الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الوطني للوثائق والبحوث».. ذاكرة الوطن الحية

«الوطني للوثائق والبحوث».. ذاكرة الوطن الحية
20 أكتوبر 2013 13:34
يتصدر المركز الوطني للوثائق والبحوث بوزارة شؤون الرئاسة في أبوظبي، الذي أنشئ عام 1968، المشهد التوثيقي لتاريخ الإمارات الزاخر بالمرويات والحكايات الشعبية، التي تؤرخ لحياة الآباء والأجداد في كل إمارات الدولة، ولأن مسؤولية جمع التراث الشفهي وتدوينه وتوثيقه، ومن ثم حفظه مهمة كبيرة يبذل العاملون في المركز أقصى ما في وسعهم من أجل إبراز الموروث الشعبي الإماراتي في صورته الحضارية، التي تستثير أعمق كوامن الذاكرة الحية للرواة التاريخيين، الذين يبثون شجونهم للباحثين التراثيين عبر تسجيلات صوتية ومصورة تعبر عن البيئات التي عمرت الحياة الأولى للمواطنين، ورسمت لهم علاقاتهم الحميمية مع البحر والصحراء والبيئة الجبلية، وامتدت لترصد أدق تفاصيل الاحتفالات الشعبية والألعاب التراثية والفنون والأزياء، لتكتمل الصورة المضيئة للدولة في عصرها الزاهر. أشرف جمعة (أبوظبي) - يحفل التراث غير المادي بالعديد من المفارقات رغم العقبات التي تصدى لها المركز الوطني للوثائق والبحوث في ظل اهتمام القيادة الرشيدة بالتراث الوطني ودعم مؤسساته، بالإضافة إلى أن احتفاء أبناء الوطن بتاريخهم الشفهي وجديتهم في البحث والاستقصاء يعد من العلامات المضيئة في سجل البحث والتوثيق، وعلى الرغم من أن طموحات العاملين في مجال جمع التراث غير المادي تسع المدى، وأسئلتهم لا تتوقف عن تحقيق أمنياتهم الفردية بإطلاق مبادرة وطنية كبرى لمطارحة المعمرين واستثارتهم بأسئلة عميقة حتى يبوحوا بما لديهم من حكايات الماضي في جلساتهم الحميمية، فضلاً عن أملهم في أن تتسع رقعة البحث والاستقصاء قبل أن يرحل هؤلاء، الذين يحملون كنوزاً تاريخية في صدورهم، ليكون المركز الوطني للبحوث، الذي هو بصدد التحول ليكون الأرشيف الوطني للدولة، «ذاكرة وطن». محطات مهمة حول طبيعة دور المركز الوطني للوثائق والبحوث في جمع التاريخ الشفهي وتوثيقه، تقول مديرة إدارة البحوث والخدمات المعرفية الدكتورة عائشة بالخير «يقدم المركز منذ تأسيسه، شهاداته المعرفية حول طبيعة الحياة التي عاشها الأجداد في فترة ما قبل اكتشاف النفط وقيام الاتحاد، عبر جمع التراث غير المادي في إطار تعميق مفاهيم الولاء والانتماء، وترسيخ مبادئ الهوية الوطنية وبما يعكس منظومة الدولة التي تتبنى ديمومة العمل من أجل تفعيل دور المعمرين في إثراء الحياة عبر ما يحتفظون بما في صدورهم من وقائع تاريخية، تمس عصب حياتهم البسيطة التي كانوا يحيونها في السابق. وتلفت إلى أن المركز يساير التطورات العالمية في طرق جمع وتوثيق وحفظ وأرشفة هذا النوع من التراث، الذي يمثل ذاكرة الوطن ويعلي من قيمة المجتمعات، لكون توثيق الأحداث في حياة الشعب يمنح الأوطان قيمة حضارية، ويجعل الأجيال الجديدة غير معزولة عن الوقائع التاريخية والمحطات المهمة في المراحل المختلفة، مؤكدة أن الباحثين بالمركز يتبعون خطوات علمية وعملية في أثناء الجمع وهو ما يجعل من المواد التي تصل إلى المركز في أعلى درجات الصدقية إذ إن المركز يتطلع إلى غد أجمل للأجيال المقبلة التي لم تزل تتعلق بقيم المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، والتي تترسخ بقوة في نفوس أبناء الجيل الماضي. زاد معرفي ترى بالخير أن صدور القانون الاتحادي رقم 7 لسنة 2008 بعد أربعين عاما من تأسيس المركز الوطني للوثائق والبحوث وأدائه مهام الأرشيف الوطني لدولة الإمارات، حقق الكثير من الأهداف الوطنية إذ إن المركز هو القائم بدور الأرشيف الوطني للدولة يهدف إلى تجميع، الوثائق والإشراف علي حفظها ومن ثم أرشفتها وفق الأصول العلمية، بما يتيح فرصة للباحثين التراثيين للاطلاع على المعلومات التاريخية المهمة، مؤكدة أن المركز وفق لائحته التنفيذية للقانون الاتحادي رقم 7 معني بتنظيم الأرشيف الحكومي، ويسعى لحفظ أهم الوثائق التي لم تعد مستخدمة في الجهات الحكومية لاستخدامها في بعض الأغراض البحثية، وهو ما يجيب عن أسئلة بعض الباحثين في التاريخ المحلي الذين يبحثون عن مبادرة تجمع شمل التراث غير المادي في أن تكون هناك جهة مسؤولة تصب في منبعها كل الجهود المبذولة في تدوين التاريخ الشفهي وحفظه، ليكون زاداً معرفياً للأجيال المقبلة. وبالنسبة لتواصل المركز الوطني للوثائق والبحوث مع جهود مؤسسات الدولة المعنية بالتراث الشعبي، تذكر بالخير أن هناك تعاوناً مستمراً، ولا يتوانى المركز عن تدريب الباحثين الجدد، وعمل ورشات لطلاب المدارس والجامعات من أجل إعدادهم وتدريبهم على كيفية التعامل مع المعمرين والتسجيل لهم عبر الصوت والصورة. مسكوكات نادرة تدعو بالخير الباحثين التراثيين والهيئات التي تهتم بجمع التاريخ الشفهي وأصحاب المتاحف الشخصية إلى التواصل مع الرواة والمعمرين، من ثم جمع المواد التراثية، وتسليمها للمركز من أجل حفظها من الضياع؛ إذ إن ذاكرة كبار السن تتلف مع مرور الزمن، وتصل إلى الوهن. وتورد «إذا لم يتم استثمار وجودهم بيننا فسيتعرض جزء من تاريخنا إلي الإهمال»، موضحة أن المركز لديه مشروع كتاب باسم التاريخ الشفهي يحتوي على 20 مقابلة مفرغة مع كبار السن، وهو بصدد إصدار سلسلة لهذا المشروع. وتوضح أن قسم التاريخ الشفهي لديه نحو 700 شريط يتم تفريغها بصورة مستمرة، ولا يتوانى قسم التاريخ الشفهي ودراسات الأنساب عن القيام بهذا الدور، مشيرة إلى أن المركز يشارك في مشروع الاجتماعات السنوية للجمعية الأميركية للتاريخ الشفهي، ويتبادل الخبرات معهم. وتؤكد أن المركز يستخدم أحدث الوسائل العلمية في الجمع التوثيق والحفظ والأرشفة. وتوضح أن المركز يقدم شهادات شكر وتقدير ومسكوكات نادرة إلى الرواة التاريخيين لتحفيزهم على البوح بما لديهم من كنوز. أحداث تاريخية في أحد غرف مركز الوثائق والبحوث تجلس خبيرة البحوث الدكتورة جانتي ميترا، التي مضى على وجودها في الدولة نحو 30 عاماً، وهي تعمل في المركز منذ 17 عاماً. وعن أهم الأحداث التي تناولتها بالبحث في الدولة، تقول «تناولت حدث انتقال حكام آل نهيان الكرام من منطقة ليوا إلى جزيرة أبوظبي». وتشير إلى أنه بعد اكتشاف مصادر المياه العذبة في جزيرة أبوظبي استقر بها نحو عشرين بيتاً، وخلال عامين وصل إلى 400، وفي عام 1795 استقر حكم آل نهيان الكرام بشكل تام في أبوظبي، لافتة إلى أنها دعمت معلوماتها من الوثائق البريطانية، ومن ثم أخضعت أبحاثها للتمحيص بدقة. وتضيف «كانت أبوظبي في السابق منطقة تتضمن العديد من صيادي السمك، ومن ثم تابعتُ مراحل تطورها ونموها إلى أن أصبحت أهم إمارة على الساحل من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية بفضل القيادة الحكيمة». ومن الكتب المهمة التي أصدرتها ميترا «قصر الحصن»، الذي انتهت منه في عام 1998، وكتاب «زايد من التحدي إلى الاتحاد». وتلفت إلى أنها تعمل حالياً على مشروع توثيقي مهم عن أبوظبي. مواقف حياتية بخصوص تنوع أنشطة المركز الوطني للوثائق والبحوث في كل إمارات الدولة، توضح رئيس قسم التاريخ الشفاهي ميثاء الزعابي أن المركز يطلق يد الباحثين في كل إمارات الدولة من أجل توثيق البيئات المختلفة الغنية التي تحظى بها الدولة، في ظل وجود العديد من المعمرين الذي عاصروا الأحداث والمواقف الحياتية بشكل دقيق. وتضيف «مررت بتجربة بحثية شخصية في إمارة رأس الخيمة في «إعمة»، وهي منطقة جبلية وقريبة من «مسافي»، وظللت أربعة أيام بها وهو ما جعلني أتمكن من إجراء نحو 13 مقابلة مع سيدات ورجال من ذوي الأعمار الطويلة، ممن ذكروا لي قصصاً ووقائع جرت في حقبة وجود البريطانيين في الدولة». وتذكر أنها تعرضت لصدمات نفسية عابرة من قبل بعض المعمرين الذين يصفونها بعدم العلم والمعرفة بتراث الدولة وتاريخها، لكنها كانت تصبر على مثل هذه الكلمات، وتتودد إليهم وتحاول أن تمد جسوراً من الألفة بينهم حتى تظفر بما لديهم مرويات شعبية وحكايات تراثية مهمة تجلي بعض الحقائق والأحداث التاريخية، التي عاصروها، لافتة إلى أنها كانت تسمع قصصاً مبكية في بعض الأحيان مؤثرة للغاية وهو ما جعلها تتعلق بالبحث الميداني وممارسة هذه المهمة الجليلة. وتتابع الزعابي «في حال وجود رواية تحتاج إلى استقصاء ومتابعة أكثر من راو لتأكيدها فإنني كنت أحاول أن أجمع أطرافها بالكامل وبمنتهى الصدقية، وعندما تحدث إليها أحد المعمرين عن تعرض إمارة رأس الخيمة إلى سيل في فترة الخمسينيات اضطررت إلى الرجوع لأكثر من راو للتأكد من صحة هذا الكلام، واتضح لي بعد بحث تمحيص صدقه وصحته». توثيق الأنساب منذ بلوغ الباحث في الأنساب والتاريخ المحلي سعيد السويدي سن 18 عاماً - الذي يتولى حالياً رئاسة قسم دراسات الأنساب بالمركز الوطني للوثائق والبحوث- وهو يعمل في ميدان توثيق أنساب العائلات في أبوظبي، وبدأ بالبحث في جذور شجرة عائلته أولاً، ثم انطلق بعد ذلك إلى آفاق البحث الميداني. ويوضح السويدي أنه وثق أنسابا كثيرة وكان يصل إلى الجد العاشر أحيانا بحسب ما تسع الذاكرة كبار السن، ويعتمد بعد حصوله على المعلومات كاملة على أسلوب توثيقي سليم عبر توقيع كبار رجالات القبيلة أو العائلة على البيانات التي حصل عليها، ومن ثم ضمها إلى مجهوده البحثي الذي بدأه منذ نحو ثماني سنوات، والذي سيصدر في كتاب بعنوان «الموروث». ويشير إلى أنه عمل على توثيق جذور جديدة ضمن عمله في مركز الوثائق والبحوث للأسرة الحاكمة في أبوظبي. ويلفت إلى أن المركز يعكف حالياً على تنفيذ مشروع «ماكيت» لأشجار العائلات التي تم توثيق أنسابها ليتم بعد ذلك منحها لهذه العائلات. ويعترف بأنه يمتلك حسابا شخصيا على برنامج الانستجرام، ويتابعه الألوف في داخل الدولة وخارجه لكون هذا الحساب يعرض أنساب بعض العائلات والقبائل في مختلف إمارات الدولة. ولا يخفي السويدي سعادته البالغة لمواصلة عمله في المركز بمنتهى الهمة والنشاط لكونه شغوفا بنوعية البحث الذي يعمله به. تفريغ التسجيلات الصوتية تعد الباحثة في التاريخ الشفهي مريم المزروعي تجربتها في التعامل مع المعمرين «ثرية جداً»؛ إذ جعلتها تتعرف على حقائق تاريخية في منطقتي سويحان والوثبة. وتشير إلى أنها تفرغ التسجيلات الصوتية لهم باللهجة المحكية الإماراتية ثم تحولها إلى اللغة الفصحى. مكتبة الإمارات في أحد جوانب المركز الوطني للوثائق ترتكز مكتبة الإمارات، التي تحظى بإقبال كبير من قبل الباحثين والمتخصصين في التاريخ المحلي، كونها تحتوي على أمهات الكتب. وتقول رئيس قسم مكتبة الإمارات شريفة الفيهم «أعمل في المركز منذ 11 عاماً، وتوليت مهامي في إدارة المكتبة منذ 4 أشهر. ويحرص المركز على رفد المكتبة بالكفاءات البشرية لتنفيذ برامج التوعية المعلوماتية للباحثين من الطلبة». وتلفت إلى أن مكتبة الإمارات تتبادل الكتب مع مكتبات داخل الدولة وخارجها، وتسمح لموظفي المركز بالاستعارة وللباحثين بتصوير أجزاء من بعض الكتب، فضلاً عن البوابة الإلكترونية التي تم إطلاقها في مناسبة الذكرى الـ45 لتأسيسها بما يتيح زيارتها عبر الخط المباشر من داخل الدولة وخارجها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©