الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الوحدة الألمانية.. بعد ربع قرن

12 أكتوبر 2015 23:28
لعل الفروق خلال عهد التقسيم بين ألمانيا الشرقية والغربية، التي ما زال بعض آثارها قائماً، على رغم مرور 25 عاماً بعد توحيد الشطرين، لم تعد تبدو كانقسامات غير قابلة للجسْر، ربما باستثناء واحد منها فقط، ذي علاقة بالموضوع الذي يشغل كثيراً من سجالات الأجندة السياسية الألمانية في الوقت الراهن، ألا وهو الهجرة. فعندما تم توحيد الشطرين في 3 أكتوبر 1990 ابتلعت «جمهورية ألمانيا الفيدرالية» بسرعة «جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة» وضمت إليها ما لازال معروفاً حتى الآن بـ«الولايات الفيدرالية الجديدة، وهي: براندنبورج، ومكلنبورج –فوربومرن، وساكسونيا، وساكسونيا انهالت، وتورينجن، التي كانت تابعة قبل التوحيد لألمانيا الشرقية. كما أعادت ألمانيا الجديدة أيضاً توحيد مدينة برلين. ولم تبدُ ألمانيا الشرقية في ذلك الوقت كقطعة أكبر من أن تبتلعها ألمانيا الجديدة: فالشرق باستثناء برلين كان عدد سكانه يبلغ 14,5 مليون نسمة مقارنة بـ61 مليوناً في ألمانيا الغربية. صحيح أن ولايات الشرق كانت أسوأ حالاً اقتصادياً من نظيرتها الغربية، ولكن كان هناك أمل أن هذا التباين الاقتصادي سيزول باختفاء الحدود. ولكن هذا لم يحدث.. أو لعله لم يحدث بالصورة التي كان متوقعاً أن يحدث بها، وذلك على رغم كل الأموال التي ضخت من الغرب للشرق. وليس القصد من ذلك القول، إن تلك الأموال قد ضاعت سدى، فاقتصاد «تورينجن»، مثلاً، تضاعف تقريباً خلال ربع القرن الأخير، كما أن نسبة النمو في الولايات الجديدة لم تقل -في أي ولاية منها- عن 60 في المئة. ومع ذلك فقد الشرق ما نسبته 14 في المئة من عدد سكانه الإجمالي لصالح الغرب، وما زال ينتج 15 في المئة فقط من الناتج القومي الإجمالي للبلاد، كما أن نسبة البطالة فيه التي تصل إلى 12 في المئة تزيد مرتين عن باقي البلاد. ولكن هذه الفجوة ربما لا تحتاج لأن تُسد بشكل كامل. فالمرء يستطيع أن يجادل بالقول إن بعض الأشياء المهمة بين القسمين قد اعتدلت: فعلى سبيل المثال يبدو أن الهجرة من الشرق للغرب قد باتت متوازنة الآن، وأن معدلات العمر المتوقع بالنسبة للنساء في الولايات الشرقية مشابهة الآن لمثيلتها في الولايات الغربية، كما أن نفس السلع الاستهلاكية ووسائل الإعلام الوطنية نفسها، باتت موجودة في الجزءين على حد سواء. ومن الملفت أن الألمان الشرقيين الذين يطلق عليه «الأوسيز» أقل ميلًا للعمل التجاري ولديهم ميل لدعم السياسيين اليساريين، ولكن الفروق الاقتصادية والثقافية المتبقية ليست أكثر حدة من تلك الموجودة بين الولايات الشرقية والجنوبية في أميركا مثلاً، ولا تلك الموجودة بين مناطق إيطاليا الشمالية ومناطقها الجنوبية. ولكن هناك فجوة ظاهرة لم يتم سدها حتى الآن. ففي سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، شهدت ألمانيا الغربية المنفتحة نسبياً تياراً من المهاجرين شمل الملايين من «العمال الضيوف» جاء معظمهم من تركيا، ولكنهم كانوا يضمون أيضاً عمالاً آخرين من جنوب أوروبا وشمال أفريقيا. الكثير من هؤلاء بقي في ألمانيا على رغم أنه لم يكن من المفترض أن يبقوا فيها، بخلاف العمال الذين جاءوا من الدول الشيوعية الأخرى للعمل في مصانع ألمانيا الشرقية لفترة من الوقت، والذين كانت السلطات هناك لا تتردد قيد أنملة في إعادتهم لأوطانهم. وبعد التوحيد، استمر المهاجرون الجدد إلى ألمانيا في الانجذاب للولايات الغربية الأكثر رخاءً، أما المهاجرون القلة الذين استقروا في الولايات الشرقية -معظمهم نتيجة للزواج بألمانيات- فيمكن بسهولة تمييزهم عن غيرهم من خلال عدد من السمات: فهم يجدون صعوبة أكثر من غيرهم في العثور على عمل، ويميلون للاعتماد على مساعدات الدولة على رغم أنهم بشكل عام أفضل تعليماً من أولئك الذين استقروا في الجزء الغربي من ألمانيا. وقد شهدت درسدن، عاصمة ساكسونيا، العام الماضي ظهور حركة مقيتة مناوئة لما اعتبرته «أسلمة الغرب» عرفت باسمها الألماني وهو «بيجيدا»، وقد تنفس المسؤولون الحكوميون بمن فيهم المستشارة أنجيلا ميركل الصعداء، عندما انهارت تلك الحركة، بعد أن ظهرت صور لقائدها وهو يقلد هتلر في مظهره وحركاته. ولكن المشاعر المناوئة للمهاجرين لم تختف مع ذلك. وإزاء التدفق الحالي للمهاجرين على ألمانيا، تحاول الحكومة توزيعهم بالتساوي على الغرب والشرق، وخصوصاً على الشرق الذي يحتاجهم أكثر من غيره بسبب سكانه الذين يغلب عليهم التقدم في السن، غير أن هذا قد يمثل أكبر تحدٍّ يواجه ألمانيا منذ توحيدها. وهذا التحدي يقع عبؤه الأكبر على عاتق ميركل، وهي نفسها ألمانية شرقية، ونجاحها في التعامل معه هو الذي سيحدد معالم تركتها في الحكم أكثر من أي مهمة أخرى أسندت إليها منذ أن شغلت منصب المستشارية. ليونيد بيرشيدسكي* * كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©