الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كيف نرى لندن من بطون أمهاتنا؟

كيف نرى لندن من بطون أمهاتنا؟
22 أكتوبر 2011 01:04
كنت أخطط لزيارة أهلي فور انطلاق روحي من جسدي، وإذا كانت الزيارة ثلاثية الأبعاد غير ممكنة بسبب مغسّل الموتى الذي يقبض على رقبة الميت بشدة ليمارس عليه هوايته في التنظيف والحشو ولا يتركه إلا بعد أن يُودعه الشيّالون في قبره، لتواصل الديدان منعه، إذ تستبيح جسده كأنها ورثتها عن أجدادها، فعلى الأقل أزورهم روحياً أثناء نومهم، لأطمئن عليهم وأؤكد لهم بأنني لم أتغيرّ ولم أتكبّر، فلست الذي يتكّبر على أحبابه ولو تشرّف بتذوّق طعم الموت. بالطبع لن تنجح خطتي في العودة روحياً وزيارة أحبائي الذين لا يزالون ينتظرون في هذه الدنيا، إلا بإذن الله بارئ الأرواح والقابض عليها، بأن يأذن عز وجل لروحي بأن تروح وتغدو إلى هذه الدنيا، برغم أنني لم أستعد جيداً لملاقاته، ولا أدري كيف سيكون حال روحي حينئذ. عموماً، مهما ملء المرء حقيبته بالعمل الصالح استعداداً للسفر الطويل، فإن حقيبته المليئة ستُفتّش بدقة في محطة العدل، وغالباً ما يخرج المسافر من المحطة وهو يحمل حقيبة خالية مسكينة وتذكرة دخول إلى جهنم، إلا إذا منّ الله عليه بفضله ورحمته وأسكنه فسيح جناته. وأرجو ألا يحاول أحدهم استحضار روحي ويدفع الشيء الفلاني للمشعوذين والمشعوذات، لأن الروح من أمر ربي، ويقال إنها ستكون في عالم البرزخ، وقد يسمح لها الله بزيارة بعض الأحياء في المنام، وهو ما أرجوه، أما تحضيري بالرغم من أنف روحي، فهو أمر غير ممكن، ولن أسمح به البتة، وعند الصوفية أن ما يزعمه الزاعمون من حضور الروح ما هو إلا حضور قرين الميت، أي الجني الذي كان يصاحبه في حياته ويعرف عنه الكثير، ويمكن أن «يقلد صوته وعاداته ليسخر من الموجودين على عادة الجن في عدائهم للإنسان»، كما يقول الدكتور مصطفى محمود في كتابه «حوار مع صديقي الملحد». لكن حكيماً سألته عن الحياة الأخرى والعودة إلى الأولى للسلام على أهلها ودغدغة مشاعرهم، أغرق سفينة أحلامي، وقال: سؤالك كمن يسأل جنيناً في بطن أمه عن الدنيا التي سيخرج إليها بعد تسعة أشهر. ثم روى لي طرفة عن حفيد له سأل صاحبه في المدرسة: هل زرت لندن؟ قال: نعم، فقال: وأنا أيضاً لكن حين كنت في بطن أمي. فتعجب منه وسأله: وماذا رأيت؟ قال: أمعاء أمي. فماذا عسانا نقول نحن أبناء الدنيا سوى أننا لا نعرف، ولا حتى نستطيع التخيّل، فالحياة الآخرة بالنسبة للكائن البشري كحياة الجنين في هذه الدنيا، والمكان الضيّق نسبياً الذي يجد الجنين نفسه فيه مقارنة بوسع الدنيا، هو نفسه الضيق، الذي لا نراه كذلك حالياً، قياساً إلى وسع الآخرة التي عرض جنتها فقط كعرض السماوات والأرض. وهذا الإنسان لا يزال عاجزاً أمام سرّ الحياة التي يعيشها فكيف بالحياة الأخرى بعد الموت؟ وقد ذهب العلماء في أصل الحياة إلى مذاهب شتى، لكن أكثر الآراء اعتباطاً هو رأي لدكتور يدعى «لايتفوت»، فقد أكّد هذا الأحمق بأنه في الساعة التاسعة من صباح يوم الثالث عشر من أكتوبر من سنة 4004 قبل الميلاد، بدء الخلق. وبهذا يكون عمر الكون في تمام الساعة التاسعة من صباح يوم الأربعاء 13/10/2011 ميلادية هو 6015 سنة فقط. كأنّ هذا الدكتور كان موجوداً في لحظة الخلق وشاهداً على ما جرى. وما دمنا لا نعرف أي شيء عن حياتنا الدنيا فكيف السبيل إلى معرفة حياتنا الآخرة؟ ويبدو أنه ليس أمامنا من طريقة لمعرفة قضية الآخرة سوى الذهاب إلى هناك ومعاينة الأمور على أرض الواقع، لكن المشكلة، أو حبكة قصة البشر، أو السرّ الأكبر، أنه لا أحد يستطيع الذهاب ثم العودة مجدداً ليحكي لأهله ما رأى. وكل ما هنالك هو تصوّر الوضع من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، مع الأخذ بعين الاعتبار عند «التبحبح» في التصوّر أن تفسير الآية القرآنية نفسه ليس هو القول الفصل في المسألة، وإنما الآية فقط التي هي كلام الله، وكذلك بالنسبة للأحاديث التي قد تكون ضعيفة أو يكون شارحها معتمداً على خياله الخصب وتصوّراته الشخصية، خصوصاً أنه كتب ما كتب وهو مجرد جنين في بطن أمه الدنيا. لو كان كلام الحكيم دقيقاً، فهذا يعني أننا لن نشتاق إلى هذه الدنيا ولا إلى أهلها أصلاً، ولن تخطر على بال أرواحنا، فلا أظن أن أحداً يشتاق الآن إلى بطن أمه الصغير والضيق ليمكث فيه محبوساً بين أوردة وشرايين تلفه قضبان من سوائل لزجة ودموية.. لذلك أعتقد أنني لن أزور أحد. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©