الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تشكيليون يزرعون ضوء الأمل في روح الأطفال عبر الفن

تشكيليون يزرعون ضوء الأمل في روح الأطفال عبر الفن
17 أكتوبر 2013 00:12
لعل مبادرة علاج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، بواسطة الفن التشكيلي، التي نظمها مؤخراً، وعلى مدار ثمانية أيام، مركز راشد لعلاج ورعاية الأطفال بدبي، عبر كوكبة مبدعة من الفنانين التشكيليين العرب والأجانب، في إطار “ملتقى دبي التشكيلي الدولي الأول”، تحت عنوان “روح الفن.. نبض الإنسان”، لا تخلو من الصعوبة، لأنها تنطوي على جرأة كبيرة من قبل المنظمين للملتقى، حسب تعبير الفنانة أمل العاثم، خبيرة الفنون البصرية في وزارة الثقافة والفنون والتراث بدولة قطر، لأن مسألة مقابلة فنان محترف مع أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة ليست مسألة سهلة. وتضيف العاثم أنها كانت تتوقع أن يواجه الزملاء الذين لم يسبق لهم التعامل مع هذه الفئة من الأطفال، بعض الصعوبات، إلا أن الأمر بدا أكثر سلاسة، لأن الجميع حرص على تقديم أقصى ما لديه من خبرات. وتقول الفنانة العاثم أنها على المستوى الشخصي حرصت في تعاملها مع هؤلاء الأطفال على منحهم الثقة، فاستجابوا للرسم بشكل مدهش. وقالت العاثم إن الفن هو من أفضل وسائل العلاج وأكثرها جدوى لمساعدة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، مبدية استعدادها لتكرار التجرية حالما تُدعى إليها. كذلك تتمثل المغامرة بوجه من وجوه المبادرة ، - أي ملتقى دبي التشكيلي الدولي -، كونها تأتي من مؤسسة راشد لعلاج ورعاية الأطفال، القائمة بالأساس على دعم المجتمع المدني، ما يزيد من أعبائها المالية، إلا أنها نجحت بالتحدي، وجعلت المبادرة الرامية في جوهرها، إلى خلق حالة اجتماعية متناغمة من التكافل والتضامن بين فئات المجتمع مع الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، نموذجاً حضارياً فذاً، جذب النخبة من كل الاتجاهات والاهتمامات، حسب قول مريم العثمان مديرة مركز راشد ، التي توقعت أن تتزايد فعاليات الملتقى لتمتد على مدار العام، على ضوء النجاحات المذهلة التي تحققت في التجربة الأولى، حيث اقتصرت المشاركة في دورة الملتقى الأولى على أربعة وعشرين فناناً محترفاً من التشكيليين العرب والأجانب، على مدى ثمانية أيام. أيضاً يزيد من صعوبة المبادرة، المغامرة، كون هذا النوع من العلاج جديداً على العالم العربي، ولم يعرف عربياً حتى الوقت الراهن، بالمستوى الذي هو عليه في المجتمعات الصناعية عموماً، وربما تكون تجربة “ملتقى دبي التشكيلي الدولي” هي الأولى عربياً، خصوصاً لجهة استضافة هذا العدد الكبير من التشكيليين، حسب تعبير المدير الفني في الملتقى، الفنان التشكيلي علي العامري، الذي توقع تعزيز الملتقى بروافد ثقافية أخرى. التجربة «الاتحاد» جالت في أروقة مركز راشد خلال فعاليات الملتقى، ورصدت تفاعل الأطفال مع الفنانين عبر الخطوط والألوان، وتحدثت إلى مجموعة من المشاركين بالملتقى، وسألتهم بشأن تقييمهم للتجربة ومدى نجاحها، وجدواها في مساعدة أطفال المركز، حيث قالت الفنانة فاطمة لوتاه “في اليوم الأول شاركني طفلان، أحدهما يعاني من التوحد، والآخر من الصم والبكم . في البداية ، تردد المصاب بالتوحد، ولكن الألوان والفرشاة جعلته يندمج بسرعة، وأخذ ينجذب للرسم، فأنجز لوحة شبه متكاملة، ينقصها التناغم بين عناصرها، أي جعلها متباعدة ومفككة، فرسم الورود في مكان، والبيت في مكان آخر، والجبال في مكان ثالث، فكان تدخلي في إطار جمع هذه العناصر، ولكن المهم، أن الورود تعني الأمل والتفتح على الحياة ، والبيت يعني الأسرة والاستقرار، والجبال تعني الرسوخ أو البقاء أو الدفاع، ما يؤشر بوضوح على نوع من القلق والخوف، وحاجته إلى الاحتضان”. أما بخصوص الثاني فتقول الفنانة لوتاه “أنجز لوحة متكاملة بسرعة غير عادية وجميلة للغاية، وكان حريصاً على أن يبدو جاهزا ومستعدا للقيام بأي شيء بفرح منقطع النظير”. وعن التجربة إجمالا تقول “إنها رائعة على العموم، إذ إن الأطفال لديهم أحساس عالٍ على المستوى الفني، إلا أن المكان الذي تقام به الفعالية يفترض أن يكون أكثر رحابة واتساعا”. ونوهت بالجهود المبذولة في تنظيم الملتقى ، والمتابعة لفعالياته، والحرص على راحة المشاركين وبرامج زياراتهم. بدوره يقول الفنان عبد القادر الريس، “إن وجود مثل هذا العدد من الفنانين، الذي يعتبر كبيراً بكل المقاييس، وبهذا المستوى من الخبرات الرفيعة في الملتقى، قدم مساعدة عظيمة لأطفال المركز، على المستوى المعنوي والإدراكي والجسدي، لأن ميزة الفنون الجميلة التي تقوم على التلقائية تستهوي الأطفال، كونها جزءاً من طبيعتهم الفطرية”. وبخصوص تجربته بالملتقى يقول الفنان الريس “لقد سبقت لي مشاركات شتى في هذا المجال، وفي كل تجربة، كنت أتلمس الجديد المدهش مع الأطفال، فتشعر معهم وكأنهم مصدر الإلهام الفني في مختلف أنواع الإبداع”. مدنية المجتمع كذلك تقول الفنانة التشكيلية التركية دنيز بياف، عن تجربتها الأولى مع هذه الفئة من الأطفال إنها “غنية وثرية ثقافيا وأخلاقياً، وهي مفيدة لي أكثر من الأطفال أنفسهم. وربما تبدو بأحد وجوهها مؤلمة بالمعنى الإنساني، إلا أنني دُهشت لمدى تلقائيتهم وعفويتهم، وهذه السمة هي من أهم الشروط كي يكون الإنسان فناناً تشكيلياً”، وتضيف بياف بأن كونها أماً بالدرجة الأولى، وأستاذة جامعية تعلم الفنون بالدرجة الثانية، فإنها تسجل للإمارات هذه التجربة الرائعة، وتأمل أن تتعمم في البلدان الشرقية عموما، فهي تدل على مدنية المجتمع ومدى رقيه وحداثته، فضلاً عن ضرورة الإشادة بالمستوى الرائع من الخدمات والرعاية التي يقدمها المركز للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، التي لا يمكن أن نصفها بغير السخاء، الذي يتجاوز التقديمات على مستوى البلدان المتحضرة في العالم، حسب تعبيرها. العودة إلى الطفولة الفنانة التشكيلية الجورجية روسودان خينزانشفيلي تقول عن مشاركتها في الملتقى “إنها تجربة مهمة للغاية بالنسبة لي، فهؤلاء الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، بدوا لي أنهم اكثر انفتاحا وتقبلا للفنانين والفنون، من غيرهم. ما جعلني أتمنى العودة إلى الطفولة، لأعيد هندسة الوجود برؤية مختلفة، إذ أنني الآن فهمت مغزى إشارات بيكاسو بدقة أكثر وضوحاً، حينما يقول إن عينه عندما كان صغيرا كانت على الكبار، وبعدما كَبُر صارت عينه على الأطفال”. وتابعت الفنانة الجورجية “أن الملتقى، على قدر عالٍ من الأهمية سواء بأبعاده الإنسانية أو الثقافية لجهة الاحتكاك بهذه النخبة من الفنانين العالميين أو لجهة التنظيم والإدارة ومتابعة الفعالية عموماً، خصوصاً أن لي ثلاث مشاركات فنية سابقة في مصر والأردن والمغرب، اقتصرت على العروض والحوارات، ولكن في الإمارات تعايشت مع تجربة غنية ومثمرة”. مصدر التجريد الفنان التشكيلي عبد الرحيم سالم يقول “سبق لي أن قمت بتجارب عدة مع الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكانت النتائج مبهرة للغاية بالنسبة لي، وأستطيع الجزم بأن هؤلاء يمثلون المصدر الأول للفن التجريدي، فعفوية الأطفال وتلقائيتهم، مضافاً إليها التعبير الخاص بالفنان، يجعل منها عملية فنية ابداعية متكاملة” . ويؤكد عبد الرحيم سالم أن الملتقى يتميز بأبعاد إنسانية، ويقوم بوظيفة ثقافية لجهة الارتقاء بالذائقة الجمالية للمجتمع، وينوع خبرات ومهارات الفنان بالاحتكاك بهذه الكوكبة الجميلة من الفنانين العرب والأجانب، مبدياً استعداده لتكرار التجربة في كل مكان أو زمان. الهام أما الفنان لؤي صلاح الدين، (سوري مقيم في الإمارات)، يبدي إعجابه بالملتقى وأهدافه، ملاحظاً أنه لأول مرة تسترعي انتباهه مسألة العلاقة بين الفن التشكيلي والإعاقة، عندما وجهت له الدعوة للمشاركة بالملتقى. ما جعله يفكر طويلا بالمسألة، وأكتشف أنها علاقة جدلية تربط بين التعبير العفوي الصادق، وبين الإبداع الفني المتكامل، وأن التشكيلي هو أفضل من يقدم المساعدة لهؤلاء الأطفال من ذوي الحاجات الخاصة، وأنه كَوّن تصوراً بخصوص الطريقة المثلى للانتقال بهؤلاء الأطفال إلى حالة صحية أفضل، يقوم بإتاحة الفرصة لهؤلاء الأطفال، بالرسم يوميا بصحبة فنان محترف، بالتعاون مع الاختصاصيين الآخرين، حينها ستكون نتائج العلاج سريعة ومبهرة، لأن الألوان وحركة الخطوط تعتبر أفضل وسيلة لتحقيق التوازن الداخلي عند جميع الناس عموماً، وليس الأطفال فحسب. وأضاف الفنان صلاح الدين بأنه فوجئ بتفاعل الأطفال، قائلاً “إن درجة رغبتهم وإقبالهم جعلتني أعتقد أنهم كانوا مُلهمين لنا، اكثر مما نلهمهم، لذلك كان لابد من مضاعفة الجهد لمبادلتهم هذا الشعور. وأبدى صلاح الدين استعداده لتكرار التجربة، لأنها فضلاً عن بعدها الإنساني بمساعدة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، فالملتقى يمثل فرصة رائعة لحوار الثقافات وتمازج الخبرات، حسب تعبيره . الفنان البحريني عمر الراشد يقول “كانت لي مشاركات في ملتقيات متعددة، وبعضها كان مع منظمة “اليونيسكو”، إلا أن تجربتي في “ملتقى دبي” هي الأولى من نوعها، لما تنطوي عليه من أهداف إنسانية راقية ونبيلة، وخصوصا في إطار العون للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، واكتشفت أن هؤلاء فنانين بغريزتهم ، لأنهم عفويون وتلقائيون، ويعبرون بشفافية مدهشة عما بدواخلهم، وبالقليل من التوجيه والتشجيع، يمكن الانتقال بحالتهم الصحية إلى مستويات أفضل بكثير مما هم عليه، لاسيما أن هذه المجموعة من الفنانين تتميز بخبرات وطاقات ابداعية عالية. الفنان عبد الرسول سلمان، رئيس الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية يقول “بمقدار ما يرتبط الفنان بالأبعاد الأخلاقية والإنسانية في فنه، يقترب من الطريق الصحيح للإبداع الراقي، وهكذا كانت الفنون التشكيلية على مدى تاريخها المعروف. لذلك ليس بغريب أن يقوم بدور علاجي رائع للأطفال من ذوي الحاجات الخاصة”، متمنياً أن تصل هذه القناعات للجمهور العربي الواسع وتعمم كأداة للعلاج في مختلف بلداننا. ويرى عبد الرسول أن “ملتقى دبي التشكيلي الدولي” حقق أهدافه الإنسانية والثقافية والجمالية على العموم. معتبراً إياه تجربة عظيمة ورائعة بكل المقاييس، فضلاً عن اعتباره إنجازاً إنسانياً وأخلاقياً بالدرجة الأولى، يسجل لدولة الإمارات وشعبها، وفي مقدمتهم الفنانون. نقاء الطفولة يعتقد الفنان التشكيلي جاكو حاج يوسف (سويدي من أصل سوري) إن نظرة الأطفال للألوان والخطوط وكيفية استيعاب الأشكال ربما تكون مختلفة، ولكنهم إذا ما أقدموا على رسم لوحة سينجحون بها نجاحاً مذهلاً، لأنهم أنقياء تماما، ونظرتهم إلى الحياة والوجود أكثر براءة وعفوية من الآخرين . فالفنان يرى المساحة التشكيلية من كل زواياها، ويحملها الكثير من المفاهيم والرؤى، بينما الأطفال حالة مختلفة تماماً”. ويصف الفنان حاج يوسف تجربته بالملتقى بأنها رائعة ببعدها الإنساني والثقافي، كما أنها مدهشة بتجهيزات المركز والإمكانات المسخرة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة. الاندماج الفنان السوري بهرام حاجو، فيقول معلقاً على تجربته في ملتقى دبي “أنا مقيم في ألمانيا منذ قرابة أربعين عاماً، وشاركت في ملتقيات دولية عدة، وسبق لي أن دعيت للعمل مع روضة أطفال في مدينة “كريفن” بألمانيا ، وشاركت بمعارض خاصة للأطفال، فلم ألحظ من الاهتمام والسخاء في رعاية الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، ما يزيد عما شاهدته في “مركز راشد لعلاج ورعاية الطفولة” ، فتستحق دولة الإمارات الشكر والتقدير على هذا الجهد الإنساني والأخلاقي، الذي يدعو إلى الفخر، وأتمنى أن أرى شبيهاً لذلك في بلداننا كافة” . وعن تفاعل الأطفال مع ورش الرسم التي أقامها الفنانون في المركز، يقول الفنان حاجو، إن الأطفال بحسهم المرهف مهيئون لتلقي كل ماهو جميل، لأن الفن ينبع من داخلهم بتلقائية يفتقدها كبار المبدعين، لأنهم بالأساس هم بحاجة إلى التضامن والتعاطف والمساعدة ، تجدهم يبذلون جهداً مضاعفاً للتفاعل بإيجابية خلاقة مع كل ما يقدم لهم، ولأنهم يدركون جيداً أنهم بحاجة إلى المساعدة ، يأبونها ولا يريدونها، وإنما يريدون أن يكونوا مثل الآخرين. وفي حال أطفال مركز راشد كان الأطفال مذهلين، والفنان المحترف يلاحظ بيسر، ومن دون أدنى تفكير أنهم يقدمون على خطوات في عملية الرسم غير متوقعة، وهي مدهشة ببعدها الفني، فمثلاً يمزجون الأخضر بالأصفر للحصول على لون ساطع أو فاقع بإضاءته، وربما لا يقدم على ذلك سواهم، ولكن الأطفال يقدمون عليه استجابة لما بداخلهم من قلق أو توتر أو ضغوط أخرى لا يدركها إلا المحترفون.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©