السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عن استحالة التماثل وضرورة المساواة بين الجنسين

عن استحالة التماثل وضرورة المساواة بين الجنسين
15 أكتوبر 2015 00:15
من هذا المنظور أردنا أن ننظر في مدى تلاؤم هذه الاتّفاقيّة العالميّة الحديثة مع الإسلام مستندين أساسا إلى القرآن بصفته المصدر الأساسيّ للتّشريع الإسلاميّ. أصل التشريع وسيكون مقالنا قائما على عرض موقف من يفترضون أن القرآن متقابل مع مفاهيم المساواة وتحرر المرأة ثمّ مناقشة هذا الموقف وبيان حدوده. وقد تبيّنّا وجود ضربين من الاعتراضات على تلاؤم الاتفاقية مع الإسلام: اعتراضات مبدئيّة وأخرى مخصوصة من خلال أمثلة دقيقة. 1- الاعتراضات المبدئيّة على عدم تلاؤم «السّيداو» CEDAW مع الإسلام: هي ثلاثة اعتراضات جوهريّة سنشير إليها واحدة واحدة ثمّ نناقشها: أ - السّيداو CEDAW تشريع بشريّ والإسلام يستند إلى التشريع الإلهي: يتمثّل الاعتراض الأول في اعتبار أن اتفاقية السّيداو CEDAW مواضعة بشرية في حين أن التشريع يجب أن يكون إلهيا. يقوم هذا الاعتراض على خلط واضح بين النصوص الدينية من جهة والشريعة من جهة أخرى. ذلك أن النصوص الدينيّة مما يؤوله البشر. ولذلك قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: «القرآن حمّال أوجه»، وقال أيضا: «القرآن لا يتكلّم وإنّما يتكلّم به الرّجال». وبعبارة أخرى فإن التشريع الذي بدأ ضبط أصوله مع الإمام الشافعي في القرن الثاني للهجرة، هو من اجتهاد الفقهاء وعلماء المسلمين الذين أغلقوا باب الاجتهاد في التشريع منذ القرن الثامن الهجري. من هنا يمكن أن نقر أنّه لا وجود لتشريع إلهي مقابل للتشريع البشري، وإنما نجد قراءات بشرية متعدّدة للتشريع الإلهيّ، وهذا ما يتجسّم في تعدّد التّفاسير والمذاهب والمدارس التأويلية واختلاف الفقهاء أنفسهم في بعض المسائل الفقهيّة المتّصلة بالنّساء. ب - المساواة بين الرجل والمرأة مستحيلة لاختلافهما البيولوجي: الاعتراض الثاني متصل بمفهوم المساواة، وهو يقوم على انتقاد هذا المفهوم من منطلق أن الرجل والمرأة مختلفان من حيث الخصائص البيولوجية وأنه لا يمكن المساواة بينهما. ويمكن أن نبين تهافت هذا الاعتراض من وجهين. الوجه الأوّل، مفاده أن هذا الاعتراض قائم على خلط بين مفهومي التماثل والمساواة. فأما التماثل فهو مستحيل ذلك أنّه لا وجود لشيء يماثل شيئا ولا لموضوع يماثل موضوعا، ولا يمكن أن يماثل رجل أيّ رجل آخر ولا أن تماثل امرأة أيّ امرأة أخرى. بل كل ما في الكون متميز فريد شأن البصمة الوحيدة لا يتكرّر. أما المساواة فإنها، خلافا للتّماثل، مفهوم قانوني أساسا. وتعني المساواة في القانون أنّه لا مجال للتمييز بين الناس وفق خصائصهم البيولوجيّة أو العرقيّة. فأن يرتكب رجل جريمة أو أن ترتكبها امرأة، وأن يرتكب أبيض جريمة أو أن يرتكبها أسود من المفروض أن لا يغير شيئا في كيفيّة تعامل القانون مع المجرم. ومن جهة أخرى فإن القانون يفرض على كل من الرّجل والمرأة والأبيض والأسود مثلا على أن يدفعوا نفس المبلغ من الضرائب للدولة التي ينتمون إليها وفق ما يقرّه قانون تلك الدّولة. ومن هنا فإنّ المساواة التي يقوم عليها القانون لا علاقة لها بالتماثل، ويمكن أن يبقى الرّجل رجلا والمرأة امرأة، وبديهيّ أن يبقى الأبيض أبيض والأسود أسود، وأن يكونوا جميعا متساوين أمام القانون. أمّا الوجه الثّاني لانتقاد الاعتراض على المساواة بين الرّجل والمرأة انطلاقا من اختلاف الخصائص البيولوجيّة، فهو قيام هذا الاعتراض على تصوّر وجود حقيقة بيولوجيّة مفارقة خارجة عن الثقافي. اختلافات الجنسين بديهيّ أنّه لا يجوز لأحد أن ينكر وجود اختلافات طبيعيّة بين الجنسين، غير أنّ التمثل الثقافي لهذه الفروق البيولوجيّة الطبيعية يتنوع من مجتمع إلى آخر ومن عصر إلى آخر. ويمكن أن نوضّح هذه المسألة استنادا إلى مثالين من تفسير القرآن: المسألة الأولى، هي مسألة قراءة توزيع المواريث انطلاقاً من قوله تعالى «يوصيكم الله في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين...» (النّساء 4، 11). وهي قراءة تختلف بين القدامى والمحدثين من خلال نموذجين: الرّازي قديما والطّاهر ابن عاشور حديثا. فأمّا الرّازي فهو يفسّر إسناد الابن ضعف نصيب البنت من الميراث تفسيرا طبيعيّا، فيذهب إلى أنّ المرأة: «قليلة العقل كثيرة الشّهوة فإذا انضاف إليها المال كبر الفساد». أمّا ابن عاشور فإنّه يفسّر المسألة بإلزام الرّجل بالإنفاق على زوجته، بما يفسّر هذا التّضعيف في الإرث تفسيرا اجتماعيّا ثقافيّا. ونجد الفرق نفسه في قراءة الخصائص الجندريّة انطلاقا من تفسير القرآن في مسألة الشّهادة وتأويل قوله تعالى: «.. واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشّهداء أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى» (البقرة 2، 282). فأمّا الرّازي، فهو يقرأ اشتراط شهادة امرأتين اعتمادا على خصائص بيولوجيّة أنثويّة جوهريّة إذ يقول: «والمعنى أنّ النّسيان غالب طباع النّساء لكثرة البرد والرّطوبة في أمزجتهنّ». وفي مقابل ذلك نجد ابن عاشور يشير إلى أنّ الغرض من اشتراط امرأتين «تعويدهم بإدخال المرأة في شؤون الحياة إذ كانت في الجاهليّة لا تشترك بمثل هذه الشّؤون». واستنادا إلى ما سبق نتبيّن أنّ مفهوم الهويّة الجنسيّة ليس مفهوما طبيعيّا ثابتا متكلّسا خارجا عن الأطر التّاريخيّة، وإنّما هو مفهوم ثقافيّ متحوّل مرن متّصل أشدّ الاتّصال بسياقاته. ولعلّ أحسن تجسيم لذلك قول عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: «كنّا معشر قريش قوما نغلب النّساء فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم». إنّنا إذا توقّفنا عند الاختلاف البيولوجيّ الجوهريّ، وجدنا أنّه يمكن أن يكون منطلقا لتشريع قائم على التّمييز الإيجابيّ للمرأة. وهو تمييز تقرّه اتّفاقيّة السّيداو CEDAW الّتي تثبت مادّتها رقم 11 أنّه «توخّيا لمنع التّمييز ضدّ المرأة بسبب الزّواج والأمومة ولضمان حقّها الفعليّ في العمل، تتّخذ الدّول الأطراف التّدابير المناسبة لحظر الفصل من الخدمة بسبب الحمل أو إجازة الأمومة، إضافة إلى إدخال إجازة الأمومة المدفوعة الأجر مع التمتع بمزايا اجتماعيّة دون أن تفقد المرأة الوظيفة الّتي تشغلها أو أقدميّتها». إنّ هذا الصّنف من التّمييز الإيجابيّ قائم على حماية المرأة حتّى لا يكون دور الأمومة الّذي تقوم به المرأة عائقا. ومثل ضروب التّمييز الإيجابيّ لفائدة المرأة هذا قائم في القرآن نفسه إذ يجبر الزّوج على الإنفاق على الوالدة بعد الوضع. يقول الله تعالى: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (البقرة 2، 233). ت - السّيداو CEDAW يمكن أن تلحق الضّرر بالأسرة: لا يوضّح أصحاب هذا الاعتراض كيف يمكن لاتّفاقيّة تقرّ عدم التّمييز ضدّ المرأة أن تلحق الأذى بالأسرة. ولكنّهم يتفنّنون في تكرار عبارة: «هذه الاتّفاقيّة تدمّر الأسرة». والطّريف في الأمر هو ما ينساه أو يتناساه هؤلاء من أنّ مفهوم الأسرة لا وجود له في صدر الإسلام ولا في القرون الموالية، بل هو مفهوم حديث نشأ مع البرجوازيّة في أوروبا. إنّ القرآن يشير إلى مفاهيم القبيلة والشّعب والنّاس عموما ولا يعمد إلى مصطلح الأسرة (2). ويستعمل القرآن كلمة «أهل»، ولكنّها لا تفيد المعنى الضّيّق للأسرة. فقد تستعمل مجازا بمعنى الانتماء شأن الإشارة إلى «أهل الكتاب»، وقد تُستعمل بمعنى الأقارب عموما أو أهل الدّين شأن قول الله تعالى مخاطبا رسوله الكريم: «وأْمر أهلك بالصّلاة واصطبر عليها» (طه 20، 132). الأمر الثّابت هو أنّ البناء الاجتماعيّ زمن نزول القرآن وبعده بقرون عديدة لا يقوم على مفهوم الأسرة الذي يسقطه البعض عليه إسقاطا (3). اعتراضات إجرائية 2 - الاعتراضات الإجرائيّة على عدم تلاؤم السّيداو CEDAW مع الإسلام: أشرنا فيما سبق إلى تهافت الاعتراضات المبدئيّة على تلاؤم السّيداو CEDAW مع الإسلام. ونتناول في هذا العنصر الثّاني الاعتراضاتِ الإجرائيّةَ على هذا التّلاؤم من خلال أكثر الأمثلة تواترا. وهي اثنان، الميراث من جهة الحقوق والواجبات في الزّواج من جهة أخرى. أ- مسألة الميراث: يتخوّف المعارضون للسّيداو CEDAW من تقابل مبدأ المساواة فيها مع فرائض الميراث كما يحدّدها القرآن الكريم. ورغم أنّ هناك وفق هذه الفرائض نفسها حالات كثيرة ترث فيها المرأة أكثر من نصيب الرّجل أو مثل نصيبه فإنّ هؤلاء المعترضين متمسّكون بفريضة مواريث الابن والابنة في الحال الشّائعة القائمة على أنّه «للذّكر مثل حظ الأنثيين». ويبدو أنّ تحفّظ هؤلاء على توزيع الإرث هو تحفّظ سياقي يذكر، من حيث الجوهر، بتحفظ معاصري الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذين رفضوا أن ترث المرأة النّصف. فقد نقل الطّبري في تفسيره لقوله تعالى: «يوصيكم الله في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين» (النساء 4، 11): «كان لا يرث إلاّ الرّجل الذي قد بلغ، لا يرث الرجّل الصغير ولا المرأة. فلما نزلت آية المواريث في سورة النّساء، شَقَّ ذلك على الناس وقالوا: يرث الصغير الّذي لا يعمل في المال ولا يقوم فيه، والمرأة التي هي كذلك، فيرثان كما يرث الرجل الذي يعمل في المال! فرجوا أن يأتي في ذلك حَدَثٌ من السماء، فانتظروا فلما رأوا أنه لا يأتي حَدَث قالوا: لئن تمَّ هذا، إنه لواجبٌ ما منه بدٌّ». وكرّر الطّبري الإشارة إلى هذا التّحفّظ من مبدأ إرث المرأة استنادا إلى خبر آخر إذ قال: «وذلك أنّه لمّا نزلت الفرائض الّتي فرض الله فيها ما فرض للولد الذّكر والأنثى والأبوين، كرهها الناس أو بعضهم، وقالوا:«تعطى المرأة الرّبع والثّمن، وتعطى الابنة النّصف، ويعطى الغلام الصغير، وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ولا يحوز الغنيمة!! اسكتوا عن هذا الحديث لعلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه، أو نقول له فيغيِّره». فقال بعضهم: يا رسول الله، أنعطي الجارية نصف ما ترك أبوها، وليست تركب الفرس ولا تقاتل القوم، ونعطي الصبيَّ الميراث وليس يغني شيئًا؟ وكانوا يفعلون ذلك في الجاهليّة، لا يعطون الميراث إلاّ من قاتل، يعطونه الأكبر فالأكبر». إنّ هذه الأخبار تبيّن أنّ لتمثّل توزيع المواريث صلة وثيقة بالسّياق التّاريخيّ، ومن ثمّ ففي توريث المرأة في صدر الإسلام نصف الميراث ثورة اجتماعيّة وثقافيّة كبيرة. ولا مانع من أن تكون الحدود الّتي يشير إليها القرآن إذ يقول الله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (النّساء 4، 13)، هي الحدود الدّنيا. فكأنّ القرآن يؤكّد على إعطاء النّصف للمرأة على أقلّ تقدير. ب - الحقوق والواجبات في الزّواج: يقرّ الفصل 16 من السّيداو CEDAW للزّوج والزّوجة «نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه»، ويرى المعترضون على تلاؤم هذا الفصل مع الإسلام أنّه يخرق ما يعتبرونه مفاهيم دينيّة سنحاول أن نقف عندها واحدا واحدا. * تعدّد الزّوجات: يرى ناقدو «السّيداو» CEDAW أنّ هذه الاتّفاقيّة بإقرارها رفع جميع أشكال التّمييز ضدّ المرأة ستعيد النّظر في إباحة تعدّد الزّوجات. ويرفض هؤلاء أن يعودوا إلى النّصّ الدّينيّ المؤسّس لتدبّره وقراءته في عمق ورويّة. فإضافة إلى ما أشار إليه بعض الباحثين المحدثين من أنّ التّعدّد مشروط بالعدل استنادا إلى قوله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا» (النّساء 4، 3)، وإضافة إلى تأكيدهم استحالة العدل استنادا إلى قوله تعالى: «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النّساء ولو حرصتم...» (النّساء 4، 129)، فإنّ النّظر في الآية نفسها يبيّن أنّها أخرجت من سياقها، ذلك أنّ إباحة نكاح الأربع لم يرد في مقام الحديث عن الزّواج مطلقا وإنّما ورد في سياق مخصوص يجعل الإباحة مشروطة بالخوف من الأقساط في اليتيمة. وقد أوردت الكتب تفسير عائشة رضي الله عنها لهذه الآية إذ تذهب إلى أنّها آية تحيل على اليتيمة تكون في حِجر ولِّيها، فيرغب في مالها وجمالها، ويريد أن ينكحها بأدنى من سُنّة صداقها، فنُهُوا أن ينكحوهنّ إلاّ أن يقسطوا لهنّ في إكمال الصّداق، وأُمروا أن ينكحوا ما سواهُنَّ من النّساء. فالأصل في هذه الآية أنّها وردت في إطار حماية النّساء والنهيّ عن ظلمهنّ. ويمكن أن نقرأ التعدد مثلما نقرأ الرّق على أساس أن إقرارهما متّصل بوجودهما التّاريخيّ الّذي لا يمكن تغييره زمن نزول القرآن من جهة وبإقامة جوهر النّص على إلغاء الرّق وتضييق التّعدّد بمرور الزّمان. * الزّواج دون وليّ: يعترض البعض على «السّيداو» CEDAW لأنّها قد تسمح للمرأة بالزّواج دون وليّ. وما لا يعرفه هؤلاء المعترضون هو أنّ اشتراط الوليّ في الزّواج مسألة مختلف فيها بين الفقهاء. و«سبب اختلافهم أنّه لم تأت في الوليّ واشتراطه آية هي نصّ ظاهر». فلا وجود لآية صريحة تمنع المرأة من عقد زواجها دون وليّ. ويؤكّد المفسّرون أنّ حديث «لا نكاح إلا بوليّ»، هو حديث مرسل، كما ينقل مالك في الموطّأ أن عائشة رضي الله عنها زوّجت ابن أخيها عبدالرّحمن وهو غائب بالشّام. ومن المفيد أن نذكّر في هذا السّياق أنّ حرّية اختيار الزّوج مكفولة للمرأة في القرآن، إلاّ فيما يخصّ المشرك بصريح القرآن والكتابيّ بإجماع الفقهاء. * القوامة: يقول الله تعالى: «الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم » (النّساء 4، 34). إنّ مفهوم القوامة متّصل بالإنفاق، وإنفاق الزّوج على زوجته أمر لازم في تلك المجتمعات القديمة الّتي لم يكن جلّ النّساء فيها يشتغلن. وهل اختلف الأمر اليوم في كثير من المجتمعات الحديثة؟ أليس في إجبار الزّوج على الإنفاق على زوجته وجه من وجوه الحماية للمرأة في حال الولادة والإنجاب مثلا؟ والأهمّ من هذا أنّ الآية لا تقرّ البتّة بتفضيل جنس على جنس بجوهر الانتماء إليه وإنّما تجعل بعض النّاس رجالا ونساء أفضل من بعض، فأين التّعارض مع المساواة الّتي تثبتها السّيداو؟ وأين الأشكال في تفضيل بعض على بعض، أليس أنّ أكرمكم عند الله أتقاكم؟ * طاعة الزّوج: يرى بعض الباحثين أنّ الزّواج يقوم على طاعة مطلقة من الزّوجة لزوجها بما لا ينصّ عليه صريح القرآن. ويؤكّدون على ضرورة الطّاعة المطلقة في الفراش بما يعني إمكان إجبار المرأة على المعاشرة الزّوجيّة وبما ينفي تماما مفهوم «الاغتصاب الزّوجيّ». واللّطيف أنّ من يقولون هذا القول يستندون إلى قول الله تعالى: «نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ» (البقرة 2، 223)، وهم لا يميّزون بين هذه الآية الّتي جاءت إجابة عن تساؤل حول طرق الممارسة الجنسيّة الممكنة بما تثبته كتب أسباب النّزول واعتماد الأداة «أنّى» المفيدة للكيفيّة من جهة واعتبارها آية تبيح إجبار الزّوجة على الممارسة الجنسيّة حتّى في حال مرض أو إرهاق من جهة أخرى. إنّ ما لن يفطن إليه المعترضون على احترام السّيداو CEDAW لكلّ من حقوق الزّوجة وحقوق الزّوج هو أنّ احترام هذه الحقوق هو من جوهر القرآن الّذي يؤكّد أنّ لجسد المرأة حرمة لا يسمح بإجبارها على المعاشرة الجنسيّة. ففي زمن كان يمكن فيه للسّادة إجبار فتياتهم من الرّقيق على الممارسة الجنسيّة في إطار البغاء يمنع القرآن ذلك منعا صريحا: «وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا» (النور 24، 33). ومن جهة أخرى، أفلا يعلم هؤلاء المعترضون على السّيداو CEDAW أنّ الزّواج يقوم، من المنظور الإسلاميّ، على المعاشرة بالمعروف، فهل الاغتصاب معاشرة بالمعروف؟ * منع زواج القصّر: تمنع السّيداو CEDAW زواج القصّر من الإناث، ويرى بعضهم أنّ في ذلك مخالفة للقرآن الّذي قد يسمح بهذا الضّرب من الزّواج في حال رضا الوليّ. ويستندون إلى قول الله تعالى: «وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (الطّلاق 65، 4). والمشكل، في قراءتنا، أنّ هؤلاء يتصوّرون أنّ إشارة القرآن إلى اللّواتي لم يحضن محيل على من لم يحضن بعد أي على صغيرات السّنّ، في حين أنّ النّظر العميق في الآية يبيّن أنّها، وقد وردت في إطار الحديث عن العدّة، تعرض للزّوجات اللّواتي لم يحضن في شهر معيّن لأسباب صحّية أو لأسباب قرب انقطاع الدّورة الشّهريّة. ويؤكّد ما ذهبنا إليه أنّ الطّفل هو من منظور القرآن خارج المجال الجنسيّ. يقول الله تعالى:«وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ...» (النّور 24، 31). إنّنا استنادا إلى كلّ ما سبق، يمكن أن نقول إنّ جلّ الاعتراضات على اتّفاقيّة إلغاء جميع أشكال التّمييز ضدّ المرأة هي اعتراضات متهافتة. فهذه الاتّفاقيّة لا تتعارض البتّة مع قراءة اجتهاديّة للنّصوص الدّينيّة بل لعلّها في بعدها الأعمق تجسيم لروح النّصوص وجوهرها تؤكّد أنّ الله تعالى خلقنا من ذكر وأنثى وأنّ أكرمنا عند الله أتقانا. هوامش: 1 ـ Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination against Woman. وهي شبيهة في نوعها ونشدانها الكونيّة، بالإعلان العالميّ لحقوق الإنسان. 2 ـ انظر سورة الحجرات (49، 13) مثلا. 3 ـ تقوم المجتمعات في القرون الوسطى على تعدّد الزّوجات وملك اليمين، ولا تخرج البلاد الإسلاميّة عن هذا التّنظيم العامّ. في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ المسلمين تتكاثر الأصوات التي تدّعي أن الإسلام لم ينصف المرأة. وهي أصوات متنوّعة بعضها من مسلمين أنهكتهم الصور السلبية التي شاعت في العالم من خاطئ علاقة بين الإسلام والإرهاب، وبعضها الآخر من غير مسلمين يتمثّلون الإسلام مستندا إلى ضروب من السلوك قَرُوُسْطِيّة لا صلة لها بالحداثة. فإذا سألنا هؤلاء وأولئك عن تصوّرهم لإنصاف المرأة لاستندوا إلى الاتفاقية العالمية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW)1) بصفتها تمثّل أرقى ما بلغته المواضعات البشريّة في إطار حماية حقوق الإنسان وتحقيق المساواة بين البشر. هامش ص 2 الواقع والعادات لا يقتصر دور المرأة في الإسلام على كونها امتداداً للرجل، رغم أن بعض العلماء والمؤرخين يختزلون دورها نسبة للرجل: فهي إما أمه أو أخته أو زوجته. أما واقع الحال، أن المرأة كانت لها أدوارها المؤثرة في صناعة التاريخ الإسلامي بمنأى عن الرجل. فنرى المرأة صانعة سلام (كدور السيدة أم سلمة في درء الفتنة التي كادت تتبع صلح الحديبية). ونراها محاربة (حتى تعجب خالد بن الوليد من مهارة إحدى المقاتلين قبل اكتشافه أن ذلك المحارب أمرأة). ودورها في الإفتاء بل وحفظ الميراث الإسلامي نفسه. ويتميز الإسلام في هذا المجال بمرونته في تناوله للمرأة، فقد وضع الأسس التي تكفل للمرأة المساواة والحقوق، كما سنّ القوانين التي تصون كرامة المرأة، وتمنع استغلالها جسديا أو عقليا، ثم ترك لها الحرية في الخوض في مجالات الحياة. ومع ذلك، فإن بعض العادات والموروثات الثقافية والاجتماعية تقف أمام وصول المرأة المسلمة إلى وضعها العادل في بعض المجتمعات الشرقية، وليس العائق الدين أو العقيدة. هامش ص 3 قاموس المرأة في تقريره السنوي الذي قام بإعداده فريق متخصص برصد أحوال المرأة في العالم الغربي، ذكر «معهد الدراسات الدولية حول المرأة» في إسبانيا، إحصاءات مذهلة، تؤكد أن المرأة الغربية ليست هي المرأة النموذجية، وقد حمل عنوان «قاموس المرأة». والإحصاءات تخص دولتين هما الولايات المتحدة وإسبانيا، ومنها: في عام 1989م كان متوسط الولادات 1,36 لكل امرأة. وفي عام 1992م كان متوسط الولادات 1,02، وهي أقل نسبة ولادات في العالم. - في عام 1990م قدّم 130 ألف امرأة بلاغات بالاعتداء الجسدي والضرب المبرح من قبل الرجال الذين يعيشون معهن، سواء كانوا أزواجاً أم أصدقاء. كما أن هنالك بلاغاً يوميّاً عن قتل امرأة بأبشع الطرق على يد الرجل الذي تعيش معه. - في عام 1995م خضع مليون امرأة لأيدي جراحي التجميل، أي بمعدل امرأة من كل 5 نساء يعشن في مدريد وما حولها. - في عام 1980م (1.553000) حالة إجهاض، 30% منها لدى نساء لم يتجاوزن العشرين عاماً من أعمارهن، وقالت الشرطة: إن الرقم الحقيقي ثلاثة أضعاف ذلك. - في عام 1982م (65) حالة اغتصاب لكل 10 آلاف امرأة. - 74 % من العجائز الفقراء هم من النساء، 85% من هؤلاء يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعد. - من عام 1980 إلى عام 1990م: كان بالولايات المتحدة ما يقارب مليون امرأة يعملن في البغاء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©