الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكنديون والانحياز لإسرائيل

17 فبراير 2010 22:03
لا أدري إذا كان المسؤولون في جامعة الدول العربية المكلفون بمتابعة ملف العلاقات الكندية - العربية قد انتبهوا بقدر مهم للتطورات الخطيرة التي تجري بهدوء وسرية في السياسة الخارجية الكندية، من أجل تمرير المواقف المنحازة لإسرائيل على حساب العلاقات الكندية مع العرب عامة والفلسطينيين خاصة. وثمة صورة عامة كانت سائدة في العالم العربي والإسلامي عن كندا المتسامحة وذات المواقف العادلة في قضية العرب والمسلمين الأولى قضية فلسطين؛ فمنذ منتصف القرن العشرين (وتحديداً منذ العدوان الثلاثي على مصر) وضع وزير الخارجية الكندي آنذاك إطاراً لسياسة بلاده، ظلت الحكومات الكندية المتعاقبة حريصة عليه، هذا الإطار يشمل (الحياد في الصراع العربي - الإسرائيلي، وتأييد قرارات الأمم المتحدة بخصوص فلسطين بدءاً من قرار التقسيم حتى مشروع الدولتين في فلسطين وخريطة الطريق... إلخ). لكن منذ وصول "المحافظين" الكنديين الجدد للسلطة منذ ست سنوات، ظلت تجري تحولات ومواقف معادية للعرب والمسلمين بدءاً من موقف رئيس الوزراء المحافظ الحالي "هاربر" من الحرب الإسرائيلية - اللبنانية الأخيرة، والذي رفض قولاً وفعلاً أن تقوم الدولة الكندية بترحيل مواطنيها الذين فاجأتهم الحرب وهم في لبنان، ومن بينهم أطفال وكبار سن كانوا يقضون عطلة في مسقط رأسهم لبنان، ذلك الموقف الذي استقبله الكنديون بالاستنكار والاحتجاج الشديد، وضغطوا عليهم حتى اضطرت الحكومة المحافظة عن التراجع واستأجرت سفنا تجارية لإعادة مواطنيها المحاصرين آنذاك. أدرك الكنديون عامة والعرب والمسلمون الكنديون خاصة أن "هاربر" المحافظ اليميني الذي رأس ائتلاف (أو تجمع أحزاب المحافظين المتشرذمة) هو نفسه "هاربر المحافظ"، الذي خرج من حزب الإصلاح اليميني المحافظ - الكاثوليكي. وظلت خطة معاداة العرب والانحياز التدريجي لإسرائيل تجري في هدوء وسرية وخطوات محسوبة، مثلاً فجأة أعلن الوزير المسؤول عن دعم المنظمات (منظمات المجتمع المدني غير الحكومية) أن وزارته قررت إيقاف الدعم المالي الذي تقدمه الدولة للاتحاد الكندي - العربي (المنظمة المدنية الجامعة للجاليات والجماعات العربية - الكندية) بدعوى أن الاتحاد ورئيسه المنتخب قد تجاوزوا الحدود، وأدانوا العدوان الإسرائيلي على غزة، وان الرئيس خطب في موكـب سلمي، وتلفظ بكلمـات في رأي الوزير تحرض على الكراهيـة ومعاداة السامية، وأصر الوزير على قراره الذي رفض بشدة من أعضاء البرلمان من الأحزاب الثلاثة المعارضة التي تشكل غالبية المجلس، إلا إذا فصل الاتحاد رئيسه ولجنته المنتخبة، واستبدلها بلجنة على مقاس سياسة حكومته وتحظى برضائه. اليوم وبرغم انهماك المجتمع المدني والسياسي بمأساة هايتي، قام "هاربر"- عبر إجراء ديمقراطي ماكر- بالسطو على "لجنة الحقوق والديمقراطية" التي تم تأسيسها بقرار من "مجلس العموم" منذ ربع قرن، والمكلفة من قبل المجلس بأن تكون ذراع الدولة الأهلي بالدعوة لحقوق الإنسان والديمقراطية في العالم، والتي تقوم بتمويل نشاطها وزارة الخارجية الكندية. كانت اللجنة بتشكلها الأول تضم شخصيات كندية معروفة بنشاطها في هذا المجال، لكن مشكلة "هاربر" أن غالبية أعضاء اللجنة شخصيات محايدة وشجاعة، ولم تتردد في انتقاد سياسته تجاه الفلسطينيين والعرب. وقد قدمت اللجنة دعماً مالياً للجنتين واحدة إسرائيلية (بتسلام) وأخرى فلسطينية (الحق) واللتين قامتا بمجهود عظيم وأصدرتا تقريراً مشتركاً أدان وجَرمَ الجيش الإسرائيلي على قتل الأطفال والعجائز المدنيين أثناء حربه الأخيرة في غزة، وهو تقرير متوافق تماماً مع تقرير مفوض الأمم المتحدة، الذي كلفه مجلس الأمن التحقيق في تلك الجريمة. ووافقت وزارة الخارجية (الممول الرئيسي للجنة) على تقديم الدعم الذي اقترحته اللجنة، لكن القرار لم يرض الأعضاء الكنديين المنحازين لإسرائيل وحلفائهم في اللجنة، واصطنعوا معركة ضد رئيس اللجنة وهاجموه بشكل فظيع، وشككوا في نزاهته واحتدوا معه في النقاش، مما عرضه لأزمة قلبية، أدت إلى وفاته بعد ساعات من الاجتماع. وكان الرئيس المتوفي قدم استقالته في الاجتماع لوزير الخارجية وتضامن معه أربعة من أعضاء اللجنة من بينهم سيدة أفغانية وأستاذ إيرلندي. وبرغم بشاعة ومأساوية الموقف انتهز رئيس الوزراء الفرصة، وقام بتعيين خمسة أعضاء من جماعته من بينهم المدير التنفيذي للاتحاد الكندي - اليهودي والرئيس السابق للاتحاد. وهكذا ضمن "هاربر" أغلبية أعضاء اللجنة الموالين له ولسياسته. هذه المسرحية التي جرت فصولها هذه الأيام، فتحت ملف سياسات "هاربر" الموالية لإسرائيل والمعادية للعرب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©