الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حسناء القطار

19 أكتوبر 2011 09:56
عندما عدت إلى مقصورتي في القطار السريع الذي ينهب بنا الأرض نحو أقصى الغرب الأميركي، وجدت نفسي وحيدا، نظرت من النافذة الزجاجية فلم أر غير أراض شاسعة قاحلة موحشة، فتعمقت لدي مشاعر الوحدة لدرجة الوحشة، وهاجمتني هواجسي وداهمتني مخاوفي ووجدت نفسي أمارس كراهية الذات مرة أخرى. كم مرة عاهدت النفس على ألا أبقى وحيدا حتى لا يتسرب اليأس إلى وجداني المفجوع، وحتى لا أقعد محزونا مهموما لا أجد غير لوم النفس وكراهية الذات لأنني ضيعت قلبي ذات يوم بتصرفات صبيانية حمقاء، كان نتيجتها ضياع وكراهية للذات. لابد أن حسناء القطار تلك ذكرتك بها فهيجت الأشجان، وألهبت المشاعر، ربما لأنها تشبهها كثيرا، ضحكتها، شعرها، أنفها، بل وحتى ما تفعله بشفتيها عندما تبتسم.. ها أنت تعود إلى غيك القديم، كعاشق مجنون! تلك القصة لا تحمل لك سوى الأحزان والآلام، وكأنك لم تعد تفرق بين النساء، وكلما رأيت حسناء تراها بصورتها وتراها تشبهها! لا تجد الآن إلا اجترار الذكريات، ترى ألم يحن الوقت بعد للنسيان ولاستمرار الحياة؟ لابد من الغفران ومسامحة الذات فما فات قد مات. ولن يفيد بعد كل هذا الزمان مواصلة البحث عنها في كل مكان، لم تترك أرضا ولا وطنا لم تفتش فيه، والآن قد حان وقت النسيان، إنها مجرد أوهام لابد أن تفيق منها، حان الوقت لتصحو من أحلامك التي جعلتك لا تفرق بين الحقيقة والخيال، اتركها وعش ما تبقى من سنوات عمرك البائسة. صوت القطار وهو يعبر فوق خطوط السكة الحديد يبعث على الرتابة، يقطعه أحيانا صوت صليل وصلات العربات بعضها ببعض. مرت برهة لم أشعر فيها بالوقت يمضي، ربما غرقت في بحر أحلام اليقظة أو لعلي غفوت قليلا غير أنني وجدت القطار يتوقف في المحطة فحملت أغراضي وغادرت وحيدا، وما أن غادر القطار حتى اكتشفت أنها لم تكن محطتي بل هي محطة فرعية. وجدتني وحيدا مرة أخرى، وكان ثمة رجل عجوز يجلس في كشك منهمك بشيء ما، اقتربت منه وسألته عن أقرب قطار يصل إلى هذه المحطة، أجاب بأن قطارا يتجه إلى لاس فيجاس سيصل بعد ساعة. تجولت في المحطة ولم يكن بها شيء لافت، بل أنني شعرت أنها تعود إلى بدايات القرن الماضي وكنت كالقادم من المستقبل، نظرت إلى الرجل العجوز مرة أخرى فرأيته يضحك لوحده، تجاهلته وجلست على كرسي خشبي بانتظار القطار المتجه إلى لاس فيجاس أو مدينة الخطيئة. سعيد البادي | rahal ae@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©