السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاعتراف: مطلب أم حق؟

الاعتراف: مطلب أم حق؟
14 أكتوبر 2015 18:00
نظرية مطلب الاعتراف (la reconnaissance)هي النظرية التي بلورها السوسيولوجي والفيلسوف الألماني المعاصر أكسيل هونيت A.HONNET، الذي خلف هابرماس في رئاسة مدرسة فرنكفورت للعلوم الاجتماعية والتي يعتبر محورها الفكري هو مقولة «الاعتراف». لهذه النظرية سياق فكري وسياق سياسي. فهي نظرية تحاول أن تطور الرؤى الاجتماعية لمدرسة فرنكفورت التي ركزت في تحليلها للمجتمع الغربي الصناعي على إبراز مظاهر السيطرة التي يمارسها النظام الصناعي على المجتمع بحيث تتحول إلى سيطرة شاملة على الأفراد والجماعات، وتئد بالتالي الوعود التحررية التي حملتها معها بشائر الحداثة الغربية، فتتحول معها الحياة الاجتماعية إلى حياة متحكم فيها كليا بإرادة حديدية، حيث يصبح الإنسان نفسه مجرد برغل صغير أطلقوا عليه اسم الإنسان المدار أو المتحكم فيه كليا L’hommeadministré. تركز النظرية الفلسفية - السوسيولوجية لمدرسة فرنكفورت على إرجاع هذه السيطرة إلى العقل المتحكم في الحياة الاجتماعية والذي أضحى «عقلا أداتيا» لا غاية له إلا إحكام السيطرة على كل مفاصل الحياة الاجتماعية والثقافية إضافة إلى ما سماه هابرماس «احتلال أو استعمار Colonisationالعالم المعيش»، ملغيا أي أمل في الحرية أو في التفتق الحر للفرد في المجتمع. في مرحلة أولى طور هابرماس نظرية الفعل التواصلي بأمل تحقيق تحول الفرد من كائن مغلق على نفسه إلى فرد قابل للانفتاح على الآخرين والتواصل معهم عبر النقاش العمومي في إطار مجتمع ديمقراطي. لكن تلميذه أكسل هونيت A.Honnethيرى أن نظرية هابرماس تحصر باب الأمل والحرية في مستوى التواصل وما يمكن أن يجلبه للفرد من رضى واحترام ذاتي، مؤكدا أن هناك نوافذ أخرى لتحقيق اعتراف الأفراد بذواتهم كذوات حرة في مجتمع تسوده الحرية. أما السياق السياسي لهذه النظرية فيتمثل في تحول الرأسمالية - بموازاة مع التطور الصناعي - إلى رأسمالية نيو ليبرالية جشعة تسحق الأفراد. إذا جردنا هذه النظرية من سياقها الفكري والسياسي فهل يمكن أن تسعفنا نظرية البحث عن الاعتراف في فهم وتفسير بعض الظواهر الاجتماعية في المجتمع العربي؟ منطلق نظرية مطلب الاعتراف هو أن الحياة الاجتماعية لا تقوم فقط على المطالب والمصالح المادية في تحقيق مستوى عيش أحسن عن طريق تكريس النشاط في البحث عن الربح والكسب المادي بل تقوم أيضا على طلب معنوي أو أخلاقي هو مطلب نيل الاعتراف، حتى وإن اعتبرنا ذلك مقدمة نحو المطالب المادية. يمكن أن ننظر إلى مقولة المطالبة بالاعتراف من وجهها السلبي من حيث تكون نوعا من الاحتجاج ضد الإقصاء والتهميش والاحتقار والإهانة والتعذيب كما يمكن أن ننظر إليها من وجهها الإيجابي من حيث هي مطلب رد الاعتبار للمكانة أو الموقع أو اللون أو العرق أو الجنس Sexe أو النوع الاجتماعي، أو اللغة أو كل أشكال الدونية الاجتماعية ضمن مقولة المطالبة بالاعتراف تندرج كل الحركات المطلبية لمجموعات اجتماعية متنوعة: الحركات المطلبية للنساء في مجملها، الحركات المطلبية للملونين في الولايات المتحدة الأمريكية والروهينجيا، وسكان الضواحي المغاربيين في فرنسا، وخدم البيوت في العديد من الدول، والحركات الأمازيغية المطالبة بحق المواطنة وقد تتوسع اللائحة لتشمل مجالات وفئات اجتماعية أخرى. غير أن طرح المشكل بهذا المعنى وتوجيهه في هذا الاتجاه أي في اتجاه اعتراف المجموعات الاجتماعية ببعضها وفي اتجاه مطلب نيل الاعتراف من طرف الدولة أو من طرف المنظمات الدولية سيحيد بنظرية الاعتراف كما طرحها هونيت عن إطارها الأساسي المنبعث من تطوير الفكرة الهيجلية حول الاعتراف. تدور الفكرة الأصلية للاعتراف - في مصدرها الهيجلي - على أن الفرد الإنساني لا يستمد هويته إلا من خلال اعتراف الآخر به. فالهوية تنحدر من الآخرية أو الغيرية (لا بالمعنى الأخلاقي) وتتحدد بها مثلما أن الغيرية ربيطة بالهوية ورهينة لها. ونيل الاعتراف هذا ليس سهلا فهو نتيجة صراع أو نزاع أو تنافس أي علاقة لا تخلو من توتر. وإذا أقحمنا في هذه الفكرة مفهوم الرغبة - كما طور ذلك الفيلسوف الفرنسي الروسي كوجيف - فإن الأمر يتعلق في هذه العلاقة بصراع بين الرغبات. فرغبة الأنا هي رغبة في رغبة الآخر وهكذا. وأساس الحياة الاجتماعية هو هذا الصراع بين الرغبات من أجل نيل أو تحصيل الاعتراف. فالحفاظ لهذه النظرية على مستواها وأفقها الوجودي يقيها من الارتماء في أحضان نظريات أخرى تتفق معها في الانطلاق من مقولة الصراع كأساس للحياة الاجتماعية فتجر معها نظرية الاعتراف إلى توسيع حقلها الدلالي إذ يتحول الاعتراف إلى حق أساسي تتناسل منه مجموعة حقوق عينية ملموسة (الحقوق الفئوية-الحقوق الاجتماعية والسياسية)، وهكذا تذوب نظرية الاعتراف في نظرية الصراع الطبقي وتنحل فيها بكل سهولة. فالاعتراف هو بالأساس أولا مطلب ذري أو فردي وأفقي بين الذوات البشرية سواء كانت متماثلة أو مختلفة عن بعضها. لكنه يمكن أن يكتسب مدلولات اجتماعية عندما ينحو نحو أعلى أو نحو أسفل السلّم الاجتماعي وبموازاة ذلك تذوب الفردية في الجماعية ونصبح أمام مطالب اجتماعية لا فقط أمام مطالب فردية وجودية أو أخلاقية، ويتحول مطلب نيل الاعتراف إلى نوع من الحق إما الضمني أو الصريح وهو ما يدفع رائد النظرية إلى تحصينها ورسم الحدود بين الفردي والجماعي، بين الأفقي والعمودي، وبالتالي بين المطلب السيكولوجي والحق الاجتماعي بمشتقاته وتوابعه. د. محمد سبيلا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©