الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«سنع القهوة» تعود بذكريات الأجيال إلى أيام البدايات

«سنع القهوة» تعود بذكريات الأجيال إلى أيام البدايات
2 فبراير 2014 14:40
في جلسة على قمة جبل، جهز سيف راشد الدهماني المصنف خبيراً في «سنع القهوة»، مكاناً خاصاً لعرض كل الخطوات المتعلقة بالبن وصنع القهوة، ليجسد أحد أشهر الأماكن لدى أهل الإمارات فيما يعرف بالحضيرة، الاسم المشتق من كلمة الحضور حين يحضر الأهالي إلى المكان، ليحصلوا على جانب من الكرم العربي، باعتباره صفة فطروا عليها، من دون الرجوع إلى مستوى الثراء أو الفقر، فالكرم هنا يتمثل في تقديم ما يمتلك أصحاب المكان، وكان أول ما يقدم القهوة لضيوفهم ثم لأنفسهم، ليتشارك الجميع في تناولها، موزة خميس (الفجيرة)- يؤكد الآباء والأجداد أن مشاركة الضيوف تشعرهم بتوافر الخير داخل البيت، بالإضافة إلى الرغبة في وجودهم، أما اقتصار تقديم القهوة على الزوار فقط، فمن شأنه أن يزعجهم ويشعرهم بعدم الرغبة في وجودهم واستعجال رحيلهم، سواء في الزيارات المعتادة أو أيام الأعياد والمناسبات. وصعوداً إلى الجلسة العربية فوق الجبل بمنطقة الميدق، التابعة لإمارة الفجيرة للاستماع إلى حديث الدهماني، حيث يخبرنا بأن الجميع في بلادنا يحرصون على تقديم القهوة لأنفسهم ولضيوفهم، حيث تشترى احتياجاتها مع مؤن البيت دائماً، ولذلك تعود الناس على توافرها في كل بيت، موضحاً أن عملية الشراء تمر بمراحل عدة، يتجلى فيها ذوق الأسرة وتكثر فيها المشاورات بين أفرادها عند اختيار «دلة القهوة» وهي الإناء الذي تقدم من خلاله، فتجد من يفضل اللون النحاسي المطعم بألوان الفضة أو العكس، وتكون الأم طرفاً أصيلاً في عملية الشراء، وغالباً ما تترك بناتها يتشاورن لشراء ما يردن، ثم تتقدم هي بخطى واثقة لتختار الدلة المطلوبة، وتترك ما اختارته البنات للاستخدام داخل المنزل، وتخبرهن لماذا اختارت نوع «الدلة»، الذي يصلح لأن تقدم من خلاله القهوة إلى الضيوف، ليتعلمن الاختيار الصحيح في المرات المقبلة، حيث لا يعرفن أنه هناك سبع دلال يتم تداولها في المنطقة الخليجية، أشهرها وأندرها الحساوية، وهناك العمانية والحايلية من منطقة حائل في المملكة العربية السعودية، والنجدية من نجد، والقرشية نسبة لبني قريش، ودلة رسلان لبلاد الشام، وفي الإمارات تستخدم العمانية وغيرها مما يأتي من الجزيرة العربية. معلومة لا تعرفها البنات كما لا تعلم البنات الصغيرات أن تلك الدلال إن تعلق الأمر بعدد كبير من الضيوف، لا بد أن تكون بثلاثة أحجام منها على الكوار أو موقد النار الذي يوقد بالحطب ويتحول لجمر، وهي دلة اللقمة التي يتم تلقيمها بالقهوة، التي توضع على الماء الحار، وهناك الخمرة وهي دلة لا بد أن تكون حاضرة دائماً ولا تخلو أبداً من الماء الساخن الذي يغلي بهدوء على حر الجمر القريب منها، وتبقى المزلة وهي الدلة التي تصب فيها القهوة بعد أن تجهز في دلة اللقمة، ومن المزلة إلى الفنجان مباشرة، وتعد القهوة بالنسبة للخليجي «كيف ومزاج» كما يقال لتقريب المعنى، ودلة الكيف تكون سادة مقتصرة على البن المحمص والمدقوق أو المطحون، أما دلة المزاج فهي القهوة التي يضاف للبن فيها قناد، وهي التوابل من الهيل والزعفران والقرنفل حسب الذوق. وبين رفض وقبول من قبل البنات لنصائح الأم، تخبرهن أن المهمة لم تنته بعد، وتتجول بين أركان المكان تتفحص أنواع «الفناجين»، التي تناسب شكل الدلة التي وقع عليها الاختيار، وتعيد الكرة مع بناتها، فتجد أن بعضهن بدأ يترجم توجيهاتها بشكل أفضل من المرة السابقة، وهنا كما يوضح الدهماني تفرح الأم وتبدو عليها علامات الرضا، وتتقارب خطاها من خطى بناتها، كأنها تود أن تحتضنهن، وتسير الأسرة إلى صندوق الحساب، ويدور بين الجميع حديث هامس عن أفضل طريقة لتجهيز القهوة، ومن منهن ستسرع لحظة وصولها إلى البيت، نحو تجهيز فنجان القهوة ليتذوقه الأب مع ضيوفه؟. ويتواصل حديث الدهماني من فوق الجبل، مشيراً إلى أن هذا ما تتبعه أسر كثيرة في بلادنا، حيث تعتبر ذلك مهمة تقوم بها الأسرة كل فترة، من دون الارتباط بمناسبة أو عيد، فدائماً تحرص ربة الأسرة على تجديد دلة القهوة والفناجين، بالإضافة إلى تغيير نكهة القهوة التي تعودت عليها، في حين تلتزم أخرى بمبدأ الثبات، وترى أن ذلك طابع يميزها، وتفرح كثيراً حين تسمع كلمات الإعجاب من الضيوف أو الأصدقاء والمقربين بمذاق القهوة، التي عرفت منذ البدايات في المنطقة العربية، ولها ذكريات في مجالس الآباء والأجداد، التي حرص الدهماني على أن يقيم أحدها فوق الجبل، حيث يشعر الزائر بأنه أمام «ديكور» فيلم سينمائي، لتصوير مشاهد لفيلم يسرد فصلاً من تاريخ المنطقة، لكنه بمجرد الاقتراب، تختلف الصورة ويشعر بانطباع آخر. مشاهد واقعية فالدهماني اختار من الطبيعة مكاناً، ليعطي المشهد واقعية، مستفيداً من خبرته الرسمية والشعبية في تجهيز البن وإعداد القهوة، حيث شارك قبل عامين مع وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في الجنادرية بالمملكة العربية السعودية، وفي أبريل من العام الماضي مع هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ضمن مهرجان الجنادرية أيضاً، قدم خلال تلك المشاركة 120 كيلوجراماً من البن أي نحو «30 مّناً»، بما يساوي 120 دلة قهوة يومياً. ورداً على استفسار حول الحضيرة، لفت الدهماني إلى أنها وسيلة إعلام بالنسبة لمواطني الإمارات، وكذلك الأمر بالنسبة للديوانية في الخليج العربي أو في بيوت الشعر بالشتاء في الإمارات، حيث يجتمع الرجال ليلاً عند أحد الأهل أو الأقارب، ويبدأ في سؤالهم عما فعلوا وما حدث لهم طول النهار، فذلك قادم من منطقة بعيدة وهو يحمل أخبار وأحوال تلك المنطقة، وهذا كان يتعاون مع مجموعة في عمل ما، وربما جاء أحدهم من خارج الدولة، وتكون تلك الجلسة مصدراً لمعرفة أحوال تلك الدولة، ووفقاً لروايات الدهماني التي استمد معلوماتها من خبراته الحياتية، تصنع الحضيرة عند البدو من نبات المرخ، أما عند أهل الجبال فيصنعونها من نبات العسبق، وربما الدعون المصنوعة من النخيل. وبالحديث عن تغير طريقة إعداد القهوة، بدا على سيف راشد الدهماني رفض ما يقوم به الغالبية حالياً من شراء القهوة جاهزة ومطحونة، عائداً بذكرياته التي تعيد إلى وجهه ابتسامة الزمن الجميل، ليخبرنا عن سبب تفضيله تجهيز القهوة بالكامل داخل البيت: فحين يتم تجهيزها داخل البيت يشعر أفراد الأسرة بقيمة صنيعهم وعظمة ما يقدم إلى الضيف، خاصة حين تضاف إلى القهوة نكهات تعطر رائحتها المكان، وهي تدور بين الضيوف، وتسمع صوت الفناجين حين تتلامس أو توضع على إناء التقديم. أما عن عادات شرب القهوة، فيقول: تحرص معظم الأسر على إعداد القهوة في الصباح عند إعداد الفطور، وحين ينتهي الكبار من تناول إفطارهم، فإنهم يختمون الجلسة بفنجان من القهوة، وتبقى الدلة تنتظر أي قادم يصل في أي وقت، حتى الظهر، أما بعد صلاة العصر فيتم إعداد قهوة جديدة للفترة المسائية. «المحماس».. سر نجاح إعداد القهوة أوضح سيف راشد الدهماني أن الغالبية يقبلون على شراء حبات القهوة الخضراء ويفضلون البن اليمني من بين 25 نوعاً، غير أن التجارية منها تتركز في أنواع معينة، فهناك العربي والأفريقي والكيني والبرازيلي، مشيراً إلى أن الطريقة المشهورة تبدأ بتحميص البن، أو تحميسه كما يقال باللهجة المحلية، من خلال تحريكه في إناء يوضع على النار، «محماس»، ويستمر تحريك حبوب البن في الإناء، حتى لا تحترق، إلى أن يتغير لونها، بحسب درجة اللون المختارة، الذي سيكون لون القهوة فيما بعد. ثم توضع في إناء آخر حتى تبرد، ثم يتم طحن البن يدوياً أو آلياً، عقب ذلك، ووفقاً للطريقة التي يتبعها الدهماني، يوضع مسحوق البن على كمية من الماء المغلي في الدلة، وهي الإناء المصنوع من الحديد أو النحاس أو الإستيل، وتترك في الماء المغلي على نار هادئة، ويتزامن مع ذلك طحن حبوب الهيل لمن يرغب، ومن ثم توضع الدلة المحتوية على البن والهيل على النار مرة أخرى، إلى أن يغلي الماء ثم ترفع الدلة عن النار، ويفضل وضع قطعة نظيفة من ليف النخيل، تحبس الحثل أو بقايا البن أو الهيل. مذاق خاص من أهم ما يميز مذاق القهوة هو تناولها بعد تناول حبات من التمر، لذلك يقال إن «قناد القهوة هو التمر»، أي أنه يجعل لها مذاقاً مميزاً، والقهوة هي التي تأتي مرافقة صاحبها لتستقبل الضيف بعد الجلوس، وتعبأ فناجينها للشخص الواحد مرات عدة طوال الجلسة، وبعد أن تمر لحظات ربما تزيد على ربع ساعة تقدم الفوالة أو واجبات الضيافة الأخرى، وبعد أن يتناول الجميع الفوالة يؤتى بالقهوة مرة أخرى لتختم الضيافة، وعندما يخرج الرجل قديماً أو في يومنا هذا من المساجد في أي وقت دون أن تكون هناك مناسبة معينة، يدعو من حوله من الرجال بالتفضل إلى منزله لتناول القهوة. ولم يكن الداعي يقصد تناول القهوة بحد ذاتها، فعندما يوافق أحدهم أو بعضهم، فإنه حين يدخل بهم إلى مجلسه، يعرف أن أهله قد يحتاجون وقتاً لإعداد شيء من الحلوى، فربما لا يوجد في المنزل ما هو جاهز للتقديم، ولذلك بعد أن يجلسوا يدخل ليخبر أهله، وأثناء هذه الفترة، فإنه يأتي بدلة القهوة التي عادة ما تكون جاهزة، و«يقهوي» أي يصب القهوة للرجال ويتبادل معهم الأخبار والتعرف على أحوال بعضهم، حتى يقدم لهم الحلوى والفواكه ثم يعود لتقديم قهوة جديدة تم إعدادها. المناسبات لا تغير طرق إعداد وتقديم القهوة خلال أيام العيد تكرر الطقوس الخاصة بالقهوة وتقديمها، فالمناسبات لا تبدل ولا تغير من طرق الإعداد والتقديم، فهي حين يؤتى بها ويحملها «المقهوي» لا بد أن تحمل الدلة باليد اليسرى، والفناجين باليمنى، وأن يبدأ بتقديمها للضيوف الجالسين على اليمين ويتحرك نحو اليسار، إن كان راعي الدعوة أو راعي البيت هو الذي يقدمها، أما إن كان يقدمها أحد الأبناء أو أي رجل آخر، فإنه يبدأ بكبير الجالسين إما عمراً أو وجاهة، ثم يسير ناحية «يمين» ذلك الرجل، ثم يعود إلى كبير القوم ويبدأ من الرجل الذي على يساره. وحين ينهي تقديم الفنجان للضيف الأخير، يعود للوقوف في مكان محايد، في انتظار طلبات الضيوف الذين يمدون الفنجان، ولا يهز الفنجان إلا عند الاكتفاء، وفي أحيان كثيرة ربما يزور أحد الأبناء والده، وهنا يراعي القواعد، فمهما كان ذا منصب أو وجاهة، فعليه أن يحمل القهوة ويبدأ في صب القهوة للوالد ثم للحضور ثم لنفسه. والأهم من كل ما ذكر عن القواعد المتوارثة، ألا يكون الفنجان مملوءاً، لكن يجب أن يصل مستوى القهوة إلى المنتصف أو أقل بقليل، فإن ملئ الفنجان لأي شخص فهذا ضد كرم الضيافة عند العرب، وكأن من صب القهوة يريد أن ينتهي بسرعة من تقديم خدمة صب القهوة، لأن عملية صب القهوة بحد ذاتها فيها تكريم لمن تقدم له وسقيها يجب أن يكون بطيب خاطر. نصيحة لإعداد القهوة يوضع مقدار نصف لتر من الماء لصنع قهوة تكفي لدلة صغيرة، ويرفع على النار وعندما يغلي جيداً يتم خفض درجة حرارة النار حتى أقل درجة، حيث تضاف ملعقتا طعام من القهوة للماء المغلي «قهوة خفيفة»، ثم ترفع النار قليلاً وتترك لتغلي دقائق عدة، وخلال هذه المرحلة ربما يضاف الهيل والزعفران ويفضل البعض القرنقل، بينما يفضل آخرون مزج «بودرة» الهيل والزعفران المطحون إلى القهوة بعد طحنها، حيث يخلط الجميع ويحفظ في علبة القهوة، كما يفضل البعض إضافة حبات الهيل خلال عملية الطحن أو طحن الهيل منفرداً وإضافته فيما بعد أو خلال غلي القهوة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©