الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

مولد سينما جنوب أفريقيا في أبوظبي

مولد سينما جنوب أفريقيا في أبوظبي
18 أكتوبر 2011 23:40
(أبوظبي) - تأتي الدورة الجديدة من مهرجان أبوظبي السينمائي، في وقت يحتفل فيه العالم بمئوية رجل عظيم هو نيلسون مانديلا. نقول هذا الكلام فيما نعتقد أن صورة السينما والثقافة في جنوب أفريقيا قد ارتبطت بشكل وثيق بصورة نيسلون مانديلا، الذي أشعل الشمعة الأولى باتجاه سينما وطنية، أدركت أهمية هذه الصناعة في التعبير عن السياسة والطبقات الاجتماعية والاستعمار والاستقلال والتبشير الثقافي، ونبذ الكراهية والعنف، في بلد عانى من قضية الفصل العنصري لسنوات طويلة. العالم كلّه يهتم بسينما هذا البلد، ولذلك لم يكن غريبا أن تختار اللجنة المنظمة لمهرجان الإسكندرية الدولي في دورته الثالثة والعشرين فيلم “وداعا بافانا” إخراج الدنماركي “بيل أوجست” ليعرض في افتتاح المهرجان بترجمة إلى اللغة العربية، كونه يتعرض بجرأة لقضية “التمييز العنصري”، في حين شاركت في إنتاج الفيلم خمس دول هي جنوب أفريقيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا، وتعتمد أحداثه على قصة حقيقية بطلها نيلسون مانديلا، أشهر سجين سياسي في القرن الماضي. في الواقع قد تكون السينما الأفريقية، ومعها السينما القادمة من المكسيك ودول أميركا اللاتينية مجهولة بالنسبة للمتفرج العربي، وبالتالي فإن إقدام إدارة مهرجان أبوظبي على عرض فيلمين من سينما جنوب أفريقيا، بعد أول أوسكار لها في تاريخها، هما “سكيم” من إخراج تيموثي غرين، وفيلم “لاكي” من إخراج آفي لوثرا، إنما يعكس هذا الاحتفاء الجميل والرائع والخاص بهذه السينما الوطنية، التي تأتينا حاملة معها همومها وطموحاتها وثقافتها الجديدة التي تتناول قصة استقلال هذا البلد العظيم في ألوان وأشكال من التعبير السينمائي، يجسده ممثلون وممثلات بلونيهما الأسود والأبيض، جنبا إلى جنب للتأكيد على أن الاستعمار لم يفلح في محو هوية وموروث وثقافة شعب دفع الكثير من أجل كرامته وإرادته ثمنا للحرية. وربما يكون فيلم “سكيم” ومدته 121 دقيقة وناطق باللغتين الانجليزية والأفريكانية معبرا حقيقيا عن هذه الصورة، كونه يمزج بين الحس الكوميدي والأجواء البوليسية، ليعكس من خلال أحداثه صورة شعب متعدد اللغات والثقافات والأعراق. فيما يصور فيلم “لاكي” جنوب أفريقيا ما بعد الاستقلال وانتهاء حقبة التمييز العنصري، بعرض المفارقة والمقارنة بين ثقافتي الريف والمدينة في أجواء مفعمة بالحركة والشاعرية، وسبق لهذا الفيلم أن حقق صدى طيبا لدى الجمهور والنقاد أثناء عرضه في الدورة الأخيرة لمهرجان البندقية السينمائي. وإذا كانت مشاركة هذه السينما في المهرجان (محدودة) من حيث عدد الأفلام، فإن ذلك لا يقلل من أهميتها وعمقها، فهي تحمل خصوصيتها وأجوائها المفعمة بالحركة والجوانب الشعبية من العادات والتقاليد والمناظر المبهرة، والأداء التمثيلي المتميز، بما يمكن تسميته بمولد هذه السينما في أبوظبي، على المستوى الجماهيري في أقل الأحوال باعتبارها سينما مقاومة إذا جاز لنا مثل هذا التعبير، وهذا يقودنا بالضرورة للحديث عن تكريم الإمارات لهذه السينما من خلال حضورها منافسات الدورة الأخيرة لمهرجان دبي السينمائي بفيلم من نوع الدراما البوليسية بعنوان “بلدة صغيرة تسمى دينست”، ويعرض في ثناياه تفاصيل دهاليز الحياة السياسية، وشارك فيه نخبة من الممثلين الأفارقة منهم فوسي كونين، بول بابكي، فانا مونيكا، هلوري مبويا. كما شارك في ذات المهرجان فيلم بعنوان “حالة عنف” لمخرجه خالوه ماتاباني صاحب الفيلم الوثائقي الطويل “محادثات في ظهيرة يوم أحد”، وكانت المشاركة الثالثة بفيلم “الحياة أولا” لمخرجه أوليفر شميتز، وقد حازت هذه الأفلام على تقييم نقدي مهم. سينما جنوب أفريقيا ذات طابع إنساني في إطار ملتزم، وتلعب أفلامها في خانة الميزانيات المحدودة، بقيمة درامية وفنية عالية وتكنيك يستمد براعته من أساليب السينما الحديثة، ولعل ذلك كان أحد الأسباب الذي أوصلها إلى الأوسكارات، وبخاصة فيلم “سوتسي” من سيناريو وإخراج جافين هود، ونال عنه جائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي، وهو مقتبس عن رواية كتبت في الخمسينات، وتدور حول تأثير نظام الفصل العنصري على نفوس (السود)، فيما نال فيلم “يور كارمن إيخايليتشا” العام الماضي الجائزة الكبرى في مهرجان برلين السينمائي، وفكرة الفيلم مقتبسة عن قصة أوبرا كارمن الشهيرة (لحنها الموسيقار الفرنسي جورج بيزيه)، عن نص لهنريك ميهاك ولودوفيتش هيليفي، وهو ناطق بلغة الهوسا. ونتذكر هذا السياق أهم نجمات سينما جنوب أفريقيا تشارليز ثيرون التي فازت بأوسكار أفضل ممثلة أولى عن فيلم بعنوان “الوحش”. وربما يكون ذلك قد فتح طريقا مفروشة بالورود والجوائز لعدد كبير من منتجي ومخرجي وممثلي هذه السينما إلى المهرجانات الدولية، ومن ذلك فيلم “رسالة حب زولو” لمخرجه رمضان سليمان، وفيلم بعنوان “دروم” لمخرجه زولاما سيكو، وفيلم “العفو” من سيناريو ايان جابريل وماكس مونا بتوقيع المخرج تيدي ماتيرا. فيما أدرج فيلم “الغبار الأحمر” من إنتاج بريطانيا وجنوب أفريقيا ضمن لائحة مسابقة (الصدق والمصالحة)، كما عرض في ذات المسابقة الوثائقي “قصة حب جنوب أفريقية” للمخرج توني ستراسبورج. وتبدو هنا ظاهرة لافتة تتمثل في الدعم الرسمي الذي تقدمه الدولة للمخرجين الشباب الذين يلعبون في خانة أفلام التقنية الرقمية (الديجتال) ذات الميزانيات المحدودة والمواضيع الجادة، لإنجاز المزيد من الأفلام الواعدة التي تعكس الصورة الحضارية للبلد أمام العالم، وربما يكون أحد أهم أفلام هذه الظاهرة فيلم “ماكس ومونا” الذي يدور حول شاب قروي، يعاني من مشكلات عديدة في قريته النائية، ويحلم بالوصول إلى المدينة للتعبير عن مواهبه وأحلامه، بأسلوب فكاهي، بما يبرز المفارقة بين ثقافتي المدينة والقرية، وبما يلامس أيضا دائرة التجديد الثقافي الذي تسعى من خلاله السينما إلى لفت أنظار الشعب لقضاياه الجوهرية والاستراتيجية، ومشاكله في ظل سنوات الضياع القسرية، من التمييز العنصري وأشكال من الاضطهاد والعنف والكراهية. كما شاركت بعض أفلام هذا البلد في الدورة 65 لمهرجان لندن السينمائي (12 ـ 27/ 10/ 2010) ومنها فيلم m kh ngo وفيلم otelo b rning للمخرجة سارة بليشر، وعرض الفيلمان ضمن قسم السينما العالمية. كما حصلت الممثلة دينيس نومن على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم “شيرلي أدامس” في الدورة 23 لمهرجان أيام قرطاج السينمائية بتونس. إذا هو احتفاء خاص وتكريم مميز لسينما جنوب أفريقيا من جانب مهرجان أبوظبي السينمائي، ليس من خلال عرض فيلمين فقط، بل للمساهمة في دعم هذه السينما، ونقل ثقافتها للجمهور في إطار حضاري ، بعد أن وصلت إلى مرحلة (نضج) فني لا يجتر الماضي، بل ويعالج مشكلات الإنسان المعاصر بطريقة وتقنية وجرأة عالية، وفي أفلام تتحدث عن الحب والمشاعر الإنسانية، وطموحات رجل الشارع الإفريقي في حياة متوازنة. إذا هناك تنوع في الرؤية والتقنيات واللغة السينمائية، بما يمكننا من رؤية الجانب المشرق في أفلام هذه السينما الوطنية القادمة من بلد المناضل والمناهض لسطوة القوة نيلسون مانديلا القريب كثيرا من قضايا الشعوب العربية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©