الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رحلة بحريّة لتاجر عربيّ إلى بلاد الهند والصين

رحلة بحريّة لتاجر عربيّ إلى بلاد الهند والصين
26 يناير 2011 19:52
نالت الرحلات البريّة والبحريّة عناية ورعاية المسلمين منذ عهد الرسول الكريم محمّد صلّى الله عليه وسلّم. فقد حضّ الإسلام الحنيف على السفر والترحال. وجاء في القرآن المُعجز آيات كثيرة تحضّ المسلمين على السفر والترحال كقوله الحقّ في سورة الجمعة: “فانتشرُوا في الأرض وابتغوُا من فضلِ اللهِ واذكرُوا اللهَ كثيراً لعلكُم تُفلِحُونَ”. وفي سورة قريش قوله تعالى: “لإيلاف قريشٍ إيلافهم رحلةً الشتاءِ والصيف”. فقد كانت ممارسة التجارة كمهنة من أهم الأسباب التي شجعت العرب المسلمين على شدّ رحال السفر وقصد بلاد الهند والصين القصية وبلدان أوربية وأفريقية لجلب المزيد من البضائع والسلع الثمينة والنادرة مثل الحرير، القطن، التوابل، العطور من آسية، والفِرَاء، الشمع، المعادن من أوربة، والذهب والعاج والأخشاب من أفريقية. المسلمون والترحال ولعلّ من أهم أسباب السفر والترحال عند العرب المسلمين هو من أجل نُشدان طلب العلم والدعوة إلى الإسلام، وتأدية فريضة الحج، والتعرف على أحوال الناس، وتوطيد العلاقات السياسيّة بين الأمم المجاورة. وعندما تأسست الدولة العربية الإسلامية بقيادة الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام، وتوسعت أرجاؤها في عصر الخلفاء الراشدين رضيّ الله عنهم، وازدهرت في العصر الأموي في الشام، اتسعت رقعتها شرقاً وغرباً وامتدت حدودها حتى تُخُوم الصين والهند شرقاً وإلى الأندلس ـ إسبانية ـ غرباً، ونجح المسلمون في تأمين الطُرق التجارية البرية والبحرية في عموم الدولة الإسلامية، ولذلك أسسوا طُرُقاً ومسالك خاصة بالبريد، كما أسهموا في ربط القارات الثلاث المعروفة في ذلك الوقت بمراكز تجارية وحضارية، كان لها الأثر الكبير في توطيد العلاقات التجارية وتشجيع التجار على السفر براً وبحراً إلى هذه المراكز، والاتصال بشعوب أوربة وأفريقية وآسية. رحلة بحريّة لسليمان التاجر تلقي هذه الدراسة المُحققة الضوء على كتاب مهم ونادر، هو “عجائب الدنيا وقياس البلدان”، المنسوب لسليمان التاجر، وبدراسة وتحقيق الدكتور سيف شاهين المريخيّ والصادر عن مركز زايد للتراث والتاريخ التابع لنادي تراث الإمارات، وهو مخطوط يرجع إلى القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، والذي يرصد أنشطة اقتصاديّة في حركة الملاحة والتجارة، تجعله في دائرة المصادر المهمة للجغرافية الاقتصاديّة في العصور المهمة للجغرافية الاقتصاديّة في العصور الوسطى الإسلاميّة. وقد بذل الباحث المُحقق الدكتور سيف المريخي جهداً ملحوظاً في تناوله لتحقيق الكتاب الذي نسِبَ إلى سليمان التاجر، وهو عبارة عن وصف لرحلة بحريّة قام بها تاجر ورحالة عربيّ مسلم يُدعى “سليمان التاجر” إلى بلاد الهند والصين، وهو يدخل ضمن مصادر التاريخ الاقتصادية خلال العصور الوسطى، وقد ألفّه عام 237هـ ـ 815م، وهو كتاب فيه سلسلة التواريخ، والبلاد، والبحور، وأنواع الأسماك، وفيه علمُ الفلك، وعجائب الدنيا، وقياس البلدان، والمعمور منها، والوحش، وعجائب، وغير ذلك، وهو كتاب نفيس. وقد اشتملت دراسة المخطوط على عرض تاريخي تناول الرحلة والرحلات البرية والبحرية ودورها في توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين العرب المسلمين وبين شعوب العالم في الهند والصين وبلدان الشرق الأقصى وبلاد الروم وغيرهم من البلدان والممالك المجاورة لبلاد الروم. كما أوضح ـ الكتاب ـ وصفاً للرحلة من بدايتها وحتى نهايتها مع التركيز على الجوانب الهامة والمتعلقة بالطريق الذي سلكه صاحب الرحلة وملاحظاته عن تقاليد وعادات وتقاليد الشعوب التي مرّ عليها والمراكز التجارية التي قام بزيارتها وأهم مواردها الاقتصادية. فصلان ماتعان ضمّ الكتاب المخطوط على مقدمة، ووصف رحلة سليمان التاجر، المنهج العام لصاحب الرحلة، عنوان المخطوط، نُسخ المخطوط، وصف مخطوط المُصنف الأول، منهج الدراسة والتحقيق، والتي سنعرض لها في الأسطر الآتيّة. فقد تحدث سليمان التاجر في الفصل الأول من كتابه المنسوب إليه وضمن باب في البحر الذي بين بلاد الهند والسند وغوز وماغوز وجبل قاف وبلاد سرنديب وفتح أبو حبيش وهو الرجل الذي عاش من العُمْر مائتين وخمسين سنة. وكان في بعض السنين نزل في الماغوز، فرأى أبو حبيش الحكيم السواح، فأتى به إلى البحر، ورواه سمكة مثل الشراع... ثم تحدث عن بحر هركند الذي فيه: جزاير ـ جزائر ـ كثيرة يُقال إنّها ألف وتسع مائة جزيرة وهي فرقُ ما بين هذين البحرين لاروي وهركند، وإنّها جزيرة تملكها امرأة وهي عامرة بنخل النارجيل، وآخر هذه الجزائر سرنديب في بحر هركند وهي راس الجزائر، ثم عرض لأنواع الجزائر وما تتصفّ به من ميزات وغرائب وعجائب. أما عن “الطريق التجاريّ البحريّ من البصرة إلى الهند والصين” فتحدث عنه سليمان التاجر بحديث اسهب فيه عنه، حيث إنّ أكثر السفن الصينية تحمل من سيراف وأنّ المتاع تُحمل من البصرة وعُمان وغيرها إلى سيراف فيُعَبّى في السفن الصينية بسيراف وذلك لكثرة الأمواج في هذا البحر وقلّة الماء في مواضع منه. ثم أشار إلى مسار تلكم المراكب والسفن خال الرحلة الطويلة من البصرة إلى الهند والصين والموانئ التي تتوقف فيه السفن المُحملّة بالبضائع والسلع التجاريّة. وذكر أنّ في ناحية البحر سمكاً صغيراً يطيرُ على وجهِ الماء يُسمى جراد الماء، وذكروا أنّ بناحية البحر سمكاً يخرجُ حتى يصعد على النارجيل فيشرب ما في النارجيل من الماء ثم يعود إلى البحر! بعدها تحدث المؤلف عن عادات وتقاليد أهل الصين نحو لباسهم وطعام الأرز، وخبز الحنطة واللحم، وحول نساءهم وجعل الأمشاط في رؤوسهنّ، وربما كان في رأس المرأة عشرون مشطاً من العاج، والرجال يغطون رؤوسهم بشيء يشبه القلانس. أخبار بلاد الهند والصين عنوان الفصل الثاني من كتاب “عجائب الدنيا وقياس البلدان” لسليمان التاجر هو “أخبار بلاد الهند والصين أيضاً وملوكها”، إذ قدّم فيه الحديث عن أخبار أهل الهند والصين وملوكها، الذين يُجمعون على أنّ مُلوك الدنيا أربعة. فأوّل مَن يًعُدّون من الأربعة مَلِكُ العرب وهو عندهم إجماعٌ لا اختلاف بينهم فيه أنّهُ مَلِكٌ أعظم المُلُوك، أكثرهُم مالاً، أبهاهُم جَمَالاً، وأنّه مَلِكُ الدين الكبير الذي ليس فوقه شيء، ثُم يُعَدُّ مَلِكُ الصين نفسه بعد مَلِكِ العرب، ثم مَلِكِ الروم، ثم بَلّهَرا مَلِك المخّرميّ الآذان. وفصّل المؤلف في بيان كلّ واحد من المُلُوك الأربعة لصفاته وعاداته وفضائله على مملكته، وأشار إلى بعض العادات والتقاليد والغرائبيّة والعجائبيّة عند تلك الشعوب. فهناك مَن يُدعى”الدّرا” في كلّ مدينة وهو جرسٌ على رأس ملِكِ الصينيّ مربوط بخيط مادّ على ظهر الطريق للعامة كافة وبين المَلِك وبينه نحواً من فرسخٍ فإذا حُرِّكَ الخيط الممدود أدنى حركة تحرك الجرس، فمَن كانت له ظلامَة حرّك هذا الخيط فيتحرك الجرس منه على رأس المَلِكِ فيُؤذَن له بالدخول حتى يُنهي حاله بنفسه ويشرح ظلامته وجميع البلاد فيها مثل ذلك! الفروق والاختلافات أما عن عادات وتقاليد أهل الهند فأشار إليها التاجر، حيث روى الكثير من تلكم العادات عندهم، فمنها قوله: وأما بلاد الهند فإنّه إذا أدّعى رجلٌ على آخر دعوى يجب فيها القتلُ قيل للمُدعي: أتحامله النار؟ فيقول: نعم. فتُحمى حديدة ـ إحْماءً ـ شديداً حتى يظهر النار فيها ثم يُقال له: ابسط يدك. فتُوضع على يده سبعُ ورقات مِن ورق شجر لهم، ثمّ تُوضع على يده الحديدة فوق الورق، ثم يمشي بها مُقبلاً ومُدبراً حتى يُلقيها عن يده.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©