الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السندباد البحري

السندباد البحري
4 أكتوبر 2012
يجوبُ البحارَ ويشقُّ الأنهارَ ويكشفُ الأسرار يترصد الأفكار، والأقمار ويبحث عن الديار تلو الديار من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب يأتي يومٌ بعده آخر رحلة لا تنتهي لاكتشاف المجهول ليس بحثا عن رزقٍ بل مغامرات، وأسفار طوال كحال العراقيين الآن؛ كلُّ واحدٍ منهم يجوب البلاد مع العيال مرة هنا، ومرةً هناك ليس سياحةً أو استجماماً بل للبحثِ عن الرزق الحلال ِليؤكّلَ الأطفالَ يهرول من مكانٍ إلى مكانٍ والأطفالُ نيامٌ وعويلُ الصغارِ وثقلُ الأحمال وقلةُ الأموال وكلُّ الأيامِ متشابهة كلها لونٌ واحدٌ الصباحُ أسودُ والظهرُ أسودُ والليل أسود والجوع أسود والفقر أسود هذا هو الحال، ـ إن كنت تسأل يا سندبادُ عن الحال ـ علمْتَنَا الترحال وطرقَ الأبوابِ الثقال نستجدي وطناً لا يكون به قتالٌ، تبدِّلُ الغيوم ألوانها وتكسوها بضحكات الطيور وزقزقة الأطفال يا سندبادُ؛ كنتَ تحبُّ الأسفارَ لكنها علينا محال، نحن نحب البيت، وسقي الأشجار، وصحبة الأحباب والأصحاب َيعزُّ علينا فراق شارعنا الطويل والباص الذي ينقلنا من مكانٍ إلى مكان وهو يزمجرُ من كثرةِ التعب تحس وأنت فيه بأنه مركبةٌ فضائية وينقلنا من مَجَرَّةٍ إلى أخرى أحبُّ مخبزنا، والخبز: أبو (السمسم) و(التفتوني) والعطارات، و(النومي بصرة) و(سوق السراي)، و(المتنبي) والوجوه القديمة والناس الطيبين أزورُ (باب الشرقي)، و(باب المعَّظم) و(المنصور) أحنُّ (لنصب الحرية) و(ساحة الأمة) وأتبارك في (الكاظمية) و(الأعظمية) أمتّعُ نفسي في (شارع السعدون) وسينما: (أطلس)، و(الخيام) وفندق: (المنصور ميليا)، و(الشيراتون) أناجي نفسي وأدندنُ مع (أبي نواس) في الليالي القمرية مع السمك (المسقوف) واحتسي:عصير التفاح، وعصير الشعير أيامٌ وأيام يا سندباد؛ مللنا الترحال ونودُّ الاستقرار ورمي حقائب السفر حتى الحقائب هَرِمَتْ، وتَكَسَّرَتْ أسنانُها واهترأَ جلدها لقد تحملتنا كثيرا تحملت همومنا وشاهدتْ معنا أماكنَ لم ترها من قبلُ وهي تُرْكَلُ بمهانةٍ تريدُ الآن أن تُحالَ على التقاعد تريد أن تستريحَ ونحنُ مثلها لكن في أي وطن سيكون ذلك؟! وطننا قد غيروه بأناس غرباء دخلَ العجم فينا في كلِّ زاويةٍ كالفيروس الخبيث كالأفاعي، والقنافذ المسمومة بأشواكها تنشرُ رحيقها وتلوثُ أهلنا بسموم (التومان) والدولار تزرعُ الأحقادَ من أيامِ كسرى خرج الماردُ الآنَ من قمقمهِ من (قُمْ) وطهران يرشُّ الموتَ والدمارَ يا سندباد؛ ليس لنا قائد ولا ضابط، ولا رابط إنَّهم مجموعةُ أقزامٍ جاؤوا مع الغربان ليكونوا أسياداً بلا سلطان ليكونوا صوتا بلا لسان ليكونوا سيفاً بيد “زعران” إنهم كالقشة يأتي يوم ويطيرها النسيانُ مع الأيام إنهم كالريحِ صفراء سوداء لا بدَّ أن تشرقُ أرضُ العراقِ إن الرجالَ نائمون أو إنهم لم يولدوا بعدُ، في هذا الأوان يا سندباد؛ ليتك تعودُ من رحلتك لنوقظَ الأرواحَ والأحلامَ، والأمجاد لقد ضيعونا محو التاريخ، والجغرافيا، والإنسان القلم ينادي، والأوراق تبكي والألوان والأعراقُ تَسألُ؟ لماذا تتساقط الأوراق الخضراء الندية في كل يوم وهي تنادي واهٍ.. يا عراق وآهٍ.. يا عراق؟! أ لم ينهضِ الأبطالُ؟! الغربان سَدّوا عينَ الشمسِ في بلادي وكلُّ غرابٍ له ألفُ غراب يا سندبادُ؛ النسور، والصقور أكلت الحمائمَ والطيور والعصافير مقطعةَ الرؤوسِ في الطرقات تُفرفِرُ من سكرةِ الموت والثكالى والأرامل تنوحُ وتصرخُ بصمتٍ حتى الدموع لا تخرج من المُقَلِ كأنَّها الجبال العيون الحمراء تنزفُ دَمَاً نشفَ الوجهُ ويبسَ البدنُ واستكانَ الناسُ جالسين بلا حراك يطلعُ النَّفَس إلى الأعلى وفي أوقاتٍ كثيرةٍ لا ينزلُ.. * شاعر وفنان تشكيلي عراقي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©