السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حوار حضاري بـ...«العاديّات»!

حوار حضاري بـ...«العاديّات»!
16 أكتوبر 2013 22:23
ندخل إلى “معرض المقتنيات الإسلامية والاستشراقية” الذي جرى افتتاحه مؤخراً في جاليري الاتحاد بحضور ورعاية معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، من أكثر من نافذة وباب، لأنه في الواقع لم يكن مجرد معرض، وإنما كان بمثابة “متحف شامل”، يشكل في محتواه وأهدافه، مشروعاً ثقافياً وطنياً، يسهم إلى حد كبير في تفعيل المشهد الثقافي الفني في الدّولة، وفي العاصمة أبوظبي، على وجه الخصوص. الأبواب التي سندخل منها إلى هذا المعرض، تفتح لنا عديد الآفاق نحو متابعة: الفن التشكيلي، الأنتيك، أو ما يعرف بالعاديات، مقتنيات من الفنون الاسلامية، مجموعات من الفن العالمي في الرسم والتصوير والنحت، مجموعات من الخط العربي، والمصاحف النادرة، وأشياء كثيرة يصعب حصرها، وجميعها في المنظور الفني، تشكّل حواراً عالمياً في مجال الإبداع الإنساني، كما تبني نظرات متقاطعة مع أبدع وأروع ما جادت به يد الصانع والفنان في عهود وعصور إسلامية مختلفة، وبخاصة في مجالات: المنمنات، الزخارف، فن التذهيب، التصوير وفنون الكتابة، الخزف والتحف المعدنية والفخارية، فن التزجيج، وغيرها.. ما يؤكد على أننا كنا من خلال هذا المعرض في حالة إبداعية، لها خصوصيتها، وفرادتها، لقد كانت فرصة نادرة أتاحها لنا رجل، يقف وراء هذا المشروع الكبير، هو خالد المطوّع، الذي أخذ على عاتقه منذ أنشأ هذا الجاليري المتحف الارتقاء بالذائقة الفنية المحلية، والمساهمة في تشجيع المواهب المحلية وتمكينها من الحضور على مستوى الدولة من خلال وسائط مختلفة من التعبير الفني، مع خلق تشابك جميل ومتنوع ما بين هذا، والتيارات الإبداعية المختلفة على المستوى الإقليمي والعربي والدّولي على مستوى المرجعيات والأساليب. ولهذا نجد لزاماً علينا قبل ولوج أبواب المعرض الحديث قليلاً، عن هذا المشروع الوطني الكبير. ولكن قبل كل شيء نقول لمن يفكر بزيارة المكان: إنّه سيكون بانتظاره كل هذا البهاء والجمال وروعة الإبداع الإنساني، من ذلك الازدهار الكبير للفنون الإسلامية التي تشكل جانباً مهماً من تاريخ الحضارة الإسلامية التي امتدت من الهند وآسيا الوسطى شرقا، إلى الأندلس والغرب الأقصى غرباً، ومن حوض الطولة وإقليم القوقاز وصقلية شمالا، إلى بلاد اليمن جنوباً. رجل وطني ذوّاق نعتز ونسعد بتجربة خالد المطوّع الذي أنشأ هذا الجاليري مطلع عام 2004، في منطقة البطين بالعاصمة أبوظبي. ومن السّهل، أن تجد اليوم مكاناً وتقوم بتعبئته بالمزيد من الأعمال الفنية، لكن الأمر بالنسبة للمطوع كان مختلفاً، ويتجاوز السائد، فهو أولا رجل مثقف وذوّاق للفن الراقي، ولهذا ستجد أن المعرض يحتوي على مئات القطع الفنية النادرة، من مقتنياته الشخصية التي جلبها من كل أرجاء الأرض، منطلقاً إلى حلمه الكبير من خلال شغفه الشديد بكل ما هو أصيل ونادر في المجال الإبداعي، ومن خلال شخصيته التي تتمتع بالثراء الفكري والقدرة على التواصل مع الجمال والموهبة، وأشكال الإبداع المختلفة، إلى إقامة شراكة حقيقية مع المجتمع وكل المبدعين لكي تأخذ هذه التجربة مداها العالمي. لقد أراد الرجل ومنذ البداية أن يمتلك منطقة ليست شائعة أو تقليدية، ولهذا تضم مجموعاته التي ينفرد بها في هذا المعرض الضخم ما يمكن أن نطلق عليه (خريطة لمسارات الشغف)، تتشكل من مجموعة من الأحجار النيزكية النادرة، ومجموعة من الميداليات التذكارية لفقيد الوطن الكبير المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” وتذكارات أخرى تتناول شعار دولة الإمارات العربية المتحدة، وكانت تلك لمسة فنية خاصة، ومبادرة وطنية في مجال تصنيع مذل هذه الأشياء وإبداعها بأشكال فنية مختلفة من (الحجر النيزكي) لندرته وارتفاع ثمنه وصعوبة تشكيله. فضاء حميمي للفنان المطوّع ابتكارات وتصاميم فنية عديدة، أبرزها أعماله النّحتية التي أصبحت متداولة ورائجة على نحو واسع، وتعكس أعماله في هذا المجال الروح المحلّية الخالصة، مثل تلك المنحوتة التي تصوّر رجالاً إماراتيين بزيّهم الوطني، ذات الخصوصية والشخصية الخليجية وروح الهوية، وأعمال نحتية معروفة في الدولة من مثل “حامل الصقر” و”منحوتة الفقمة” التي وفرت الدولة لها محمية للحد من اصطيادها وتعرضها للانقراض، وكذلك منحوتة “الجمل” التي تم تنفيذها بأشكال ومواد مختلفة، وتعكس مدى الاهتمام بهذا الحيوان التراثي. ولندخل معاً أول أبواب المعرض المتحف، مع الفن التشكيلي، مع اللوحة. خالد النّجاد.. يرسم الإمارات ينتمي التشكيلي السوري خالد النّجاد، إلى جيل الشباب، ويبدو من خلال لوحاته الاثنتي عشر في المعرض، أنّه من نوع الرسامين الذين يصنعون تجربتهم على نار هادئة، وهاجسه الوحيد، هو تطوير تجربته وأسلوبه، المنضوي تحت لواء (الواقعية المطلقة)، مستخدما مادتي الزيت، والأكرليك، في تنفيذ أعماله، التي يمكن قراءاتها من خلال محورين: الأول ويهتم بتصوير لمحات من حياة الإمارات، والثاني يهتم بتقنية الأسلوب السريالي. في المحور الأول يرسم النّجاد بالزيت، فتاة رائعة الجمال ببرقع، وهو أحد مفردات الزّي النسائي في الإمارات، ومنطقة الخليج العربي. إنه يصنع بألوانه وتوزيعاته التلقائية نوعاً من التوازن والهارمونية، ما بين الوجه والزّي، بحيث يصبح للأخير في اللوحة وظيفة جمالية وتعبيرية، إن وجه المرأة المبرقعة عنده يزداد جمالاً وألقاً بفضل تلك الألوان البديعة، وجه ممتلئ، يضح بالحياة والحيوية على إيقاع الجسد والفكر في آن، ونعني بذلك المهارة في إحداث الأثر الفني والتشكيلي المطبوع بكثير من المجازية والإشراقية، الموسومة بالألوان المتباينة التي وصفها إخوان الصفا، بالبراقة والمشعة. ومن تصوير جمال الوجه عند فتاة تملك نظرات لها سحرها وحشمتها في ذات الوقت، إلى تصوير بديع لرأس جمل يطل علينا من صحراء الإمارات، إنها إذن لعبة التشكيلي وأفقه الجمالي الخاص، حينما يهتم برسم جزئيات من الجسد، ليبدو الأثر التشكيلي دقيقاً واضحاً، تماماً مثل اللقطة السينمائية القريبة جداً، وأسلوب النّجاد يبدو واضحاً هنا تمام الوضوح، أسلوب يقوم في الأساس على إحداث إنشائيات خطّية ولونية ومادّوية ملمسية، يصعب فهمهما بسرعة دون تذوقها في الدّاخل، وتأملها في الخيال، لكي نستطيع تجميع الجزء (وجه الجمل ورقبته)، في الكل (كامل جسد الجمل وهيئته) لتحقيق القيمة الفنية. إذا أردت أن تعرف جمال العيون على حقيقتها، فما عليك إلا أن تتأمل هذه اللوحة لعيون ساحرة لفتاة، عيون تحتل كل الحيز التشكيلي في اللوحة، لقد رسمها بشاعرية، تجعلك لا تنفك عن النظر إليها والتأمل في غموضها، ألم تكن لوحة “الجيوكندا” لليوناردو دافنشي، إلا مجرد نظرة حائرة حيّرت العالم؟ كذلك هو الحال لدى النّجاد، الذي يبدو أنه مفتون بالأجزاء الجميلة من الجسد الإنساني، إن استخداماته لعدة ألوان بسيطرة الأسود والأبيض ولمسات أنثوية خفيفة من بقايا الأزرق، والأحمر الخفيف (ألوان متضادة بالتجاور)، جعلت هذه العيون، كعيون المها العربية، التي تتوطن ملياً في صحراء الإمارات. آخر عمل يقدّمه النّجاد في المحور الأول، وربما يكون أهم أعماله لقيمته الفكرية ومضمونه، صورة شبه كاملة لفقيد الوطن الكبير المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” وهي في الواقع صورة بكل ما فيها من جمال وقوة ملامح، تعكس تاريخاً مجيداً بأكمله، وفي هذه اللوحة بالذات نرى أنّه يبدع بوحي جمالي مؤسس على مخيلته التي تحمل الكثير من الانطباعات الإيجابية عن القائد المؤسس الشيخ زايد، حينما صنع ذلك التوازن في الشكل والتكوين مع خلفية الشخصية التاريخية والإنسانية، لقد شاهدنا الشيخ زايد في اللوحة، كما لم نشاهده من قبل، هيئة تحمل الكثير من الدلالات والنظرات أيضاً، وبمناسبة الحديث عن النظرة، أو الطّلة للشخصيات والأجزاء التي عبر عنها الرسام باللون، نعتقد أنه يجيد تجسيدها بجماليات لونية وتوزيعات خطية، تؤكد على موهبته وشفافيته، وكأنه وهو يرسم يحادث شخصياته وقماشاته وألوانه، ليقدم لنا في النهاية عملاً فنياً معاصراً حداثياً كما لو أنّه مخلوق حي. لقد حاول ونجح الفنان خالد النجاد في نقل أجواء وتراث الإمارات عبر لوحاته إلينا، بطريقة فنية حديثة دون إخلال. في محوره الثاني، يخرج النجاد عن طبيعته في الواقعية الجديدة أو المفتوحة، إلى تجريدية وسريالية من نوع آخر، فهنا لوحة تمثل (فتاة شرقية) بالزيت، بملامح عربية قديمة، إلا أن سحر الشرق يبدو واضحاً في ملامحها، ليس في سيطرة اللونين الأسود والأبيض على الملامح، ولكن من خلال ما يسعى إليه من رغبة في أن يعيد إلى الرسم السيطرة على السّطح، وعلى المراهنة على قيمة الفن الحر، في إطار اللوحة الدرامية، حتى وهي تحتوي على عنصر واحد (فتاة شرقية)، لكنه يملك تشخصياته وسردياته في عمق النظرة وتأثير الملامح، والموسيقى والإضاءة الداخلية المشعة من داخل العمل الفني، ولك هنا أن تتأمل في لوحته السريالية هذه، مجموعة الايادي التي تخرج من جسد رجل، وهذه هي اللوحة الدرامية التي نتحدث عنها بتعدد عناصرها وألوانها وغرائبيتها، بحيث تقودك إلى استنتاجات عديدة، إنه يقدم لنا من خلال حداثة تشكيلية نوع من (المدى الحركي) الذي يمنح اللوحة عمقها التشكيلي المفترض، كما يمنحنا نحن فرصة أكثر عمقاً للتأمل. روساكيس.. مشاهدات من أبوظبي للفنان التشكيلي اليوناني يانيس روساكيس، حكاية أخرى مع روح وتراث الإمارات، ولكن من خلال طراز خاص من فن الصورة، قدم في هذا المعرض نحو عشرين صورة، في محورين، الأول يتناول تحفة معمارية على الطراز الإسلامي، وهي جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي، وبانوراما أخرى لميناء الشيخ زايد، وكلا المحورين يعكسان اهتماماً واضحاً في عمله الفني الذي يجمع بين أسلوب تركيب الصورة على الرسم. ونعتقد أن هذه التجربة تندرج تحت تعبير بصري جديد فيه نوع من الابتكار في التصميم. إن كل لوحة من لوحات يانيس، هي في الأصل (واقعة تصويرية) تختزل زلزالاً لونياً يولد المعنى الذي يشتبك بداخله تصادم المواد والألوان والنتواءات الصغيرة جداً (الرولييف) الناتجة عن طريقة تركيب الصورة على قماش اللوحة، ليبدو لك العمل الفني في النهاية شيئاً محيراً: هل نحن أمام صورة فوتوغرافية أم أمام لوحة تشكيلية؟ في أعماله التي تعكس روح ومرافق ومعنى ميناء الشيخ زايد في أبوظبي، وجاءت تحت عنوان لافت “أسرار مخبأة من ميناء زايد”، ثمة مجموعة من الصور البديعة المطبوعة بطريقة الرسم على ورق معاد التّدوير، توحي بنظرة يونانية حداثية إلى أبوظبي، نظرة لها تقاليد خاصة، والفنان اليوناني بهذه الاستعمالات المبتكرة، التي تمتزج فيها المرونة بالقوة، يكشف عن معان أصيلة لهذا الميناء الذي يشكل جانباً من حركة هذه المدينة ونموها، ولا تستطيع أن تعرف أن يانيس يتحدث عن ميناء إلا إذا دققت النظر في توزيع العناصر وألوانها المتداخلة جدا، والسبب في انتهاجه لهذه الطريقة وهذا الأسلوب الأقرب إلى التجريد، وكما يقول: إنّه يريد أن يطلق العنان لمخيلة المتلقي، “لا أريد أن أفرض عليه وجهة نظري، فأنا لست في مسرحية وعلي أن أقدم نهاية واضحة لها، أنا أتحدث بالصورة عن ميناء، مكان له خصوصيته، فيه تحدث أشياء كثيرة، وهذه الأشياء تتبدل مع الوقت، والمخيلة المفتوحة هنا هي أفضل الحلول لفهم مثل هذا العمل الفني الذي يحتوي على ألوان اصطلاحية، أبرزها الأحمر الياجوري، الأزرق الداكن، مع لمسات خفيفة من الأبيض والطحلبي، إلى جانب استعمالات لونية أخرى عميقة الارتباط بالماء والأرض”. ربما يكون يانيس أكثر وضوحاً في محوره الثاني وأعماله العشرة المخصصة لجامع الشيخ زايد الكبير، فهو ينقلها لنا عبر واقعية حداثية، لا تخل بأصل النسب والتوزيعات والتشكيلات والتكوينات الداخلية للمسجد، لكنك في النهاية لو جمعت تلك الأجزاء المنفصلة، لتمكنت من إعادة المنظور الكلي العام للجامع الذي يعد تحفة معمارية نادرة على الطراز الاسلامي، لكن ما هي تركيزات يانيس في نقله للجزئيات من التكوين العام للجامع؟ لقد ركز وبحرفية عالية على جمال الأعمدة والزخارف، والمداخل، والأقواس الداخلية المرتفعة، المقرنصات والتيجان، وعديد العناصر الفنية، مثل المنمنمات، والخطوط العربية المختلفة في كتابة الايات القرآنية وغيرها، فقد بدا الجامع من خلال تلك التكوينات الهندسية الدقيقة، الممتلئة خشوعا وروحانية، من أبدع ما ألتقط لهذه التحفة المعمارية الاسلامية التي تسجل للراحل الشيخ زايد ذروة أفكاره وأعماله في البناء والتحديث. مقتنيات تشكيلية عالمية الجولة في هذا المعرض ممتعة، ولكنها تتطلب منك مجهوداً، إذ إن مئات الأعمال والمقتنيات، جرى توزيعها في أكثر من مكان، على أكثر من طابق، وبخاصة العلوي الذي يحتوي على عدد كبير من المقتنيات العالمية من اللوحات التشكيلية لفنانين عالميين، ويبدو أن خالد المطوّع لم يدع فرصة تضيع منه للحصول على الجمال، ووضعه في هذا المتحف الذي يأخذك في كل خطوة إلى عالم جديد من السحر والإبداع الإنساني، فهناك لوحات أصيلة، تنتمي لمدارس فنية مختلفة، لكن يغلب على معظمها الجانب الملحمي للوحة المحتشدة بعديد العناصر والأمكنة، وإن بدا فيها بوضوح الطابع الشرقي أو العربي من حيث ملامح الأشخاص أو هوية الأمكنة أو حتى المزاج الفني، لوحات تتآلف معها بسرعة لقرب مواضيعها منك، وإن كان من ملاحظة صغيرة هنا، فهي أن معظم هذه اللوحات على قيمتها الفنية العظيمة، لا يوجد لها شروحات، نعرف من خلالها أسماء رساميها، وكما يبدو فبعضهم من المستشرقين، فهنا مثلاً لوحة رائعة بالزيت لقافلة جمال تحث الخطا في صحراء مترامية الأطراف، ويقابلها لوحة كلاسيكية لامرأة على ظهر حصان، وبجانبها فارس وسيفه في غمده، ويعتمد تشكيل اللوحة على مساحة فسيحة، تبرز مكونات المكان من صحراء وسماء، مع طغيان واضح في استخدام الألوان الساخنة، ويبدو أن عنصر النسائيات، طاغ على تفاصيل اللوحات، مثل امرأة بملامح شرقية أمام جرّة من الفخار، توزايا مع ظهور بارع لإحدى المهن التقليدية السائدة في الأسواق العربية القديمة، فهذا حلاّق عاري الصدر، يقوم بعملية حلق ذقن أحد الأشخاص على الطراز القديم، لكن اللوحة لا تخلو من ترتيب وتنسيق العناصر، والألوان التي يطغى عليها اللون الأخضر. بالطبع بالنسبة لهذا الجانب فنحن لا نعرف تماماً فيما إذا كانت هذه اللوحات من المقتنيات العالمية أصلية أم مقلّدة، لكن روعتها ودقتها قد تطغى على مثل هذا التساؤل الذي قد يبدو أنه ليس في مكانه. من اللوحات الدرامية البديع، لوحة تصور معركة بالسيوف في مكان إسلامي، حيث تبدو قباب الجوامع من بعيد، مع تمازج عدة عناصر، رمال الصحراء، زرقة السماء، بيوت من بعيد، دكاكين صغيرة. ومن اللوحات البديعة النادرة بالأسلوب التركيبي، تبدو لوحة ثلاثية الأبعاد لامرأة تحمل دلة قهوة نحاسية في يد، وفي الأخرى طبقاً من الفاكهة، وتطعم طاووساً بديع الريش، وفي الخلفية جانب من مدينة إسلامية، وكأننا في بانوراما تتحدث عن فترة تاريخية، يبدو فيها الزي العربي القديم، وأيضاً هوية المكان. في الواقع أن الحديث عن هذه المقتنيات، والتي يزيد عددها على مائة لوحة موزعة في أركان عديدة، يبهرك لدقة التوزيع بحسب المواضيع، وبحسب القيمة الفنية. وفي تقديرنا أن بعض اللوحات الكلاسيكية ذات الأسلوب الملحمي لا تقدر بثمن، فهي تحف عالمية نادرة، وبخاصة تلك اللوحة التي تصور رجلاً أسود يشهر سيفاً عربياً، توازيا مع امرأة سوداء تحمل دلة قهوة عربية نحاسية، ولكلتا اللوحتين المتجاورتين معنى ودلالة، فالأولى ترمز للقوة والحيوية، والثانية ترمز للأنوثة والكرم وقيمة الإكسسوار في تشكيل اللوحة وتركيبها. عني المسلمون بالمخطوطات عناية فائقة، جعلتها تحفا فنية نادرة، والإنسان إذا أتيح له النظر في مخطوط من المخطوطات الفنية من الهند أو تركيا أو إيران، وغيرها، لا يكاد يعرف بأي شيء يعجب، أبدقة الزخارف المذهبة وجمالها، أم بجاذبية الخطوط وسحرها، ورشاقتها، فقد كانت العناية بجودة الخطوط أمراً طبيعياً في ثقافة وفنون الإسلام، وبخاصة أن الخطاطين عرفوا باشتغالهم في كتابة المصاحف، مما حقق للخطاطين مكانة عظيمة في العالم الإسلامي، وقد استمرت هذه المكانة حتى وقتنا الحاضر، على الرغم مما يتعرض له فن الخط العربي من تحديات خطيرة بسبب تكنولوجيا ثورة المعلومات التي تكاد أن تقضي على هذا النوع من أشكال إبداع اليد بمواجهة الآلة المخربة. أول نماذج اللوحات الخطية في المجموعة الضخمة من أعمال المعرض لوحة للآية القرآنية (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، بالخط الكوفي، وما يحيط بها من زخارف ومنمنات مذهبة، مما يبرز مكانة اليد، في تشكيل الخط، ومنحه بريقاً وخشوعاً خاصاً، وهنا أيضاً قماش إسلامي من الحرير مكتوب بالخط الكوفي، ويعود تاريخه إلى العهد السلجوقي من القرن السادس إلى القرن الثامن الهجري، كما تبرز مجموعة مختلفة من لوحات الخط الكبيرة من حيث الحجم الأقرب إلى (فن الجداريات)، والتي تمثل أغلبها موضوع الحلية الشريفة لوصف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بيد الخطاط السوري أحمد عبد الباري، وخطاطين من العراق، وأغلبها خطوط قرآنية ممزوجة بزخارف إسلامية مذهبة، وملونة، ويحيط بها إطار بديع مطعم بالصدف ذو زخارف هندسية على الطراز المملوكي من القرون 11 وحتى 15 هجرية، خطوط تنساب كالحرير على سطوح اللوحات الخطية، فيما تتكون الحلية من مجموعة من الخطوط الإسلامية كالثلث والنسخ والإجازة والتعليق، محاطة بالوحدات الزخرفية الإسلامية التي تعكس طريقة تأطير هذه الحليات على مكانتها الكبيرة في نفوس الناس، وسعيهم لجعلها في أتم رونق وأبهى صورة. مجموعات المصاحف الشريفة من الطبيعي ونحن نتحدث عن جماليات الخط العربي، أن تكون المصاحف الشريفة ميداناً لفن (التجويد الخطّي)، وبخاصة في العصور الإسلامية المختلفة، حيث تبرز مقتنيات المعرض في هذا المجال ضروباً متنوعة من الخط الكوفي الذي يبدو أنه تطور على أيدي خطاطين ماهرين، في سبيل الدّقة والرشاقة والجمال الزخرفي أيضاً، وبداية الحديث مع طائفة من مخطوطات القرآن الكريم والأوراد الشريفة، وصور نادرة عن الديار المقدسة في مكة المكرمة، ومنها أولاً (الصرمة العثمانية) وهي عبارة عن قماش من الحرير العثماني مكتوب على طولها آية الكرسي، بخيوط الفضة الذهبية، ويعود تاريخ صناعتها إلى أوائل القرن التاسع عشر في تركيا، ومكتوب عليها الإهداء التالي: من محمود باشا إلى إسماعيل أفندي، ويبدو من تفحص هذا العمل الجميل، أن الخط كان أكبر عون لهم في إبراز المعاني الدينية والروحية، من خلال طبيعة الحروف العربية وما فيها من تقويس وانبساط واتصال، وما تقبله رؤوسها وسيقانها من ذيول زخرفية وتوريق وترابط. وتقودنا الجولة في هذا الركن إلى لوحة مهمة، وهي عبارة عن قميص حرب من القطن، مكتوب عليه آيات كثيرة من القرآن الكريم، وكان يلبسه المحارب لغايات التّبرك، أو كطلسم للوقاية من الشرور، وأيضاً مثل كفن في حالة استشهاده في قلب المعركة، أما مصدر هذه التحفة الرائعة، فهو الهند الإسلامية إبان القرن 13 أو 14 هجريةـ 19 أو 20 ميلادية، ونجد مثيلاً لهذا العمل في الكثير من كتب الأدعية والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مثل كتاب “دلائل الخيرات” وقد استعمل الخطاطون في كتابته ضروباً من شتى الخطوط منها: التعليق، النستعليق، أو الشكستة الفارسية، والنسخ المغربي، والثلث. هنا مجموعة نادرة من مصاحف بلاد فارس، لمختلف الخطاطين، والتي تعود إلى العهد الصفوي، في الفترة ما بين القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر هجرية، ومجموعة أخرى من صفحات القرآن الكريم المذهبة، مكتوبة على الورق الوردي، قادمة من بلاد الأندلس وشمال أفريقيا من أعمال القرن السابع الهجري، ومجموعة مختلفة من صفحات القرآن مكتوبة على رق الغزال، مشغولة بعناية بالخط الكوفي، من شمال أفريقيا، من القرن الرابع الهجري. ويلفت الانتباه في هذه الأيقونات الإسلامية العظيمة، أن الخطاطين كانوا يتمّون كتابة الخطوط بطريقة فريدة، تاركين مساحة من الفراغ، في بعض الصفحات، لترسم فيها بعض الأشكال النباتية الهندسية المذهبة، حيث ازدهر (فن التذهيب) في تلك الفترة ازدهاراً ملحوظاً، حينما كانوا يهتمون أيضاً بنقش صور ذات صلة بنصوص معينة في الخطوط وربما تبدو هذه الحرفة واضحة في مجموعة المصاحف الشريفة المعروضة من بلاد فارس، ومقالم وجلود المصاحف التي تعود إلى العهد القاجاري من القرن 12إلى 13 هجرية. مقتنيات إسلامية نادرة يضم المعرض عدداً وفيراً من المقتنيات الخزفية الإسلامية النادرة، سواء من الخزف التقليدي أو الملوّن، ومجموعات كبيرة من الفضيات والنحاسيات ومعدن الصفر، ومجموعة من السيوف الإسلامية التي يعود بعضها إلى العصر الأموي، وأيضا بزّات عسكرية كان استخدامها شائعاً بين جيوش المسلمين في فتوحاتهم من أجل نشر رسالة الإسلام، وفي ذلك الركن الجميل، ينفرد تاريخ الإسلام العظيم، من روح تلك السيوف وأسلحة المحارب، من طرز فنية عثمانية، هندية، مغولية، فارسية، ومن شبه الجزيرة العربية، سيوف ماضية بأحجام وأشكال مختلفة، تبدو في بعضها براعة التصميم، محلاّة ببعض النقوش الأشبه بالنّقش على المعدن، بحيث أصبحت صناعة السيوف في ذلك الوقت من الميادين البارزة في تاريخ الفنون الإسلامية من حيث المفردات والتنوع، وجمال الصقل، مع المحافظة على الأسلوب الإسلامي الذي ينفرد بجمعه ما بين القوة والرقة والجمال. ولا تملك العين غير أن تنبهر بهذه المجموعة الخاصة من الأواني الفخارية الإسلامية، من العهد الساماني ووسط شرق آسيا من القرنين 3 و4 الهجريين، وأهم ما يميز تصميم هذه الأواني بأحجام مختلفة ما عليها من نقوش تحت ألوان شفافة تكاد ترى، باللونين الأزرق أو الأخضر، هي في الواقع مصقولة وذات طابع زخرفي أنيق، يجعلك تتأمل في إبداعات الخزفي الإسلامي، وهو يضع نقوشه ورسومه النباتية البديعة التي جعلت من هذه المعروضات تحفاً نادرة لا تمل العين من النظر إليها في محاولة لاكتشاف ما ورائها. ويجاورها مجموعة مختلفة من الحلي والخواتم الذهبية والفضية ذات أحجار مكتوبة، يعود تاريخها إلى العهد العباسي، وحتى العهود الإسلامية المتأخرة من القرن الثالث إلى القرن الثالث عشر للهجرة، ويا لجمال هذه الصحون العباسية المكتوبة، وأخرى من آسيا الوسطى، في القرن الثالث الهجري، وتمتاز بأناقة التصميم والرسوم من الزهور الزخرفية الرائعة، بالإضافة إلى رقة الألوان وجودة العجينة المستخدمة في الشغل الذي يعيدك إلى تاريخ فني عريق، ومن ثم يخطف بصرك، فتحتار على ماذا تركّز؟ وتزداد الجولة في أروقة مجموعة المقتنيات الإسلامية جمالا بمشاهدة هذه المجموعة المتميزة من الفازات والأباريق الفخارية المزججة ذات الزخارف الرشيقة باللونين الأزرق والبني المذهب مع بعض الخطوط الكوفية البسيطة، والذي يقودنا على الفور إلى مهارة الفنان الصانع في العهد العباسي، من بلاد فارس وأفغانستان في القرون من 2 إلى 4 هجرية، وبجانبها قطع خزفية عديدة من أباريق البرونز الاسلامية، تعود إلى العهدين الأموي والعباسي. وستجد أثناء تجوالك، مجموعة من البرونزيات المنزلية، والتي تعود إلى العهد السلجوقي وبلاد فارس، من القرون 11 إلى 13 الهجرية: أكواب، أباريق، كؤوس، فناجين، علب، زهريات، زمزميات، محابر، وأوان رائعة بألوانها وسحرها، وقوام زخرفتها من زهور ونباتات ورسوم متعددة بتناسقات من ألوان الأزرق والأحمر والأخضر الخفيف، فضلاً عن سيطرة اللونين الأبيض والأصفر، وهي ألوان امتاز بها صناع تلك المرحلة. وفي ركن من المكان تطل علينا جرّة إسلامية كبيرة، مكتوبة بالخط الكوفي المتأخر من بلاد فارس من القرون 6 إلى 8 هجرية، لكن إذا تأملت بدقة هذه التحفة الإسلامية النادرة، ستجد أنك أمام عالم من الجمال ودقة التصميم، وأيضاً جماليات عليك أن تكتشفها من خلال الشروحات المرافقة للعمل، سواء في تلك العجينة الهشة، أو في القشرة الناصعة التي تكسى بها العجينة الأصلية، وأيضاً في معظم الرسوم التي يحدد بعضها بخطوط، وترسم بطريقة فيها كما يقال سر المهنة. أسمى المطوّع: نسعى لتثقيف العين قد لا يعلم كثيرون أن هذا المشروع الوطني الذي يقوده خالد المطوّع، ذات صلة وثيقة بمفاهيم عديدة للارتقاء بالتذوق الفني إلى جانب الارتقاء بالذوق الثقافي ودعم المواهب في مجالات القراءة والكتابة والإبداع الأدبي بمختلف أشكاله، كان علينا لتفسير ذلك، الحديث مع المبدعة الإماراتية أسمى صديق المطوّع، وهي هاجسها الأول تنمية أهداف ورسالة (ملتقى الثقافة) الذي تشرف على شؤونه، مستمدة هذه الهمة من روح مشروع جاليري الاتحاد. وقالت أسمى المطوّع لـ”الاتحاد الثقافي”: “نسعى ونهدف من خلال هذا الملتقى، وهو بمثابة صالون أدبي إلى خلق جو ثقافي ومزاج أدبي عام يعنى بصناعة حوار، على غرار ما كان متوافراً في الزمن الذهبي للثقافة العربية في ستينيات القرن الماضي، حينما كانت تشتعل الحوارات والمجادلات، وما كان ينشأ عنها عادة من إبداعات راقية في مجالات الأدب المختلفة. وعن مفردات ومحتويات هذا المعرض قالت أسمى المطوع: “أعشق المقتنيات الإسلامية النادرة، وذلك بحكم علاقتي بشقيقي خالد المطوع صاحب هذا المشروع الثقافي الكبير، هي علاقة مبنية على متابعة كل ما هو راق ومبدع في الفن والثقافة، وأن أكثر ما يشدني في جناح المقتنيات، هو تحفة نادرة للمصحف باللون الأزرق، ولك أن تتابع تفاصيل كثيرة، كيف تم الحصول على هذه التحفة الرائعة التي نقدمها اليوم للجمهور لاكتشاف قيمة الخطاط والزخرفي الإسلامي”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©