الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نهاية الأشرار

نهاية الأشرار
21 أكتوبر 2011 11:16
قد يكون من الطبيعي أن يمارس البلطجي والخارج على القانون تصرفاته ضد الغرباء وعابري السبيل، لكن الغريب أن ضحايا «سلامة» كانوا أيضاً زوجته وإخوته وشقيقته، فلا فرق عنده بين هؤلاء أو أولئك، ضاقوا به وبأفعاله، وهو يتمادى يوما بعد يوم، ولا يكف ولا يتوقف أمام توسلاتهم وعدم قدرتهم على مواجهته، لا يتورع عن أن يفعل معهم ما يفعله مع أي شخص يقع تحت يده، فيحصل منه بالقوة على ما يريد. «سلامة» عمره ثلاثون عاماً مملوءة بالإجرام والاتهامات والقضايا، فقد سبق ضبطه في ثلاث عشرة واقعة بين سرقة واتجار في المخدرات وبلطجة وقطع طرق واستخدام القسوة، هذا ما سجلته الأوراق الرسمية، ولكن ما لم يتم ضبطه فيه ولا الإبلاغ عنه قد يتجاوز الآلاف، إما لأن الضحايا لا يعرفونه أو أنهم يخشون جبروته، فلا يفكرون في الإبلاغ، أو لأن بعضها يقع ليلاً، فلا يتم التأكد من شخصيته، وقد كانت هذه الأسباب مجتمعة دافعاً له ليستمر في غيه وجبروته. أوَّل مرّة القي عليه القبض وأُدخل السجن كانت في قضية سرقة وقضى وراء القضبان ثلاث سنوات لم تكن له تهذيباً ولا تأديباً ولا إصلاحاً، وإنما أخذته العزة بالإثم وتحجر قلبه وتجمدت مشاعره، ولم يعد لديه أي إحساس، ولا يعرف شيئاً اسمه الخير والعدل والرحمة، فعاث في الأرض فساداً، يضرب بشروره وينشرها يميناً ويساراً ولم يعد أحد يطيقه. لكن إذا كان الغرباء مقهورين ومغلوبين على أمرهم لأنهم يريدون أن يبتعدوا عنه ويتجنبوا شروره، ويفروا منه فرارهم من الحيوانات المفترسة، فإن ذلك لم يكن متاحاً لزوجته واخوته، فضاقوا به ولم يجدوا حلاً إلا الخلاص منه، وقد حدث ما لم يكن متوقعاً ولا في الحسبان، فقد اتفقت زوجته واخوته بمن فيهم شقيقته على التخلص منه بأي شكل، ولا مانع من أي طريقة، فكل الوسائل متاحة حتى على طريقته، والمفاجأة جاءت من شريكة حياته التي قدمت الفكرة والتمويل، ولقيت قبولاً من اخوته وباركها الشيطان. أعد الجميع عدتهم، ودعا الاخوة أخاهم إلى نزهة خلوية في الحقول، مع الوعود بأنها ستكون سهرة غير مسبوقة مع الخمر والمخدرات التي اعتادوا عليها جميعاً، فهم ليسوا أحسن حالاً منه وإنما على شاكلته ويسيرون على دربه نفسه، فالأصل والمنبت والمشرب واحد، فقد كانوا لصوصاً وتجار مخدرات وقطاع طرق، ولكن ليس في مستوى أخيهم الذي استعبدهم مع الآخرين، فأخوه الأكبر سبق اتهامه في ست قضايا، والأصغر سبق اتهامه في ثلاث قضايا، علاوة على أنه أودع السجن لمدة عام، وأختهم لم يسلم أحد منها من الجيران والأقارب، فلسانها أطول منها وكلماتها مثل السم. وقع الصيد في الشرك، وتناول الطعم وهو يعتقد أن إخوته يغازلونه ويخطبون وده وينافقونه كي يتجنبوا شروره، وهو لا يرفض السحت والحرام أياً كان نوعه ومصدره وتوابعه، وقد بدأ الظلام يرخي سدوله، عندما وصلوا إلى المكان المحدد، جلس «سلامة» بداية يشعل سيجارة، وهو ملقي على قفاه فوق النجيلة ينفث دخانها الذي لا يبدو له أثر مع الظلام الذي خيم على المكان، هنا كانت الفرصة مواتية لشقيقيه اللذين وجداه في حالة استرخاء، فجاءت أخته وزوجته تتسللان ولم يشعر بهما وقامتا بوضع قطعة قماش مبللة على فمه وأنفه لكتم أنفاسه وقبل أن ينتبه لهما، انقض أخواه عليه وشلا حركته وانهالا عليه طعناً بسكاكين أعدوها مسبقاً، ومع كثرتهم وغيظهم منه لم يستطع أن يتخلَّص منهم، فقد كانت الضربات متلاحقة قوية، ولسان حاله يكاد يقول لو إني نهضت لمزقتكم إرباً، حتى خارت قواه وتدفقت منه الدماء غزيرة وسالت في المكان، وأخيراً سكن إلى الأبد. لم يفكروا كثيراً في ما هو آت وكيفية التخلص من الجثة وإخفاء معالم الجريمة، فهم مستعدون ومن أرباب السوابق ويعرفون عشرات الجرائم التي تمت سراً وتبادلوا المعلومات عنها في ما بينهم، وربما شاركوا في بعضها، فقاموا بحفر حفرة له ودفنه وهم يقفون على قبره بأرجلهم ومن الترعة القريبة يسكبون عليه الماء ليتأكدوا من إتقان عملهم، وجلسوا قليلاً لا ليترحموا عليه وإنما ليصبوا عليه اللعنات ويودعوه غير مأسوف عليه، وظلوا في مكانهم بعض الوقت إلى أن أوى الجميع إلى بيوتهم واستغرق معظمهم في النوم، وعادوا إلى بيتهم الكبير الذي يجمعهم من دون أن يراهم أحد وشددوا على بعضهم في عدم التحدث عمّا وقع حتى مع أنفسهم. ثلاثة أيام مرّت من دون أن يسأل أحد عن القتيل الذي اختفى وتغيب، خاصة أن أسرته هي التي يجب أن تبحث عنه، ومع كل ساعة تمر يعتقدون أنهم يبتعدون عن كشف السر الذي يتجه نحو النسيان، ولكن جاء ظهور الجثة فجأة بمثابة صدمة بالغة لهم لا يعرفون كيف يتصرفون معها، فقد نبشت الكلاب والحيوانات الضالة القبر واستخرجت الجثة والتهمت بعضها وفاحت رائحتها في المكان فهرع أهل القرية يتساءلون عن صاحبها، وقد وجدوا الوجه كما هو ما زال يحتفظ بملامح صاحبه رغم بعض التغيرات التي طرأت عليه. وصل الخبر إلى أسرة «سلامة»، فخرجوا جميعاً رجالاً ونساءً يولولون ويصرخون وينوحون على مصابهم الأليم، محاولين خداع من حولهم، وزادوا وبالغوا في توعد من فعل هذا، وأنهم سيثأرون له وينتقمون ممن تجرأ على هذه الفعلة الكبيرة، واهتزت القرية فرحاً بهذا الخبر السعيد الذي أثلج صدور الكثيرين؛ لأنهم تخلصوا من هذا الشر المستطير الذي لا يتوقف ليل نهار، ويطال كلاً منهم بأي شكل، ولم يسلم أحد في السنوات الماضية منه، لكن رغم ذلك حاولوا كتمان فرحتهم. بدأت التحقيقات لمعرفة من وراء الجريمة، وفي البداية كانت المهمة في غاية الصعوبة؛ لأن خلافات القتيل بلا حصر وبلا عدد، ولا تجمعه علاقة طيبة مع أحد، وكثرة أعدائه جعلت دائرة الاشتباه واسعة، وأصابع الاتهام لا تقف عند اتجاه معين وإنما من المحتمل أن تصل إلى أي شخص، لكن السؤال الأول الذي توقف أمامه رجال المباحث أن الجريمة وقعت قبل ثلاثة أيام ومن حينها اختفى «سلامة» إذا لماذا لم تبلغ أسرته عن تغيبه؟ وجاءت الإجابات متقاربة بأن «سلامة» اعتاد التغيب لأكثر من ذلك ويحب ألا يسأل أحد عنه، وعلى حد تعبيره أنه ليس طفلاً ويحب ألا يعرف أحد مكانه، وكذلك لا يجرؤ أحد على سؤاله إلى أين هو ذاهب، أو متى يعود أو أين كان، وكادت خيوط البحث تنقطع وتصل إلى طريق مسدود، حتى أن رجال الشرطة فتر حماسهم الذي يتعاملون به مع كل حادث، فهم يعلمون سجله الإجرامي ولا يستحق أن يبذل من أجله جهد لولا أن هذا يعد عيباً في حقهم وإشارة إلى فشلهم. أكدت المعلومات أنه في يوم الحادث كان القتيل يسير مع أخويه مساء في طريقهم إلى المكان الذي عثر فيه على الجثة، وقد شوهدوا من دون أن يشعروا أثناء عودتهم من دونه في جنح الظلام فتمت مواجهتهم بذلك فلم يستطيعوا إيجاد مبررات، وفشلوا في مواصلة التمثيلية التي أخرجوها ونفذوها وانهارت قدرتهم على التحمل بعدما ضاق عليهم الخناق وبدأوا الاعتراف. قالت زوجته، إنها كانت تعرف عنه كل شيء قبل أن يرتبط بها، لكنها توهمت أنها ستتزوج بطلاً يحميها من كل من حولها، ويجعلها صاحبة الكلمة العليا عليهم، لكن هذا ارتد إلى صدرها وكانت من أول ضحاياه ولم تر معه ما كانت تحلم به، ووجدت نفسها في كابوس غير قادرة على الاستيقاظ منه وذاقت معه الأمرين، ولم يكن من حقها أن تعترض على أي تصرف وما عليها إلا السمع والطاعة حتى عندما ألمحت بعدم الرضا عن تصرفاته كان نصيبها الضرب، وعندما حاولت أن تعود إلى بيت أبيها وتطلب الطلاق، نالت من العقاب هي وأسرتها ما لا يطاق، أصبحت حياتها جحيما حتى فكرت في الانتحار، إلى أن وجدت في اخوته عزاء لها ودعماً لموقفها، فكلهم يشتركون في كراهيته والتقت مصالحهم، خاصة عندما رفض أن يعطي أخته نصيبها من ميراث أبيها واستولى عليه وحده، أما شقيقاه فقد حول حياتهما إلى جحيم ولم يكن يتورع عن أن يعتدي على زوجتيهما بالضرب والسب، فجاء الاتفاق على التخلص منه. وهكذا جاءت اعترافات الآخرين، وتم اقتيادهم إلى محبسهم، إلا أن فرحة أبناء القرية لم تكن الآن خافية وأعلنوها صريحة، وانطلقت الزغاريد ابتهاجاً بالخلاص من الظالمين.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©