الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من خطبة الجمعة إلى «الفيس بوك»

من خطبة الجمعة إلى «الفيس بوك»
16 أكتوبر 2013 22:31
تدعو دراسة جديدة صدرت في كتاب بعنوان «تجديد الخطاب الإسلامي من المنبر إلى شبكة الإنترنت»، إلى تغيير نوعي في بنية الخطاب الإسلامي وأولوياته وإعادة صياغة أطروحاته، وتجديد تقنياته ووسائله وتطوير قدرات حاملي هذا الخطاب ومنتجيه، لكي يلبي احتياجات الشعوب المسلمة في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها، بحيث يستجيب للتحديات التي تواجهها في سياق حركة المجتمع الذاتية التي تتفاعل مع ما يجري حولها في العالم وفق معطيات عصر الاتصال والثورة العلمية الرقمية. تطرح الدراسة التي أعدها الدكتور محمد يونس المتخصص في الشؤون الدينية بصحيفتي “الأهرام” و”الاتحاد” وصدرت عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، رؤى جديدة لصياغة خطاب إسلامي يقدر تأثير معطيات العصر وتطور العلاقات وأنماط التعاطي مع المعرفة وتطورها من التلقي إلى التفاعل، ومن أحادية المنبر الى تعددية الشبكة، ومن المطلقات إلى رفاهية اختيار اليقين المعرفي، خطاب لا يقتصر على معيار الصح والخطأ وإنما يضيف إليها معايير تتعلق بالأنسب وما ينفع الناس. وتضع الدراسة أطرا معرفية لصياغة خطاب يلبي احتياجات شعوبنا العربية والإسلامية. وتطرح الدراسة/ الكتاب آليات لتجديد الخطاب الإسلامي على اختلاف مستوياته وأشكاله بدءا من خطبة الجمعة ومرورا بالأشكال الاتصالية المقروءة والمسموعة والمرئية وانتهاء بالشكل الرقمي عبر شبكة المعلومات الدولية. حاجة التجديد وتؤكد الدراسة حاجة الأمة الإسلامية اليوم إلى خطاب بنائي وليس إنشائيا يدفع حركة المجتمع عبر الفرز بين قيم التحلي وقيم التخلي، وإدراك سنن التغيير الحضاري بحيث يعيد للإنسان دوره وفاعليته وحضوره في حركة المجتمع، خطاب ينبع أولا من طبيعة الإسلام الذي ينطوي على دعوة مستمرة إلى التجديد، تأخذ مشروعيتها من الحديث النبوي الشهير الذي رواه أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه عن أبى هريرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”. وفي الوقت نفسه يستجيب للتطلعات المشروعة للشعوب العربية والإسلامية في الحرية والتقدم وتحقيق الشهود الحضاري. وتشير الدراسة إلى أنه في كل مرحلة كان الخطاب الديني يتواكب مع أولويات واحتياجات الشعوب، ففي الماضي غلب عليه الجانب الدفاعي وربما لجأ إلى المقاومة للحفاظ على الهوية في مواجهة الغزو الخارجي، مغفلا، إلى حد ما، التحديات الداخلية. ومع حراك الربيع العربي 2011م ثار الجدل مرة أخرى حول المرجعية وموقع الدين في العقد الاجتماعي والدستور المنشود، وهنا نقف على أعتاب مرحلة جديدة في عمر أمتنا تحتاج ليس فقط إلى تجديد الخطاب الديني وإنما إلى تجديد الأمة، تجديد البناء والدماء والمؤسسات والأطروحات. لذا فإن الخطاب الديني المنشود لابد أن يستلهم روح الظروف والمتغيرات التي أحدثها الربيع العربي. تدعو الدراسة إلى خطاب إسلامي جديد يختلف تماما عن دعوات تجديد الخطاب الديني التي ظهرت عقب أحداث الحادي من سبتمبر2001م، لعدة أسباب منها، أن الخطاب المنشود يقوم على إرهاصات لخطاب إسلامي نشأ من أفواه الجماهير المسلمة متزامنا مع الربيع العربي وبإرادتها وليس مفروضا عليها أو مطلوبا منها كما حدث في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. أما الدعوات السابقة لتطوير الخطاب الديني والتي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م فقد جاءت من الخارج، وتزامنت مع الهجوم على الخطاب الإسلامي عقب تلك الأحداث.? كما أن التحول والتطور في مكونات القوى الفاعلة في الخطاب الإسلامي، ينبغي أن ينعكس على أطروحات هذا الخطاب الجديد. وكل ذلك أدلة موثقة لتحول إيجابي في أحد مفاصل بناء الأمة ونسيج العلاقة بين مكوناتها في مصر قلب العالم الإسلامي وقبلته العلمية، وأيضا تحول في نوعية الخطاب يحتاج إلى استكمال بناء خطاب إسلامي جديد. كل ذلك يدعو إلى ضرورة صياغة معالم خطاب إسلامي جديد وإعادة النظر في الكثير من أولوياته وأطروحاته، وتطوير آلياته وأساليبه وأشكاله ووسائله، وهو ما يتناوله هذا الكتاب. ويطرح كتاب “تجديد الخطاب الإسلامي من المنبر إلى شبكة الإنترنت” رؤية نقدية للخطاب الإسلامي المعاصر من خلال تحليل عدد من مقولات هذا الخطاب واستقراء جوانب القصور فيه ومدى نجاحه او فشله في تحقيق أهدافه. كما يرصد الكتاب حالتي الفوضى والخلل البنيوي اللتين اتسم بهما هذا الخطاب والتشتت والتباين الواسع بين حاملي الخطاب الديني ومروجيه. وتجاهل كبير لمقام وظروف متلقيه، وتتجلى هذه الحالة ليس فقط على المنابر التقليدية وإنما أيضا عبر الفضائيات والمواقع الإلكترونية. ويطرح المؤلف رؤى جديدة لمعالم الخطاب الإسلامي المنشود، مطالبا بأن يتم وضع آليات تجديد الخطاب الديني في موضعه الصحيح ليكون ضمن عملية “تجديد الأمة” لا مجرد “تجديد الخطاب الديني”. آلية الاجتهاد ويرى المؤلف الدكتور محمد يونس أن الخطاب الإسلامي المنشود يحتاج إلى إعادة الاعتبار لقدرات الأمة وكفاءاتها عبر آلية جديدة للاجتهاد الجماعي، ورؤية مختلفة لتجديد الخطاب تتجه أكثر إلى الجانب البنائي وتبتعد عن الجانب الدفاعي وتستوعب مقتضيات الزمان وخصوصيات المكان وتكون على وعي بذبذبات النسيج الشبكي للواقع الاجتماعي الراهن عبر مستوياته الوطنية والإقليمية والعالمية. وفي هذا السياق يقول “علينا أن نحدد أجندة تجديد خطابنا الديني، وكيفية هذا التجديد، حتى لا نقع في خطأ تنفيذ أجندات الآخرين، علينا أن نمتلك زمام المبادرة لا أن يأتي حديثنا في إطار رد الفعل لما يطلبه الآخرون، فنحن أدرى بمكة وشعابها وهذا لا ينتقص من دراية الآخرين بشعاب لندن وباريس ووواشنطن، ولكن خرائطهم حتى وإن تمت بتقنية “جي بي إس” لن توصلنا إلى شعابنا”. ويتضمن الكتاب أطروحات مفصلة لتجديد الخطاب الإسلامي، داعيا إلى ضرورة تدارك النقص والاختلال الذي شهده الفكر والفقه الإسلامي خلال عهود التراجع الحضاري والذي أسفر عن تضخم في مجال العبادات وفقر في المجال الدستوري والسياسي، نتج عنه خطاب جزئي ركز على الشكليات، وأغفل العديد من القضايا الجوهرية في حياة الناس بخاصة كرامة الإنسان وحقوقه وحريته، حتى أطلق عليه البعض ساخرا “فقه الحيض والنفاس”. وهنا يدعو الكتاب الى ضرورة الانطلاق في الجانب السياسي لهذا الخطاب من وثيقة الأزهر الشريف. ويطالب بأن يركز الخطاب المنشود على إعادة بناء المسلم المعاصر ليكون إنسانا حضاريا فاعلا في مجتمعه ومنتجا وليس عالة على الآخرين، يفهم حقيقة الإسلام ومهمته وهي عبادة الله وتعمير الأرض. ولكن هذه المهمة لا تتم بمجرد الكلام الإنشائي الجميل وإنما يجب أن تكون عملية مستمرة تعتمد على آلية واعية تستهدف نفسية المسلم المعاصر، من خلال عملية إعادة البناء النفسي للمسلم، هذا البناء يتطلب “إزالة الركام غير النافع لكي يقوم البناء الأحدث والأنفع مكانه، وهذه العملية يجب أن تتم كل يوم (يطلق عليها التخلية ثم التحلية) وذلك بالتوازي مع عمليات هدم وبناء دائمة تتم في خلايا الجسم لضمان بقائه وصحته ونموه وتطوره، حيث تموت خلايا ويحل محلها خلايا جديدة يوميا والنفس أولى بذلك من الجسم لأنها ـ فى حال صحتها ـ أكثر سعياً نحو الإحلال والتجديد والارتقاء نحو وجه الله”. وهنا يجب أن يكون الخطاب الإسلامي واعيا بمعالم الخريطة النفسية والعقلية التي وصلت إليها قطاعات كبيرة من الجماهير المسلمة اليوم، والتي وصفها بعض مفكري الأمة بأنها أصبحت “نفسية العبيد وعقلية القطيع”. ويؤكد الدكتور محمد يونس ـ عبر هذا الكتاب ـ أن عملية الهدم والبناء في المفاهيم لازمة لتوعية المسلم المعاصر بدوره في تحقيق نهضة أمته وتقدمها، من خلال شحن طاقات المسلم للبناء والإنتاج والتفاني والإخلاص في العمل والتنمية في مختلف الميادين. الى جانب ذلك فإن الخطاب الإسلامي يمكنه أن يحرك معاني المقاومة والممانعة ويؤسس لنفسية العزة وعقلية الاختيار الحر المسؤول في مقابل نفسية العبيد وعقلية القطيع. ويشير إلى أن هذه العملية ضرورية أيضا لإنقاذ المسلم المعاصر من الاستلاب الفكري والثقافي الذي يحول الشعوب إلى زبائن ويحعل الناس أرقاما في جملة المستهلكين المستهدفين. فكرة السلمية ويدعو الكتاب إلى ضرورة التأسيس لخطاب إسلامي يؤصل فكرة السلمية والإيمان بالتداول السلمي للسلطة ونبذ العنف، ليس لأن هذا أمر طارئ أو جديد علي الفكر الإسلامي، وإنما لأن حجم التشويه الذي كان ولايزال يواجه الخطاب الإسلامي يستدعي الإلحاح على فكرة السلمية ونبذ العنف التي نجح الإعلام الغربي، مدفوعا من الدوائر الصهيونية، في ترسيخها لدى الرأي العام العالمي لتبرير الهيمنة والاحتلال والحروب ضد الشعوب الإسلامية تحت ستار مقاومة الإرهاب. ويطالب بإنهاء حالة الفوضى في الخطاب الإسلامي الناجمة بالأساس عن كثرة المتحدثين باسم الإسلام وعدم أهلية غالبيتهم لهذه المهمة. مؤكدا أن إعادة الأمر الى نصابه لن يتحقق بدون معالجة الأسباب التي أوجدت هذه الحالة، وفي مقدمتها ما أصاب المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية من ضعف نتيجة إخضاعها للسلطة السياسية وسلبها أوقافها ومصادر تمويلها مثلما حدث مع الأزهر الشريف منذ عهد محمد علي وحتى اليوم، فتراجع دوره وصوته وخطابه، مما مهد الطريق لنشأة جماعات وحركات دينية غير مؤهلة من خارج المؤسسة الدينية الرسمية لتسد الفراغ. ويطالب بضرورة رد الاعتبار للأزهر الشريف باعتباره منارة الفكر الإسلامي الوسطي فهو المؤهل لقيادة خطاب إسلامي معتدل بحكم تاريخه وعلمائه ومناهجه، ولكن يحتاج الى استقلالية في القرار والتمويل ومراجعة شاملة لأسلوب إدارته وهو ما بدأه بالفعل شيخه الدكتور أحمد الطيب من خلال سلسلة من المبادرات، من بينها “وثيقة الأزهر” وتشكيل لجنة لتعديل قانون الأزهر ليكون شيخه بالانتخاب، فضلا عن انفتاحه على القوى الاجتماعية والسياسية والمؤسسات والجماعات الدينية الإسلامية والمسيحية. ومن هنا تأتي أهمية اعتبار الأزهر الشريف هو الجهة المختصة التى يُرجع إليها فى شؤون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة، مع عدم مصادرة حق الجميع فى إبداء الرأى متى تحققت فيه الشروط العلمية اللازمة. يقع الكتاب في أربعة فصول، يتناول الفصل الأول: الخطاب الإسلامي في التراث والعصر الحديث مستعرضا مفاهيم الفكر الإسلامي، والخطاب الإسلامي والتجديد، واتجاهات التجديد في التراث الإسلامي، وفي العصر الحديث ومنهج التجديد وأولوياته. ويستعرض الفصل الثاني “معالم الخطاب الإسلامي الجديد” من خلال تحليل حالة الخطاب الإسلامي المعاصر، وأنواعه، كما يقدم أطروحات جديدة تشكل معالم الخطاب الإسلامي المنشود موضحا خصائص هذا الخطاب وركائزه الأساسية. ويخصص الفصل الثالث لتطوير وسائل الخطاب الإسلامي (من الخطبة إلى الفيس بوك) مبينا سبيل تطوير الخطاب الإسلامي المباشر والسمات اللازمة لعملية التطوير، مع التركيز على تطوير خطبة الجمعة، وضبط دور الدعاة وحملة الخطاب الديني. كما يتناول سبل تطوير الخطاب الإسلامي عبر الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية، فضلا عن تحليل خطاب المواقع الإسلامية العربية، داعيا الى بلورة خطاب جديد عبر الإنترنت. ويتناول الفصل الرابع الخطاب الإسلامي وقضايا الواقع من خلال التطبيق على نماذج معاصرة متنوعة تشمل قضايا حقوق المرأة، القدس، والعلاقة بالآخر، وحماية البيئة. ‎الكتاب: تجديد الخطاب الإسلامي من المنبر إلى شبكة الإنترنت ‎المؤلف: الدكتور محمد يونس ‎الناشر: الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©