الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاحتجاج الحضاري: رهان ثقافة حقوق الإنسان

17 فبراير 2010 22:02
تواجه بعض الأنظمة العربية أشكالا مختلفة من الاحتجاجات تتراوح بين الوقفات والمسيرات والتفجيرات والاغتيالات والانقلابات، مما يضع علامة استفهام حول مشروعية أساليب الاحتجاج ودورها في تحقيق التحرر والانعتاق والعيش الكريم، خاصة أنه كلما ازدادت درجة الاستبداد وخنق الحريات، زادت درجت عنف الاحتجاج. وعموما يتم ترسيخ القيمة بواسطة التربية التي ليست سوى نقل وتثبيت جدول من القيم والمبادئ في ثقافة مجتمع معين من قبيل المساواة والكرامة والحرية... ما يعني أن الحق يكتسب قيمته الحقيقية في مجتمع سياسي. والوعي بالحق دافع إلى الاحتجاج من أجله، ومعرفة الواجبات مسؤولية والتزام اجتماعي. بعبارة أوضح، إن ترسيخ هذا الوعي لدى الفرد هو الذي ينقله من كونه رعية (له واجبات فقط) إلى مواطن (له حقوق وواجبات)؛ ومن ثم فالمواطنة تتلخص في الوعي بالقيمة الحقيقية للفرد والجماعة. أما ارتفاع منسوب الجهل فيبخس من أهمية المطالبة بالتغيير، ويدفع إلى اليأس والتطرف والتدمير. وتشكل الصفات الأخيرة خصائص الإنسان المقهور الذي يشعر بالدونية والعجز واللاجدوى، ويمارس الاستبداد والاستغلال والتعذيب والتدمير الذي ليس سوى هروب من الشعور بالعجز إزاء العالم الخارجي؛ أو لنقل إنه رد فعل ضد الشعور بالتهديد. هكذا كلما ازداد الإحباط من الحياة ازداد الدافع نحو التدمير، وكلما تحققت شروط الحياة قلَّت قوة التدمير... ونموذج الحركات الدينية المتطرفة خير شاهد على ذلك. إن الحق في الحياة أهم بند في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مما يجعل التربية على حقوق الإنسان ترسيخا لطبيعته وجودا وتفكيرا وممارسة؛ بعبارة أوجز إنها عملية التنوير بصيغة الفكر المعاصر، أي بناء أسس عقلانية للعيش الكريم في نظام سياسي عادل يسمح بممارسة الحرية الفردية والجماعية. وهنا يجب التمييز أولا بين التربية على حقوق الإنسان، أي الوعي بالحقوق التي تجب المطالبة بها، والدفاع عن حقوق الإنسان أي رصد الخروقات. والاحتجاج هو "تحويل مطلب إلى سلوك فعلي في مكان عمومي". إنه سلوك إنساني. غير أن العاملين الفكري والنفسي يؤثران أيما تأثير في السلوك الاحتجاجي، لأنه قد يكون حلما مرضيا أو فكرة معقولة، كما قد يكون مجرد رد فعل انفعالي أو مزاجي. من هنا أهمية العلاقة بين الفكر الحقوقي والتربية على الاحتجاج التي يمكن أن تختصر في الأسئلة التالية: لماذا أحتج؟ ولأي غرض أحتج؟ ما الذي أحتج من أجله؟ هل يستحق فعلا الطلب؟ وكيف أحتج؟ هل ما يحقق بالاحتجاج يلبي فعلا المطلب أم يجانبه؟ مما يقتضي وجود أنواع مختلفة من القيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية. بعبارة أخرى، يلزم تحديد المطالب تحديد المسؤولية وأسلوب الاحتجاج، لذلك نتساءل: هل يكون الاحتجاج مؤطرا من قبل مؤسسة سياسية أو مدنية أم يكون عفويا؟ يسعى الإنسان جاهدا إلى تجاوز ما هو قائم، ويبحث باستمرار عن ما ينبغي أن يكون، وهذا ما يجعله طالبا للكمال، أو بتعبير جون بول سارتر "مشروع لم يكتمل بعد". وهذا التناقض بين "ما هو كائن" و"ما يجب أن يكون"، يشكل أساس الوجود الإنساني. إذا افترضنا أن جمعيات المجتمع المدني، ومن ضمنها الجمعيات الحقوقية، تقوم بدورها، فإنها تكون أمام مشكلة تتلخص في التساؤل: هل تكون التربية على الاحتجاج بتعليم بنود المواثيق الدولية أم بتعليم القيم الإنسانية؟ أيهما يؤدي إلى أسلوب احتجاج حضاري؟ إنه التعارض بين المبدأين:"الغاية تبرر الوسيلة"، و"الغاية نافعة والوسيلة ناجعة". بل إن السؤال الأخطر هو: أي أسلوب احتجاج يصلح لأي نظام سياسي؟ قد يكون الجواب هو أن أعنف نظام حكم لا يبرر استعمال العنف المادي مثال غاندي والاستعمار البريطاني، لكن في المقابل توجد الحركات التحررية في جنوب أميركا وإفريقيا، والحركات الجهادية المتطرفة التي تلجأ إلى العنف. إن التربية على حقوق الإنسان تحويل هذه الحقوق إلى قيم توجه السلوك، الأمر الذي يقوم على مسلمـة مفادها أن الوعي بالمبادئ والقيم يؤدي بالضرورة إلى السلوك طبقا لها. وعليه لابد للفكر الحقوقي أن يقوم بتصحيح المفاهيم ليقوِّم السلوكات. غير أن الأمر فيه نظر لأن العلاقة بين معرفة حقيقة القيمة وسواء السلوك علاقة احتمالية فقط، ذلك أن أغلبنا يعرف قيمة الصدق وأهمية الوقت ومضرة التدخين ومع ذلك نكذب ونخلف المواعيد وندخن.. إلخ. يوسف تيبس أستاذ الفلسفة المعاصرة - المغرب ينشر بترتيب خاص مع «مشروع منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©