الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التحول المصري... والقراءة الأميركية الخاطئة

التحول المصري... والقراءة الأميركية الخاطئة
19 أكتوبر 2013 23:38
نورمان كولمان عضو سابق في مجلس الشيوخ الأميركي من الحزب الجمهوري التقليص الذي أُعلن عنه مؤخراً في المساعدات الأميركية لمصر يضفي طبقة من الغموض والضبابية على سياسة شرق أوسطية تنتج في الغالب نتائج عكسية غير مقصودة بدلاً من دعم فرص الاستقرار والأمل. والآن آن الأوان لمساعدة مصر على التحرر من قبضة الأصوليين واستعادة حليف مهم لأميركا في المنطقة؛ غير أنه في اللحظة التي يفترض أن تعمل فيها السياسة الأميركية على تعزيز وتشجيع خطوات الحكومة المؤقتة نحو الديمقراطية، يأتي التقليص الجزئي للمساعدات، ليثبت مزاعم الأشخاص الذين يكرهون الولايات المتحدة في مصر وليساعد «الإخوان المسلمين»، بشكل خاص، على التشبث بما تبقى لديهم من أوهام ضئيلة. وعليه، فلا شك أن المصريين، وكذلك أيضاً كثير من الأميركيين، يتساءلون: إلى أي صف تقف واشنطن؟ وهو سؤال مطروح، إذ ينبغي أن يعرف القادة في مصر والمنطقة مع أي طرف تقف الولايات المتحدة اليوم. إن الجميع يعرف أن مرسي وجماعته «الإخوان المسلمين» ليسوا من أنصار الديمقراطية. فبعد وصوله إلى السلطة بعد الانتخابات العام الماضي، كشف مرسي عن معدنه الحقيقي، حيث سلَّم الحكومة لـ«الإخوان المسلمين» وقوض الديمقراطية الناشئة في مصر. ولم يتحقق الوعد بـ«حكومة وحدة وطنية» أبداً. وبدلًا من ذلك، كرس مرسي حالة الانقسام في البلاد التي كانت تعاني أصلًا من استقطاب شديد؛ فألغى سلطة القضاء بمرسوم قائلًا إن حكومته لا تخضع لأحكامه. كما تعرضت الكنائس القبطية للحرائق بموافقة من «الإخوان المسلمين». وهذا الصيف، عُزل مرسي من السلطة تلبية لمطلب شعبي واسع كما يعرف الجميع؛ حيث قام أكثر من 22 مليون مصري، أغلبيتهم الساحقة من المسلمين، بتوقيع عريضة وخرجوا إلى الشوارع مطالبين بإسقاطه. وبعد أن وجدت نفسها على الجانب الخطأ من الانتفاضة، لم تتكيف إدارة أوباما مع الواقع. وزاد عدم اكتراث الحكومة الأميركية الواضح بالاضطراب المستمر في مصر. والحال أن تقليص المساعدات لمصر يمثل خطوة أخرى تنمُّ عن التردد والغموض. صحيح أن خطوة الإدارة الأميركية كان يمكن أن تكون أسوأ بكثير؛ ذلك أن البيت الأبيض لم يعتبر تغيير الحكومة في مصر «انقلاباً»، وهو ما كان سيقتضي في تلك الحالة تعليق كل أشكال المساعدات وفق القانون الأميركي. كما أنه من الواضح أن النطاق المحسوب للسياسية الأميركية قد دُرس بعناية لتجنب تعرض الأمن الداخلي المصري لمزيد من الأضرار أو عرقلة التزاماته في إطار اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل. غير أنه إذا كانت ثمة رسالة في عمل حكومتنا الأخير، فمن الصعب فهمها. إن الحكومة الانتقالية المصرية تشتغل وفق جدول زمني ينص على تنظيم انتخابات رئاسية العام المقبل. وهذا الشهر، ستقوم لجنة دستورية تتألف من 50 عضواً بتعديل وإعادة كتابة الدستور المنحاز الذي دفع به مرسي في ديسمبر الماضي، والذي كان يصب في صالح أفراد «الإخوان المسلمين» دون غيرهم من الشعب. وتتشكل اللجنة من أعضاء يمثلون كل أطياف وشرائح المجتمع المصري (يذكر هنا أن «الإخوان» تلقوا دعوة للمشاركة ولكنهم رفضوها). ومن المقرر إجراء استفتاء وطني على الدستور الجديد في ديسمبر، على أن تجرى الانتخابات البرلمانية في مارس. ومن أجل مصلحة الشعب المصري - والأميركي أيضاً- يجب على الولايات المتحدة أن تشجع الحكومة المصرية الانتقالية على أن تستمر على النهج نفسه. وبشكل عام، يجب على واشنطن أن تحدد استراتيجية عامة فيما أضحى اليوم حرباً باردة بين مجتمعات العالم المتحضرة وأصوليين إسلاميين عنيفين يسعون إلى إسقاطنا. إنه صراع مرير مع أعداء يعارضون معارضة تامة الفلسفات الأخلاقية الغربية والآراء الديمقراطية. ومما لاشك فيه أن إرسال قوات العمليات الخاصة الأميركية لقتل قادة «الجهاديين» الواحد تلو الآخر هو عمل بطولي لرجال ونساء يتحلون بالشجاعة والإقدام؛ ولكن عنصراً مهماً يظل مفقوداً هنا: ذلك أنه لو كانت للمسؤولين الأميركيين استراتيجية عامة شاملة، فإنها كانت ستشير إلى تقديم مساعدات ودعم كاملين للحكومة الانتقالية في مصر في هذا الظرف الحساس. إننا لا نستطيع تحمل تكرار للسيناريو السوري. ومن المعلوم أن غياب سياسة أميركية واضحة بشأن الحرب الأهلية السورية ترك فراغاً استُغل من قبل أعدائنا. وبحلول الوقت الذي تم فيه تبني سياسة واضحة المعالم، كان مئات الآلاف من المدنيين قد قُتلوا أو أُرغموا على النزوح وكان «الجهاديون» قد استغلوا الموقف وأصبحوا فصيلًا خطيراً -فصيل لم تكن الولايات المتحدة مستعدة للتعامل معه. إن الولايات المتحدة في حاجة ماسة إلى استعادة ثقتها ومصداقيتها لدى العرب المعتدلين. ولديها اليوم فرصة للقيام بذلك مع مصر، غير أن بلدنا حتى الآن لم يقم بشيء في هذا الباب. ولذلك، يجب على أوباما أن يضع دعم إدارته الكامل خلف الشعب المصري. والأكيد أنه إذا قامت الإدارة الحالية بترتيب أهدافها وفق منطق الأولوية -دعم استقرار الشرق الأوسط وتحديد موقف منسجم وثابت يمكن الاعتماد عليه في الصراع العالمي ضد الإرهابيين والأصوليين العنيفين- واعترفت بأن رئاسة مرسي مثلت النتيجة المعيبة لفكرة جيدة في الأصل، فإن الديمقراطية ما زالت لديها فرصة حقيقية في مصر. أما إذا لم يحدث ذلك، فإن العواقب العكسية غير المقصودة قد تدوم سنوات عديدة مقبلة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©