الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحج فريضة تأتلف فيها مصالح المسلمين وتجدد الروابط بينهم

الحج فريضة تأتلف فيها مصالح المسلمين وتجدد الروابط بينهم
21 أكتوبر 2011 11:18
في مثل هذه الأيام من كل عام تهفو قلوب المسلمين وتتجه الأنظار نحو بيت الله العتيق، يحملها الشوق ويدفعها الأمل فيما عند الله سبحانه وتعالى، مستجيبين لدعوة أبيهم إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- عندما أمره الله سبحانه وتعالى بقوله: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْـحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) «سورة الحج، الآية 27». وهذا الشوق الذي يملأ قلب كل مسلم إلى بيت الله الحرام، إنما هو تحقيق لدعوة أبي الأنبياء إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- حينما أسكن ابنه إسماعيل- عليه الصلاة والسلام- وأمه هاجر في رحاب البيت العتيق وتركهما، ثم اتجه إلى ربه يناجيه ويتضرع إليه (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْـمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) «سورة إبراهيم، الآية 37». وما تكاد أشهر الحج تهل على العالم الإسلامي حتى تشتعل قلوب المسلمين بالشوق إلى بيت الله الحرام، وما جاوره من أماكن مقدسة، وزيارة مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وغيره من المشاهد الإسلامية العظيمة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وحيث إن الحج اجتماع جامع للمسلمين قاطبة، يجدون فيه أملهم العريق الضارب في أعماق الأمة منذ سيدنا إبراهيم الخليل- عليه الصلاة والسلام-، فهو فريضة تأتلف فيها مصالح المسلمين وتجتمع منافعهم وتتجدد الروابط بينهم، وتصدق العزائم عند اللقاء الكريم. الركن الخامس ومن المعلوم أن الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو آخر ما فرضه الله على عباده من العبادات، فهو عبادة جليلة ينتقل فيها المسلم ببدنه وقلبه إلى البقاع الطاهرة المقدسة التي أقسم الله بها في كتابه الكريم في قوله تعالى (لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ، وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ) «سورة البلد، الآيتان 1 - 2»، وقوله تعالى (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَطُورِ سِينِينَ، وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ) «سورة التين، الآيات «1 - 3». إن الحج مؤتمر عالمي يتلاقى فيه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، فتنصهر الأخوة الإسلامية وتذوب في حرارتها النزعات، وفي الحج يتجلى معنى الوحدة الإنسانية، وتتجلى المساواة في أقوى صورها فلا عنصرية ولا عصبية للون أو جنس، ها قد جاء ضيوف الرحمن من كل حدب وصوب ليعلنوا للبشرية جمعاء، بصوت واحد وعلى مستوى واحد وصعيد واحد، لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله، وأن الإسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى للبشر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، جاءوا إلى مكة المكرمة ليتساووا على صعيد الحج، لا فرق بين أبيض وأسود وكبير وصغير وغني وفقير، لباسهم واحد وتوجههم واحد وصوتهم واحد، فتتحد الألسنة وتتآلف القلوب وتخرج الإجابة من حناجر صادقة وأفواه طاهرة: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك». من أفضل الأعمال وفي الحج تتجلى رحمة الله بعصاة المسلمين لأنه من أفضل الأعمال التي يقبلها الله ويكفر بها ذنوب العاصين، فقد سئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أفضل؟ قال: (إيمان بالله ورسوله)، قيل: ثم ماذا؟ قال: «ثم جهاد في سبيل الله»، قيل ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور» (متفق عليه)، وقال- صلى الله عليه وسلمـ: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (متفق عليه). إن الحج ملاذ كل المسلمين العابدين والعاصين، فالعابدون يزدادون قرباً من مولاهم بوفادتهم عليه في بيته، والعصاة يستروحون عبق الرحمات في تلك الأجواء الإيمانية الآمنة ليقروا بذنوبهم، آملين رحمة الله بعفوه ومغفرته ورضوانه، مجددين العهد على الطاعة وإخلاص العبودية لمولاهم الغفور الرحيم. إن الحج مؤتمر عالمي يتكرر كل عام مرة يعقد في الأرض المباركة بجوار الكعبة تحت شعار «أمة واحدة» قال تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) «سورة الأنبياء، الآية 92».ووحدة المسلمين في الحج تشمل عدة مظاهر من الوحدة يتعايش الناس على ضوئها: 1- وحدة الأصل:- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير) «سورة الحجرات، الآية 13»، وفي الحديث «ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى» (أخرجه البيهقي). 2- وحدة الزمان:- قال تعالى: (الْـحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْـحَجِّ) «سورة البقرة، الآية 197». 3- وحدة المكان: قال تعالى: (جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْـحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ) «سورة المائدة، الآية 97»، وقوله أيضاً: (وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) «سورة البقرة، الآية 125». 4- وحدة في الشكل والمظهر تتجلى في لباس الإحرام المكون من إزار ورداء أبيضين هو لباس كل الحجيج استعاضوا به عن لباسهم المعتاد في حياتهم العادية. ومن المعلوم أن الحج يستمد عالميته من عالمية الإسلام الذي جاء رحمة للناس كافة، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) «سورة الأنبياء، الآية 107»، وقال أيضاً (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) «سورة سبأ، الآية 28». فضل الحج ومن المعلوم أن الله قد عظم بيته الحرام وجعله للمسلمين قبلة، كلما قاموا إلى الصلاة توجهوا إليه فرضاً ونفلاً، وفرض عليهم الحج إليه وأمرهم بالعمرة، وجعل الجزاء العظيم لمن حج بيته العتيق حجاً مبروراً بأن يغفر له ذنوبه، فالحج من أفضل العبادات وأجل الطاعات، وهو أحد أركان الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، والتي لا يتم دين العبد إلا بها، قال الله تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْـحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) «سورة الحج، الآيتان 25 - 26»، وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: «سُئِل: النبي- صلى الله عليه وسلم- أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور» (أخرجه البخاري). وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعتُ النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (أخرجه البخاري). فضل العمرة العمرة عبادة عظيمة فيها منافع كثيرة نذكر منها أنها تنفي الفقر والذنوب، فعن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة» (أخرجه الترمذي). وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله: «عمرة في رمضان تعدل حَجَّة» (أخرجه الترمذي)، وفي حديث آخر قال- عليه الصلاة والسلام-: «فعمرة في رمضان تقضي حجة، أو حجة معي» (أخرجه مسلم). وورد عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (أخرجه البخاري). وروي عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «الحجاج والعمّارُ وفدُ الله، إن دعَوْه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم» (أخرجه ابن ماجه). نسأل الله للجميع حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً. الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©