الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طريق التشابهات بين مصر وتونس

طريق التشابهات بين مصر وتونس
19 أكتوبر 2011 20:37
“إشكالية الدين والسياسة في تونس” كتاب يقرأ من أكثر من زاوية، فهو يدرس مشروع التحديث في تونس، وما تعرض له من إخفاقات وما حققه من نجاح، وهو يدرس كذلك العلاقة بين الدين والسياسة في هذا المشروع، ثم ظهور حركة النهضة ورائدها الشيخ راشد الغنوشي صاحب الكتابات المتميزة في مجال الإسلام والحداثة. الكتاب في الأصل أطروحة علمية أنجزها الباحث المغربي د. أبواللوز عبدالحكيم، ويبدو أنه نشرها كما هي، فجاء الكتاب مثقلا بالملاحظات المنهجية وطرق التعامل معها، وهذا يفيد الباحث المتخصص والدارس أكثر مما يفيد القارئ العادي. كتابان وتجربتان عرفت تونس مشروع التحديث في القرن التاسع عشر، ويلفت النظر هنا وجود قدر من التشابه مع التجربة المصرية، كان في مصر رفاعة الطهطاوي صاحب الأفكار التحديثية منذ كتابه “تخليص الإبريز” وفي تونس كان خير الدين التونسي صاحب كتاب “أقوم المسالك”، وحملت مقدمته آراء حديثة نتيجة رحلته إلى الغرب، وعرفت تونس العهد الصادر في 1864 ويعد دستورا حديثا بعدها بحوالي 12 عاما صدر في مصر دستور حقيقي في عهد الخديو إسماعيل وزار الإمام محمد عبده تونس عام 1884 وتعد هذه التيارات بداية ظهور السلفية الإصلاحية في تونس. تجربة الاستقلال في تونس معروفة وصعود الرئيس الحبيب بورقيبة معروف واتجاهه نحو العلمانية معروف للكثيرين، لكن هذه العلمانية تختلف كما لاحظ كثيرون وفي مقدمتهم هشام جعيط عن العلمانية التركية التي أخذ بها مصطفى كمال أتاتورك، كانت علمانية بورقيبة تقترب من الدين حينا وتنفر منه حينا آخر بحكم الظروف والمواقف ولم تحسم ذلك الموقف بشكل نهائي بينما كانت علمانية أتاتورك معادية للدين ولديها موقف حاد منه. يقسم الكتاب تاريخ حركة النهضة الإسلامية إلى عدة مراحل، الأولى كان خطابها ملتزما مقولات وأفكار جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتي أقسم قادة الحركة على الاعتزاز بها والولاء لها في البداية، وكان الشيخ راشد الغنوشي قد تأثر بأفكار جماعة الإخوان فترة إقامته المبكرة في مصر ثم سوريا زمن الجمهورية العربية المتحدة، وفي تلك الفترة تأثر هو أيضا بأفكار وتجربة الزعيم جمال عبدالناصر، ولم يجد تناقضا حادا بين عبدالناصر والأفكار الإسلامية، وربما كان ذلك سبب انفتاح الحركة على العصر في محاولة للتوفيق بين المنشغلين بالمجال الديني على اختلاف توجهاتهم، وأعلن خطاب الحركة عن نفسه بوضوح تام عام 1981 وبمرونة شديدة ميزت الحركة عن غيرها من الحركات الراديكالية الإسلامية في العالم العربي آنذاك، بل إن الحركة تميزت عن جماعة الإخوان المسلمين بانفتاحها الهائل على العصر، حينما ناقش راشد الغنوشي في كتاباته قضايا مثل الديمقراطية والحريات العامة والعمل النقابي، كما تحدث باستفاضة عن حقوق المرأة وحريتها واستعرض آراء الفقهاء المسلمين القدامى في هذا الأمر، وانتهى إلى القول “ليس في الإسلام ما يبرر إقصاء نصف المجتمع الإسلامي من دائرة المشاركة والفعل في الشؤون العامة، فعلى قدر ما تسمو مشاركة المرأة في الشؤون العامة على قدر ما يزداد وعيها بالعالم وقدرها على السيطرة عليه”. ووقت أن قال الغنوشي هذا الكلام وتبنته حركة النهضة كانت معظم التيارات الإسلامية المعاصرة تتحفظ على المشاركة السياسية للمرأة معتبرة أن أهلية المرأة منقوصة وغير مكتملة. وكانت هذه الموضوعات تمثل فتحا جديدا في الفكر الإسلامي الذي ظل فترة طويلة مهموما بقضايا وأمور تراثية بعيدة عن الواقع. إلى جوار ذلك كان هناك تركيز من حركة النهضة على العمل الميداني، وأدى ذلك إلى تضخم البعد السياسي والنزعة البراجماتية في خطابها وفي مواقف بعض قياداتها وتناقض ذلك أحيانا مع البناء النظري والعقائدي للحركة. حركتان وثورتان لم تستمر هذه الرحلة طويلا، ففي عام 1991 دخلت الحركة مرحلة جديدة، حيث تمت القطيعة التامة والنهائية مع النظام السياسي في تونس، وترتب على ذلك أن توقف العمل الميداني وتم التركيز على الجانب النظري أو عملية التنظير وشغل الشيخ الغنوشي في هذه الرحلة بعملية التوفيق بين الفكر الإسلامي والحداثة. وسعى إلى البحث عن مرجعيات للدولة الحديثة في التراث الإسلامي، أي أنه حاول أن يقدم الخطاب الحداثي المقلوب، أي أن تكون قيم الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان ذات أصول تراثية، مما يعني تنشيط وتحديث الأفكار والقيم الدينية والتراثية. انشغل الخطاب الذي تبناه الغنوشي والحركة في تلك الفترة بعملية الاحتجاج على النظام السياسي، وفق منظورين اثنين، الأول الاحتجاج على النظام السياسي لعدم التزامه بالقيم وانسجامه مع الأخلاق الإسلامية، والثاني الاحتجاج بأن النظام لا يتبنى قيم الدولة الحديثة من الحرية والعدالة وغيرها. باختصار كان الاحتجاج ذا نزعة دينية واضحة ونزعة سياسية أيضا. كل هذه المؤشرات تعني أن الحركة لديها استعداد للتوافق مع الواقع السياسي والتكيف مع الحياة الديمقراطية، فضلا عن العمل وفق نظريات وأطر المجتمع المدني. الكتاب عن تونس وتجربتها الحديثة بين الدين والسياسة، أو ما يسمى في عالمنا العربي كلمة أزمة مشروع التحديث، لكنه سيحظى بالقراءة المتعمقة والدراسة في مصر ليس لتشابه التجربة المصرية والتونسية في القرن التاسع عشر، لكن هناك تشابها كبيرا الآن بين التجربتين، فحركة النهضة لم تكن بعيدة في نشأتها من التأثير المباشر وغير المباشر لجماعة الإخوان المسلمين وعايش الغنوشي تجربة الإخوان في لحظة صدامهم العنيف مع المشروع الناصري، والدولة في مصر تتشابه كذلك مع الدولة في تونس، سواء في تعاملها مع الحركتين سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي وما بعدها، كما أن التشابه يزداد بما حدث في يناير وفبراير هذا العام لكل من الدولتين، حيث تم إسقاط رئيسي كل منهما. ومن ثم باتت العودة إلى حركة النهضة مشابهة لعودة جماعة الإخوان في مصر هذا العام، ومن ثم الدراسة واجبة لنعرف أنه في تونس تمت دراسة التجربة المصرية، وهناك الكثير من الكتابات عنها، بينما دراسة التجربة التونسية محدودة في مصر ولعل هذا الكتاب الذي نشر في القاهرة يفتح مجال الدراسة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©