الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثورة السودان... ومحصلة الجولة الأولى

13 أكتوبر 2013 22:29
المتشائمون الذين يتصورون أن الهدوء الذي عمّ مدن السودان وفي مقدمتها العاصمة القومية (الخرطوم) دليل على أن الثورة الشعبية ضد نظام «الإخوان المسلمين» والتي تفجرت في الأسبوعين الأخيرين قد انكسرت وأن سلطة القمع والإرهاب الدموي الذي قاتلت به الحكومة التظاهرات والمواكب السلمية التي كانت تطالب بحقوقها الشرعية، من حرية المواطن في التعبير عن رأيه وحقه في العيش الكريم. هؤلاء المتشائمون لم يحسنوا قراءة نتائج ومحصلة هذه الهبّة الشعبية العارمة التي عمّدها الشباب والكبار، النساء والرجال، بالدم الغالي، ولم «يذاكروا» جيداً دروس التاريخ السوداني الرائد في الثورة ضد أنظمة القمع والتسلط العسكرية، وخدَع أبصارهم هذا الهدوء المنظم الذي ساد العاصمة والمدن الأخرى. إن ذلك الهدوء المنظم هو الهدوء الذي يسبق العاصفة، وهو مرحلة مطلوبة لتراجع المعارضة الشعبية حساباته وتدرس نتائج وأحداث الثورة الشعبية على ضوء التطورات الحاصلة على الأرض، ولتغير السلطة أساليبها في مواجهة التمرد الشعبي واستحداثها أدوات جديدة لمواجهة حركة الاحتجاج العام. يقول والي الخرطوم عبدالرحمن الحضر في حديث مذاع ومنشور «إن الشرطة لم تقتل مواطناً واحداً بالذخيرة الحية، لأنها أصلاً لم تُصرف لها، وفقاً لقرار اتخذته لجنة الأمن في ولاية الخرطوم والقوات المسلحة». وهكذا كشف الوالي «اللغز» الذي حيّر الناس، فإذا كان الأمر كما يقول الوالي، فالسؤال المؤلم الذي ظل أهل وأصدقاء الـ220 شهيداً الذين سقطوا بالرصاص الحي وبصورة احترافية طبّق فيها المجرمون قاعدة اضرب لتقتل، فمن الذين فاجئوا التظاهرات والمواكب بالرصاص المنهمر فحوّل شوارع المدن السودانية إلى ميادين حرب، المقاتلون فيها «أشباح» لا تظهر في مواجهة المتظاهرين؟! شكراً لأولئك الأبطال من الشباب وحاملي كاميرات القنوات الأجنبية الذين غامروا بأرواحهم واستطاعوا أن يسجلوا لنا وللعالم بالصورة الحية بعض هؤلاء المجرمين وهم في لباس مدني. إن السودانيين يعلمون اليوم أن القتلة الذين قتلوا أبناءهم وأطفالهم وأمهاتهم هم بعض ميليشيات «المؤتمر الوطني» (الاسم الحركي لجماعة «الإخوان المسلمين»)... ومهما تبدع وتجتهد الأنظمة الفاشية في العمل السري الذي لا يتورع عن القتل وسفك الدماء البريئة، فإن هنالك من يكشف ويعري جرائمها الوحشية. فحكومة «الإخوان» اليوم مواجهة ليست بشعبها المظلوم، بل بالضمير الإنساني الدولي. فقد أعلنت منظمة العفو الدولية أن عدد ضحايا القتل بالرصاص قد وصل إلى مائتي قتيل. والحكومة ظلت تنكر أن هنالك قتلى وأن هذه الصورة التي نشرت على مستوى العالم هي صورة «مزيفة» لأحداث رابعة العدوية في مصر! وهو قول يجب أن يخجل قائله وزير الإعلام الاتحادي المتشبث بكرسي الوزارة... فالحكومة التي اضطرت للكذب دفاعاً عنها قد غيّرت موقفها وبدأت تغالط في عدد القتلى والضحايا الأبرياء، وزعمت أن عدد القتلى لم يتجاوز خمسة وثلاثين بينهم بعض «الشهداء» من رجال الشرطة! والسودانيون يعلمون اليوم أن الطبيب مدير المشرحة في مستشفى الخرطوم المركزي، قد أعلن جهاراً نهاراً استقالته من منصبه «لأن جهاز الأمن والمخابرات قد مارسا عليه ضغوطاً شديدة ليزوّر شهادات الوفاة للقتلى الذين أجرى عليهم التشريح الطبي، وأثبت أنهم قتلوا بالرصاص في مواقع الرأس والقلب، ليكتب بدلاً من ذلك أن الوفاة وقعت لأسباب طبيعية». هكذا إذن تدير الحكومة الإسلامية الأمن وتلعب بأرواح ودماء أبناء شعبنا الوفي! وفي آخر أخبار الخرطوم أن أصحاب المذكرة الاحتجاجية من قادة «الإخوان المسلمين»، بقيادة الدكتور غازي صلاح الدين العتباني، قد ادعوا أنهم رفضوا رفضاً باتاً الجلوس مع لجنة التحقيق الحزبي بقيادة إبراهيم الطاهر رئيس البرلمان والوزير الدائم عوض الجاز، وبغض النظر عن سبب رفضهم فإن المذكورين هم جزء من سلطة التنظيم الإخواني، وهم أيضاً جزء من أسباب الأزمة التي يمر بها الوطن والتنظيم! وهكذا تطور تنظيم «الإخوان المسلمين» لتصبح أزماته الداخلية عنواناً لفشله في حكم السودان. هذه الأزمات امتدت وحرّكت بعض قادة التنظيم في القوات المسلحة وكان أبرز وجوهها العميد ود إبراهيم صاحب الشعبية الواسعة وسط شباب «المجاهدين»، إذ كان قائدهم «النموذج» أثناء حرب الجنوب. ومن جانب آخر فإن حسن الترابي تمكن، برغم الحصار المفروض على أجهزة الإعلام الداخلية والعالمية، من إجراء حديث مع إحدى القنوات العالمية، قال فيه لتلاميذه السابقين «إن عليهم أن يسلِّموا السلطة طواعية للشعب السوداني، وإن لم يفعلوا ذلك واستمروا في طريق القتل والإرهاب المسلح فإن الآخرين سيدافعون عن أنفسهم ويصبح السودان ميداناً آخر من ميادين الحرب الأهلية»! وخلاصة القول إن الثورة لم تهدأ ولم تتراجع ولكنها تجمع صفوفها وتطور تكتيكاتها وتستعد لجولة أخرى لإسقاط النظام. إن الثورة بدأت خطواتها الصحيحة بمواكب وتظاهرات الأسبوعين الماضيين. والتاريخ يعلّمنا أن الثورات قد تفقد جولة وجولات أخرى في طريقها لتحقيق هدفها السامي، مهما طال الطريق أو اعترضه من عقبات. عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©