الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نجاح ولكن...

نجاح ولكن...
19 أكتوبر 2011 20:36
مع انتهاء العرض الأخير من عروض مهرجان دبي لمسرح الشباب، استوقفت الفنان عبد الله صالح، للحديث عن حصيلة المهرجان عموما، لأنه لا يستطيع الحديث عن العروض بوصفه عضوا في لجنة التحكيم، فكان أن لخص على عجل في عبارتين، ومن دون التزام منا بنص العبارة، بل بالمعنى والدلالة: المستويات متفاوتة كثيرا، وبالمقارنة مع الدورات السابقة هناك حال من التذبذب، بين التقدم والتراجع في جوانب معينة، لكن الحصيلة النهائية للمهرجان غير مرضية، وهناك الكثير من النقص في كل شيء. عمر شبانة القليل جدا من العروض استطاع أصحابها تقديم تجربة ضمن الحد المتوسط، دون أن نتحدث عن التجارب المتكاملة نصا وإخراجا وعناصر فنية، فنحن لا نطلب من مسرح الشباب تقديم المعجزات، ولكن معظم ما جرى تقديمه هو دون المستوى بكثير، وكان ينبغي رفضه تماما، فلماذا نعتمد قاعدة كثرة العروض على حساب الجودة؟ وهل المقصود مشاركة أكبر عدد من الفرق المسرحية؟ ولماذا يجري خلط الهواة بالمحترفين من الشباب أصحاب التجارب التي بدأت تضع بصمتها في المسرح المحلي؟ ثمة نقص في فهم المسرح على غير صعيد، نصا وعلاقة بالعناصر الفنية، فمن المسؤول عن تمرير عروض لا تمتلك الحد الأدنى من مقومات العمل المسرحي؟ ثمة من رأى أن المهرجان أقرب إلى صيغة من صيغ الورشة المسرحية، والتجريب الذي يفتقر إلى المستندات التي يتكئ عليها، فبعضها يعاني على صعيد النص، والبعض الآخر على صعيد التمثيل، والثالث على مستوى السينوغرافيا وجماليات العرض. ولكننا لا نستطيع أن نظلم بعض العروض التي اشتملت على عناصر مهمة في تقديمها، ونخص بالذكر العرض الفائز بالجائزة الكبرى، جائزة أفضل عرض متكامل وهي “الضباب” لمسرح الفجيرة القومي، من تأليف حميد فارس وإخراج عبدالله الرشدي. وتدور أحداث العمل في أحد مخيمات اللاجئين أو النازحين الذين يدخلون في حوارات تبين مدى معاناتهم الإنسانية بسبب الصراع بين النظام السياسي وحركة الثوار. وكذلك ما قدمته مسرحية “الرصاصة في المسدس” من عناصر عرض مسرحي متكامل تقريبا، نص جاسم الخراز، وإخراج حمد عبد الرزاق، والعناصر الفنية، وعلى رأسها أداء الممثلين، اجتمعت كلها لتقدم عملا يعرض قضايا وهموما فردية واجتماعية، من خلال فكرة الانتحار التي تدفع إليها أحوال الإنسان. الشأن الراهن في هذين العملين ثمة قضايا إنسانية ووجودية، وابتعاد عن الشأن المحلي الضيق الذي وجد من يعالجه بصورة أو بأخرى، ففي “الضباب” التفات إلى الراهن والحركات التي تجري الآن، في عرض قارب الستين دقيقة، بدأ بخيمتين قبل دخول الصالة، تنفتح الستارة مع تأوهات وموسيقى حزينة، وأصوات أزيز الطائرات ودوي القصف، وخشبة احتشدت بالخيام القماشية الممزقة، قدم المخرج عبد الله الرشدي نص الكاتب حميد فارس في عرض انطوى على كل ما تحمله الكلمة من معاني الضبابية والعبثية في ما يجري حولنا من المآسي الإنسانية، من خلال تناول قصة مجموعة من اللاجئين المشردين من ديارهم، وفي الوقت نفسه يخوضون صراعات بينهم تتعلق بالمسؤولية عما جرى لهم. فالعمل يعتمد الواقعية في كل مشاهده، حتى الرمزية منها، وهو يقدم شخصيات واقعية ذات ملامح معروفة في الواقع العربي، ويمسك بالخشبة بصورة جيدة، حيث يتحكم بحركة الممثلين وأدائهم على نحو جيد، كما ينجح في توظيف الإضاءة والموسيقى في خدمة المشهدية والتقطيع الذي يقوم به، فيأتي العرض غنياً بالمفردات المتعالقة والمتناغمة، وبهذا، فهو عمل واضح على صعيد النص، كما هو على مستوى الرؤية الإخراجية وتنفيذها بالأدوات الفنية الملائمة. هموم وجودية العمل الثاني الأقرب إلى النضج من حيث تكامل عناصره هو “الرصاصة في المسدس”: ثلاثة أشخاص يريدون أن ينتحروا، لكل أسبابه، لكنهم مترابطون معا كما يتكشف في نهاية العرض. ناجي وصابر وعامر ثلاثة رجال لدى كل منهم همومه ومشكلاته التي توصله لمحاولة الانتحار. لكن النهاية الحقيقية للعرض تكشف أن الموضوع ليس سوى كابوس في رأس ناجي عبد الباقي، فبعد كل ما جرى خلال حوالي خمس وأربعين دقيقة من نقاشات وتداعيات، فكاهية ومأسوية، ينتهي العرض بشخير ناجي وما يحيل إليه من دلالة على كونه يعيش كابوسا ربما. منذ البداية تنفتح الستارة على موسيقى، وشخص بين ما يشبه النوافذ المضاءة التي تتكشف عن شاشات تلفزة في مستودع، ويتقدم ناجي (يؤدي الدور مؤلف العمل جاسم الخراز) بتداعياته وبوحه بهمومه ومشكلاته وأهمها تطليق زوجته له، وتوجيه المسدس إلى رأسه، ثم يدخل رجل الأمن صابر عبد الرازق (الممثل المعروف رائد الدالاتي) بدعوى منع ناجي من الانتحار، وبعد نقاشات ذات طابع من الكوميديا السوداء تكشف أنه مطرود من عمله لذلك يريد الانتحار أيضا. وفي أجواء النقاش والصراع على المسدس، والإضاءة الموفقة من أحمد ناصر وموسيقى عبد العزيز المازم، يدخل رجل الأعمال عامر عبد الغني (الممثل أمين الزرعوني) مجسدا دور المفلس الخاسر المقدم على الانتحار، ولكن بالحبوب وليس بالمسدس، ويقوم بتوزيع الحبوب على ناجي وصابر ويموت ثم يموتان، لكن شخير ناجي يتعالى مع نهاية العرض. أسماء الشخصيات تحمل رمزيتها، ناجي عبد الباقي ينجو، وصابر عبد الرزاق موظف درس وتعب ثم جرى طرده من عمله، وعامر عبد الغني صاحب الملايين المفلس بعد أن كان صاحب شركات طامحا بالأكثر. والرابط بينهم يتكشف مع نهاية العرض، حيث نكتشف أن صابر كان موظفا في احدى شركات عامر وتم طرده، والأشد مأسوية أن زوجة ناجي التي طلقته قد فعلت ذلك لتتزوج عامر، أي أن هذا الشخص يمقل أساس مأساة الرجلين الآخرين. وفي النهاية تسبق الشخير الذي يدل على أن ناجي في حالة حلم/ كابوس وبعد موت صابر وعامر، نجد أن ناجي الذي كان السباق في الإقدام على الانتحار راح يتشبث بحياته ويرفض الموت، لكنه مات أيضا بحبوب عامر. العرض التراجيكوميدي البسيط ينطوي على عناصر ومفردات مهمة، قام بتقديمها ممثلون محترفون كما يبدو، فقد أدى الخراز دوره ببراعة ومهارة، على مستوى الحركة والتعبير، وقدم الدالاتي والزرعوني أداء مقنعا. وكان للمخرج حضور واضح في ضبط الأداء والحركة بلا أي مجانية، وهذه هي تجربته الإخراجية الثالثة، ورغم جماليات الإضاءة، إلا أن استخدام شاشات التلفزة لم يكن موظفا بصورة كاملة سوى في المشهد الأخير، وقد كانت هناك ثغرات تتمثل في مرور فترات بلا تدخل للإضاءة، وكذلك الأمر في ما يتعلق بالموسيقى التي كانت تغيب في مشهد ثم تحضر بقوة في مشهد آخر. الصدق نقول لكم وأخيرا، ليسمح لنا أصحاب المهرجان، ونحن عشاق المسرح العربي ومن متابعيه منذ عقود، أن نطالب بتعديل المسار، وتغيير المخططات التي يقوم على أساسها اختيار العروض المشاركة في المهرجان، وربما نرى في توصيات لجنة التحكيم مرشدا إلى بعض التغيير في الأداء، وهي التي رأت دعوة المبدعين المسرحيين الشباب إلى الانطلاق من رحم الفن المسرحي باتجاهات ملونة تخدم الهوية الوطنية العربية، من خلال العمل أولاً على توثيق مهرجان مسرح الشباب بكل الوسائل المتاحة الإلكترونية والتقليدية منها، والحث على ضرورة استخدام هذه المواد كمادة علمية أساسية في الدورات المتخصصة، مثل النقد والدورات الفنية بعد الانتهاء من كل ملتقى مسرحي. وثانياً ضرورة إيجاد تفسير علمي ودقيق لمهمة الإشراف على العمل المسرحي، حيث يصبح المشرف ضمن كادر أساسي لعمل الإنتاج المسرحي، وضرورة وضع معايير تقييمية لمهنة المشرف لسهولة تقييم دوره في الإنتاج المسرحي لغرض تحقيق العدالة والشفافية. والاهتمام ثالثاً باللغة العربية الفصيحة باعتبارها تمثل الهوية الوطنية والقومية، وضرورة الاعتناء في هذا الجانب. كما لاحظت اللجنة فقر وضعف تصميم وتنفيذ الماكياج في معظم الأعمال المسرحية، وأن الفرق لا تولي اهتماماً كافياً للماكياج باعتباره عنصراً أساسياً في العمل المسرحي. كما دعت اللجنة إلى إقامة ورشة متخصصة مصاحبة للمهرجان توجه لشباب الفرق المسرحية من قبل ضيوف المهرجان على أن تكون العروض القائمة ورشة مفتوحة للنقاش وللدراسة العملية حول موضوع الورشة. وبخصوص النص اقترحت اللجنة تشكيل لجنة خاصة لتقويم النصوص المسرحية المشاركة للعمل على النهوض بشروطه الفنية وتخصيبه على أن تتم القراءة لكل نص مع المؤلف والمخرج والمشرف قبل استكمال أعمال لجنة المشاهدة، كما رأت ضرورة زيادة الاهتمام بدورات السينوغرافيا، خاصة الإضاءة والمؤثرات الصوتية. وإقامة دورات تخصصية ترسخ مفهوم التجريب المسرحي تأليفاً وإخراجاً. وضرورة أن يتمتع مخرج العرض بخبرة مسرحية لا تقل عن ثلاثة أعمال في أحد المجالات الفنية للمسرح أو شارك في دورة مسرحية متخصصة في الإخراج.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©