الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

المخرجة تهاني راشد: الفقراء والأغنياء يعيشون الخوف من المستقبل

المخرجة تهاني راشد: الفقراء والأغنياء يعيشون الخوف من المستقبل
21 أكتوبر 2011 10:38
عرفت المخرجة المصرية تهاني راشد كأستاذة في إخراج الفيلم الوثائقي، وهي ذات رؤية حداثية، كل شيء لديها يمتلك مسبباته، وليس اعتباطاً كل ما يرد في فيلمها من قصة وعالم يراد تصويره، إذ المكان لديها ينطق، والحدث يروي، والمعنى يتجسد في الشكل، هي قادرة عبر الفن التسجيلي أن ترصد مخيلة الناس في ظروف تعيشها، هي قادرة أن تستنطق الحجارة كي تتكلم عبر الصورة. تهاني راشد تحول المهمل إلى قضية، والهامش إلى متن ومركز يمكن من خلاله أن تقرأ ماذا تريد أن تقول، لها قضية تريد قولها، وسبق أن قالت بصوت عالٍ في فيلمها “في سبيل التغيير” ولكنها لا تريد أن تفضح عن ذلك بل هي لا تؤكده، وتعتبر أنه من غير المنطقي أن نقرأ ماذا يمكن أن يحصل غداً، ولكننا قادرون على أن نقرأ الحاضر. في لقائنا معها في أبوظبي، وهي تقود “لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الوثائقية” في مهرجان أبوظبي السينمائي، كان مفتاحنا معها حول فهمها للفيلم التسجيلي وكيفية بنائه، والطريقة التي يمكن أن تصوغ بها العناصر الفنية التي تشكل جسد الفيلم، وبخاصة في فيلمها “جيران”، فقالت: “لقد عشت في حي جاردن سيتي في القاهرة كل طفولتي، ولحد الآن مازلت أعيش المكان، وبالضرورة فإنني عاصرت بل رأيت كل التغيرات التي حدثت في المكان والناس، وهذا ما شدني إلى أن التقط حالة المكان بمعناه التاريخي، والحافز لذلك هو ما رأيت من “قفل” أمني صارم على الحي كون السفارة الأميركية تتربع في قلبه”. بؤرة الموضوع وأضافت: “ربما كانت هذه هي نقطة البداية أو فلنقل الحافز الذي جعلني أشرع في اختيار الموضوع، وبالضرورة كان لا بد أن أبحث، في الحاضر وما يدور فيه وذلك قادني إلى الماضي وما دار فيه، فوجدت ما يستحق أن يقال الكثير الكثير، وعليه فإنني بدأت أتوجه إلى اللامركزي في الموضوع، والذي أصبح بؤرة الموضوع وغايته”. وقالت: “من الضرورة أن أؤكد أن الفيلم التسجيلي يبتدئ بفكرة، ثم تتنامى هذه الفكرة فتصبح قضية، تحتاج إلى كيفية وصيغ للمعالجة الموضوعاتية، ومن تجربتي في كل أفلامي التسجيلية اكتشفت أهمية الطريقة التي نعالج بها الفكرة، والتي من الضروري إلى أن تأخذنا معها إلى الطريقة، أي لا نكتشف الطريقة الفكرة بل العكس الفكرة هي التي تقود إلى الطريقة أو ما نسميها الشكل الفني”. ترى تهاني راشد أن الفيلم التسجيلي يخلو إلى حد بعيد من السيناريو، لأن الفيلم التسجيلي أفكار تتراكم وتنبثق في أي لحظة وربما تغير مسار العمل باتجاهات لم يحددها المخرج من قبل، إذ حالما تفكر بقضية تبدأ بالبحث، بين الناس، تحاول أن تنتقي الشخصيات التي تتمحور حولها القضية، وهي ذاتها التي تأخذ المخرج معها كي تفتح الباب لك، هي التي تقدم عوالمها وتأخذك معها لاستبطان تلك العوامل كي تلتقطها حتى انك لا تستطيع أن تتصور أنك ستراها يوماً”. وقالت: “في فيلم “جيران” تجد الفقراء والأغنياء في حي واحد هو حي جاردن سيتي وليس كما تسمع من أنه حي الطبقة الارستقراطية فقط، نعم هناك ارستقراطيون لكن مما يدهشك حقاً أن هناك فقراء وأغنياء فيه يعيشون لحظة خوف من المستقبل، أن المستقبل يخيفهم معاً وهذا، رابط مهم يعيشه الإنسان بكل كيانه”. وعن علاقة الحقيقة بالفيلم التسجيلي ومدى تمثل روح الغرابة التي هي عنصر مهم في الفيلم قالت: “نعم إنني جاهلة بكل شيء، والفيلم يدعوني لأن التقي بالناس لأعرف الحقيقة، وأرى أن كل فيلم أخرجته هو درس في الحياة لي وللآخرين، أما وجهة نظري إزاء هذا الفيلم فإنني أراه مختلفاً تماماً عن دراسة الكتب، فمن خلال خبرة الناس أتعلم وأشكّل تلك الخبرات من خلال منظور تراكمي، إذ أنني أجمع خبرة هذا على خبرة ذاك كي أبصر الحقيقة التي لا بد أن أجدها من خلال وجهة نظر الآخرين، وكي أعرضها لا بد أن أجد المتفرج/ المتلقي، ليس النخبة وإنما الناس الذين هم قد صنعوا معي هذا الفيلم”. توقع الفنان وتحدثنا مع تهاني راشد عن فيلمها “في سبيل التغيير” وربما يخطر في بالنا رواية “العقب الحديدية” لجاك لندن عندما توقع الثورة البلشفية، فكان لا بد لنا أن نتساءل حقاً، هل توقعت تهاني راشد التغيير منذ عام 1972 أن هناك تغييراً . لابد أن يحصل فقالت: “لا بد لي أن أروي هذه الحكاية التي حصلت معي، فوجئت بامرأة في هذا المهرجان أي مهرجان أبوظبي السينمائي عندما التقتني وقالت لي: “عندما حصلت ثورة مصر تذكرت فيلمك “في سبيل التغيير”، ودهشت حقاً كيف لامرأة أن تفكر هكذا، إنها قرأت الفيلم والثورة معاً وربطت ما بينهما وذلك إحساس جميل، ولكنني لم ولن أقول إنني اكتشفت أو توقعت”. وأضافت: “لأقول لك شيئاً، في نهاية فيلم “في سبيل التغيير” يقف أمين العالم ليقول: “موتناهم من ضرْبنا”. ويعني هذا أنهم عندما ضربونا بقسوة كانوا يتعبون، هم تعبوا من الهراوات التي ينزلونها على أجسادنا، تعبوا من الآلام التي يضعونها كل يوم ليأذونا، ثم انهاروا فماتوا، هذه هي القضية، ولكن فلأقل لك بصراحة أنه لم يتوقع أحدُ أن تحصل الثورة، لكننا كنا نبحث عنها، هي الروح التمردية التي في داخلنا، والتي لم نجدها إلا في لحظة إحساسنا بضرورة أن تظهر.. لقد قالت المرأة كلمتها وعبرت عن تأويلها الذي ربما يكون صحيحاً.. لا أدري”. وإزاء موضوعة المكان في الفيلم التسجيلي، والذي اضطلعت به تهاني راشد وتعاملت معه بوصفه مادة حية، تريد أن تقول شيئاً يمكن التقاطه حينما تحس به قالت: “أنا أسكن في المكان، خذ حي جاردن سيتي، إنني أمشي في شوارعه، هنا أشعر بأن المكان ينده لي، يدعوني لكي أجعله يتكلم، هنا لا بد أن نفهم أن الحجر يريد أن يقول عن الذي “شافه” عن كل ما رآه، الشوارع تتكلم، وعندما تتكلم لا بد أن نعرف “بتقول إيه”. وأضافت: “يقول علاء الأسواني عندما تكلم في “جيران”: “جاردن سيتي مش مصر” لكن من خلال البحث نكتشف أشياء كثيرة”. وعن علاقة الفيلم التسجيلي بالمشاهد، ومدى الإقبال عليه، وكيف يمكن أن نخلق تواصلاً بين الفيلم التسجيلي والمتلقي تقول تهاني راشد: “أهم شيء بالنسبة لي أن ترى أفلامنا، أن تشاهد من أكثر عدد من الناس “تنشاف”، وأن تعرض في المهرجانات ولكن هذا لا يكفي ما دمت أرى أن الجمهور في بلدي لا يرى أفلامي”. الثورة تتكلم وتواصل تهاني راشد: “الآن اشتغل على مسلسل تسجيلي من أجل أن يذاع على التلفزيون، فأنت عندما تصور أفلاماً تسجيلية، تأخذ من وقت الناس، من روحهم ولكن من أجل أن ترجع الروح لهم لا بد أن يروا ما صنعته بل أن يروا أنفسهم فيما صنعته، ولأقل ذلك بطريقة أخرى: أنت تعمل فيلماً من أجل أن يؤثر في المجتمع في الناس كي تحبه، تكرهه، تناقشه، وذلك ما تريده أنت، إذ أن الفيلم التسجيلي عمل وصيغ للمجتمع كي يرى صورته فيه، كي تتولد عنده ردود أفعال مهمة، حيث تجد الشخصيات التي صورتها، وهي تتكلم على طبيعتها فإن ذلك ما يفرحك، وبالمقابل فإن الفيلم عندما لا يصل إلى الجمهور، فكأنك لم تشتغل فيلما أبداً ولهذا السبب تراني أعمل مسلسلاً تسجيلياً، كي يعرض في التلفزيون ثم بعد ذلك أعمل فيلماً تسجيلياً”. عناوين في سجل تهاني راشد وُلدت تهاني راشد في القاهرة، واستقرت في كندا عام 1966، تخرجت في كلية الفنون الجميلة في مونتريال، وأخرجت فيلمها الأول “في سبيل التغيير” في 1972، وفي 1979 أخرجت فيلمها الوثائقي الطويل الأول “سارقو الوظائف” الذي يدور حول الهجرة، وتبع هذا الفيلم وثائقي من ست ساعات ونصف الساعة لصالح راديو كيبيك، عن المجتمع العربي في كيبيك. راشد، العضو في مجلس الأفلام القومي في كندا بين 1980 و2004، تطرقت إلى قضايا حساسة في أفلام “بيروت، ليس ما يكفي من الموت لجولة ثانية” (1983)، “في مطعم شعبي راق” (1990)، و”أطباء رحماء” (1993). فيلمها “أربع نساء من مصر” (1997) يقدم أربع نسوة متحدات في البحث عن المعنى وعن التسامح في نصف قرن من التاريخ المصري، أما فيلمها “سريدة امرأة من فلسطين” (2004) فيعبر عن أفكار ومشاغل ومخيلة امرأة فلسطينية، وعائلتها وجيرانها، وينقل روح أمة تناضل لتصمد في وجه الحرب والاحتلال. في 2005 عادت راشد إلى مصر، وأخرجت “البنات دول” من إنتاج استوديو مصر الذي انتج لها أيضاً “جيران” (2009) الذي عرض في ذلك العام في مهرجان أبوظبي السينمائي، تعمل حالياً على فيلم وثائقي طويل بعنوان “نسمة هواء”.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©