفخيم والتبجيل استناداً إلى مايسبق أسماءهم من ألقاب مجلجلة، وما يتلوها من إضافات معززة، ناهيك عما يتخلل النطق بها من خشوع مخادع؟ الأرجح حينها أنَّ الجميع سيكون في ورطة لا تميز بين المادح والممدوح، ولا تستثني حتى من سمع القول فغضَّ السمع، وآثر الانحياز إلى صمم الحجر وصمته· ماذا لو قرر المستطربون أن يجري تصنيفهم في سلم الغناء اعتماداً على التعاريف (التخاريف) التي يخلعها عليهم أنصارهم من أهل الإعلام؟ ألن تصير المطالبة بمصاعد موسيقية عوضاً عن السلالم مسألة بديهية حينها؟ وماذا عن نجوم الشاشات الكبيرة والصغيرة والبين بين؟ ألن يحتاج هولاء إلى أثقال فوق أكتافهم تساعد الجاذبية الأرضية على تأمين استقرارهم الجغرافي، وترسيخ هويتهم الأرضية، قبل أن يقرروا، مدفوعين بجموح المد المديحي، أن يستغنوا عن الأرض ويتحولوا إلى السباحة في الفضاء؟ ماذا عن مقدمي البرامج التلفزيونية، الذين لو حذفت تعابير المجاملة والمداهنة من كلامهم، لما بقي لديك برامج ولا من يبرمجون؟ الأرجح أنَّ أي محاولة لأخذ القول التفخيمي على أدنى محامل الجد تستدعي ريجيماً كلامياً حاداً، يحِّد من الاستفاضة القائمة في مسودات البرامج تلك، ويستعيض عن القول المسهب ببرقيات مفرطة في الاختصار· ماذا لو جرى إخراج الغزل الكلامي المتمادي بين فنانات المطاعم ومديري أعمالهم المفترضين من حيز الضرورات التسويقية، ألن تضيق الأمكنة حينها بالأجنحة الطاووسية المنتفخة على غير هدى، والمتمايلة في كلِّ اتجاه؟ ثمة فيروس مستشر في ساحة التداول الكلامي راهناً، هو فيروس المداهنة اللفظية التي لا تعرف حدوداً، ولا تعترف بمحاذير، وقد لا تكون المشكلة في مطلقي الألقاب الذين يغرفونها من بحر الكلام غير عابئين بدلالاتها وأبعادها، لكنَّ الخشية مبررة من أن يصدق الممدوحون مادحيهم ذات لحظة تخلٍ، وسيغدو الأمر حينها عصياً على الاحتمال، صانع الأصنام لا يعبدها، هذه حقيقة يعرفها الجميع، لكن·· ماذا لو تضخم الصنم حتى ظن نفسه جديراً بالعبادة؟! علي العزير
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©