الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المرأة سلطانة لا تحرك الجنود.. بل الكلمات

المرأة سلطانة لا تحرك الجنود.. بل الكلمات
10 مارس 2016 04:52
إعداد وتقديم: د. حورية الظل فاطمة المرنيسي (1940 - 2015)، الكاتبة وعالمة الاجتماع الراحلة، امرأة من زمن الحلم وشهرزاد المغربية، دافعت عن المرأة العربية بشراسة، مُحاولة الرقي بمستواها الاعتباري والوجودي، لوعيها بكون نيلها لحقوقها سيعدل مسار التطور والتقدم في العالم العربي لأن المرأة نصف المجتمع؛ لذلك جعلت من الحريم الذي عاشت تجربته في طفولتها قضيتها الأولى، حيث كانت النساء محتجزات خلف الأسوار، والحدود مرسومة لهن ولا يمكنهن تخطيها للرقابة الصارمة المفروضة عليهن، ففككت وضعهن المأزوم محاولة إيجاد الدواء الشافي لجراحاتهن التي في أغلبها مصدرها ذكوري، ونفضت عن التراث الذي موضوعه المرأة غبار التمويه الذي ذره رجال دين غير صادقين حيث لم يكن هدفهم تطوير المجتمعات العربية والإسلامية، وإنما خدمة أجندة معينة من خلال تقييد المرأة بقيود جاء بها الإسلام حسب زعمهم، لكنه منها براء لأنه كرم المرأة ومنحها مكانة معتبرة في المجتمع وذلك ما أماطت عنه اللثام فاطمة المرنيسي فأظهرت مواطن الخلل في التصورات من خلال المقارنة الساخرة بين وضع المرأة بالأمس واليوم أو من خلال سيرتها الذاتية، فكشفت بذلك معاناة المرأة الناتجة عن أفكار بالية تم توارثها، وعن غياب الشراكة التعاقدية في الحقوق والواجبات بين الجنسين. إن ما ميز فاطمة المرنيسي، بالإضافة إلى فكرها المتنور، أنها امرأة جريئة وشجاعة، حيث اقتحمت مواضيع كانت تعد من التابوهات، ولم تكتف بتناول بؤس واقع الحريم العربي، وإنما نزعت ورقة التوت عن الغرب وكشفت عن معاناة الحريم الغربي الذي تعد قيوده ألعن من تلك التي تكبل الحريم الشرقي، حيث أضحت عندهم المرأة مجرد شيء وسلعة ودمية يجب أن تحافظ على مقاييس جمالية محددة وإلا ستجد نفسها منبوذة ووحيدة وفرصها في تحقيق ذاتها شبه منعدمة. وبالإضافة إلى مؤلفات فاطمة المرنيسي حول المرأة، فقد وضعت بصمتها أيضاً الانطلاقة الأولى للحركة النسائية بالمغرب، وساهمت في تأسيس أولى الجمعيات النسائية ومن خلالها كشفت عن معاناة المرأة البدوية ووضعها البائس، كما أطلقت جريدة 8 مارس سنة 1983 وأسست أول مركز للاستماع والإرشاد النفسي والقانوني للنساء ضحايا العنف بالمغرب سنة 1995. واعترافاً بإنجازات فاطمة المرنيسي، فقد تم تكريمها مرات عدة، فحصلت على جائزة أمير أستورياس الإسبانية للأدب سنة 2003، أما مجلة أرابيان بيزنس وبمناسبة عيد المرأة الذي يصادف 8 مارس، فقد اختارتها ضمن قائمة المائة امرأة الأكثر تأثيراً في العالم العربي فاحتلت المرتبة الـ 76 سنة 2012 والمرتبة الـ 16 سنة 2013. ومن كتبها «ما وراء الحجاب»، «الحريم السياسي»، «السلطانات المنسيات»، «نساء على أجنحة الحلم» و«شهرزاد ترحل إلى الغرب» اقتطفنا هذه الشذريات. بإمكان الكلمات أن تنقذ من يتحكم في نسجها بحذاقة، وتلك حال شهرزاد راوية ألف ليلة وليلة، كان الخليفة سيقطع رأسها ولكنها نجحت في إيقافه بسحر الكلمات. *** تتجاوز النساء الحدود من خلال الحلم والحكايات ويستحضرن ألف ليلة وليلة كنوع من اختلاق عوالم خيالية تبعدهن عن عوالم الحريم أو يستعرن أجنحة شهرزاد التي مكنتها من التحرر من الموت. *** هل أنا كامرأة من العالم الإسلامي ذات أم شيء؟ *** عرف الرسول (صلى الله عليه وسلم) نوعين من أنماط الزواج، أحدهما مع امرأة كانت مشهورة بقوة شخصيتها وتقريرها لمصيرها، وثانيهما متعدد، حيث كانت له زوجات عدة منهن من اشتهرن بقوة شخصيتهن كعائشة وأم سلمة. *** في الوقت الحالي اللواتي من بيننا يحملن الشهادات الجامعية العالية يعددن بالألوف، بفضل التربية والتعليم الذي تنفق عليه الدولة، وفي الوقت الذي يفترض فيه أننا أكثر تحصيلاً للمؤهلات وأكثر مكرا وأكثر تصنعا، فها نحن بأريحية مبعدات عن السياسة.. فالنساء يُحدثن خللاً حين يظهرن في المكان الذي لا يُنتظرن فيه، ولا أحد عندنا يتوقع رؤيتهن في المكان الذي تتخذ فيه القرارات. *** مسيرة حياتي كانت دائماً تنقطع بالمشورات المذعورة من أولئك الذين يحبوني، والذين كانوا يريدون لي السعادة، وكانوا يرددون دائماً الشيء نفسه، ينبغي السكوت كي لا تتلقي الضربات. *** كان صوت أسمهان الذي يصل عبر الأثير إلى الحريم خلسة، يفعل فعله في تأجيج الرغبات الخفية، فتعلن عن نفسها في جو احتفالي راقص حول نافورة الدار، كانت أغنية (أهوى.. أنا أهوى) تثير رعدة في الأجساد ورغبة في النفوس، فكان الطرب يبلغ مداه، كانت كل منهن تتخلص من خفيها وترمي بهما، ويرقصن حافيات حول النافورة، الواحدة تلو الأخرى، وهي ترفع قفطانها بيد وتضم إلى صدرها باليد الأخرى حبيباً متخيلاً. *** نحن سكان المدينة الديمقراطية، نستثمر جهودنا في فن الكلام، ولكن للتعبير عن ماذا؟ أغلب الوقت لا نعلم شيئاً، ومن أجل هذا فإن لقاءاتنا تمتد حتى منتصف الليل ومؤتمراتنا لا تنتهي. ويفسر هذا أيضاً أنهار خطب المخططين.. خطابات ترجع عندما تخضعها للتحليل الدقيق من حيث مضمونها، إلى مجرد تبادل ألفاظ لا تتضمن جديداً. *** على المرأة أن تحيا كالرُّحّل، عليها أن تظل دائما مستعدة ومتأهبة للرحيل حتى وإن كانت محبوبة، ذلك أن الحب هو الآخر في رأي شهرزاد قد يصبح قيداً. *** إن نساء الحريم أبعد ما يكن عن الشهوانية والفراغ والعري، كما تصورهن في الغرب أعمال «ماتيس» أو «أنجر» أو «بيكاسو» إنهن على العكس من ذلك بالغات النشاط ومرتديات ثيابهن... وغالباً ما يمتطين خيولاً سريعة ويتسلحن بأقواس وسهام، في تلك المنمنمات التي تصور نساء يستحيل ضبطهن أو التحكم فيهن. *** يتسم الفنانون المسلمون بواقعية أكبر، إذ إنهم يصورون واقع رفض النساء الواعيات باضطهادهن، وذلك في أشكال شتى من الإبداع (المنمنمات والخرافات أو الكتب). *** انطلاقاً من المنمنمات والحكايات والقصص والملاحم، نتبين أن الرجال لا يشعرون بالاطمئنان في الحريم، سواء كان واقعياً أو خيالياً، إنهم يبدون بعيدين عن الأبطال الحاكمين الواثقين من أنفسهم كما يوحي بذلك الفنانون الغربيون في أعمالهم. لقد ألغى هؤلاء البعد المأساوي للحريم، حيث من المقدر لا محالة على الرجال أن يقعوا في الشرك الذي تنصبه لهم النساء اللائي استعبدن من طرفهن. *** يتمثل أساس رسالة كانط في أن الأنوثة هي الجمال، أما الذكورة فتوازي السمو، والسمو يعني طبعاً القدرة على التفكير وتجاوز الحيوان والعالم المادي، من باب الحذر احترام التمايز؛ لأن المرأة التي تحاذي السمو تعاقب فوراً بالدمامة، إن أحكام كانط الذي يعد أكثر الألمان تفتحاً خلال عصر التنوير توازي في قطعيتها فتاوى المتطرفين. *** إذا سألوني من يكون مقابل فيرجينيا وولف (1882 - 1941) الكاتبة الإنجليزية والوجه البارز لتحرير المرأة في الغرب، سأذكر بالنسبة للشرق اسم رجل: هو قاسم أمين القاضي المصري الذي أصدر سنة 1899، أقوى بيان عن تحرير المرأة في تاريخ الإسلام.. ليس لأن النساء اللواتي كن يطالبن بالمساواة بين الجنسين لم يكنّ موجودات في عصره، بل فقط لأن قاضياً بالأزهر يدعو لتحرير المرأة كان له وقع أكبر، لقد زعزع بشكل لا رجعة فيه هيمنة المحافظين الدينيين على المجال السياسي وأعطى للحركات الوطنية في العالم العربي المدافعة عن الإصلاح، القدرة على إصلاح الدولة من خلال إحداث مؤسسات ديمقراطية على النمط الغربي كالبرلمان، والانتخابات... إلخ. كتاب قاسم أمين أجبر الزعماء الوطنيين في بداية القرن الماضي أمثال كمال أتاتورك على وضع تعليم المرأة على رأس إصلاحاتهم. *** النساء يجدن أنفسهن مجردات من السلطة التي تسير العالم الذي وضعن فيه لأن الرجال هم أصحاب السلطة في العائلة. *** التحديث الذي عرفته بنيات العديد من المؤسسات وفي مقدمتها العائلة لم يكد يمس التصورات السائدة والعلاقات الاجتماعية التي ظلت وثيقة الارتباط بالفكر الأبوي المضطهد للمرأة. *** كان الحريم بالنسبة لجدتي مؤسسة قاسية تشوه النساء وتحرمهن من حقوقهن، وعلى رأسهن الحق في التحرك «الحق في السفر واكتشاف أرض الله الواسعة». *** إن الرجل الغربي على عكس الشرقي الذي يحصر القمع في المجال العام، يتحكم في الزمن والضوء. إنه بفضل أضواء الكاميرات التي تطبع الجمال المثالي على ملايين الصور المستعملة في الرسائل الإشهارية، بأن المرأة يجب أن تبدو في الرابعة عشرة وإذا ما كان شكلها يوحي بأنها في الأربعين أو الأفظع من ذلك في الخمسين، فإنها تتلاشى في الظلمة. *** إنه لشيء باعث على السخرية أن تصل النظريتان الإسلامية والأوربية إلى الخلاصة نفسها، فالمرأة قوة هدامة للنظام الاجتماعي إما لكونها فعالة تبعا للإمام الغزالي أو سلبية حسب فرويد. *** ينتهي شهريار إلى الإقرار بأن على الرجل أن يستعمل الكلمة عوض القوة لحل النزاع. وفي صراعها من أجل البقاء والحرية، لم تكن شهرزاد تتحكم في الجنود بل في الكلمات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©