الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تناقض البشرية

تناقض البشرية
8 يناير 2009 00:25
عندما تسقط أعداد هائلة من البشر قتلى في ظرف ساعة أو ساعات، يعني هذا أن البشرية قد عادت فعلا إلى الهمجية والوحشية التي ناضل الإنسان كثيرا كي يتجاوزها ويعبر إلى ضفة أرحب تكرس مفاهيم التآخي والعمل والابتكار والإنتاج والتطور، حتى بلغ القمر وحتى فك شيفرة الجينوم البشري· عندما تهطل الصواريخ والرصاص على رؤوس الأبرياء وتحصدهم دون أن تفرق بين أم وأب وطفل ورضيع وشاب وشابة، فهذا يعني أن انحرافا قد حدث في المعنى الإنساني للبشر، وأن الوحش البشري قد تمادى حد أنه رمى قناعه الذي كان يتوارى خلفه بقليل من الإنسانية· إن المكان الذي يقيم عليه الإنسان وهو الكرة الأرضية لا يخلو من الموت اليومي الفج والمعيب والمخزي، وفي الآن نفسه لا يخلو من الفرح والبهجة والرفاهية· إن عالمنا متناقض إلى حد التباين الذي يستطيع طفل أن يضع بصره عليه وأن يشير إليه بإصبعه ويمكن لصورة فوتوغرافية أن تظهره كامل الملامح، ويمكن لأعمى أن يسمعه بأذنيه ويحسه في وجع الهواء وحسرة الطين· لكن على الكرة الأرضية خديعة وكذب كثير، وتعمد في إزهاق الأرواح وتنفيذ المجازر وترويع الناس، خاصة ما يحدث الآن في غزة، حيث الموت المجاني والأرواح التي تهدر والأجساد التي تحرق بلا سبب، سوى أنها في غزة، سوى أن التآمر على هذا الشعب الفلسطيني لا ينتهي، سوى أن الجماهير في الأصقاع العربية لا يحركها سوى العاطفة العمياء والآنية والمؤقتة، وسوى أن ردة الفعل باتت محفوظة عند القتلة· على الكرة الأرضية بؤس يقتل الأطفال والشيوخ من الفقر والجوع والبرد، بؤس يشرد البشر ويذل الرجال والنساء ويهين الإنسانية في كل ثانية ودقيقة وساعة، على مدار اليوم وعلى مدار الشهر ومدار السنة·· بؤس لا يعرف سوى المساكين والبسطاء والأبرياء، بؤس لا تراه إلا في وجوههم، فيما المتآمرون عليهم من ابناء جلدتهم يزخرون بكل الرفاهية، والموت يكون خجلا عند زيارتهم· على الكرة الأرضية حب كثير وخير كثير وجمال ليس له حدود، وعند أمنا الطبيعة بهجة تغسل أرواحنا منذ الولادة وحتى الرقدة الأخيرة في أحضانها البهية·· في الهواء البارد سحر وفي مشهد الشجر ترق الروح، والماء يغسل القلب ويطهر النفس· فهل تأتي البشرية إلى حيث الحب، إلى حيث الجمال، هل تعود لأمنا الطبيعة بمائها وشجرها وهوائها وجبالها ورملها وغيومها ومطرها، تعود حيث محبة الخالق، تعود تتظلل بالتصالح والرحمة، وتسير في موكب التسامي والتطهر من دنس وشر السياسة والمشاركة في الخديعة الكبرى، تعود لتقلب معنى المواجهة وتكف عن الصراع وعن الصراخ، تعود وتنظر وتتأمل في الواقع والمستقبل من أبعاد مختلفة، تعود وتخلق واقعا جديدا، تتمعن في معنى الكلمات، وتتعلم كيف تغسل اليوم من بواكيره بإشراقة من الرقة وبهاء من القلب، تعود تغير الأسماء وتهدي الليل وردة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©