الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحضارة الإسلامية لم تتحنّط

الحضارة الإسلامية لم تتحنّط
4 أكتوبر 2012
كثيرة هي الكتب التي تتحدّث عن العلاقة الصّعبة، والمتوتّرة بين الإسلام والمسيحيّة في عهود وعصور مختلفة، سواء في فترات الحروب الصّليبيّة أو في فترات الاستعمار، أو بعدها. وفي مطلع هذه ألألفيّة تجّدد الصّراع بين المسيحيّة والإسلام ، متّخذا أشكالا حادّة وعنيفة مثل تلك التي جسّدتها هجمات 11 سبتمبر 2001. وفي الوقت الرّاهن، وعلى ضوء أحداث أخرى مثل فيلم “براءة المسلمين”، ونشر صحف ومجلاّت غربيّة صورا كاريكاتوريّة مسيئة للرسول محمّد (صلى الله عليه وسلم)، تواجه العلاقات بين العالم الإسلامي والعالم الغربي مخاطر وتجاذبات قد تقود إلى صراعات عنيفة لن تكون لا في صالح المسلمين، ولا في صالح الغربييّن. ومطلع هذا الخريف، أصدرت دار “بايو” الفرنسيّة في السّلسلة المخصّصة للتّاريخ كتابا بعنوان “هؤلاء الأجانب المألوفون. المسلمون في أوروبا من القرن السّادس عشر حتى القرن الثّامن عشر”، وهو من تأليف المؤرّخة المرموقة لوسيت فالانسي والتي تصفه قائلة بأنّه “يصوّر الطّرق المختلفة والمتعدّدة التي عاش بها المسلمون في العالم المسيحيّ”. وكانت المؤرّخة المذكورة قد أصدرت في عام 2004 كتابا بعنوان “الإسلام في انشقاق” ردّت فيه على المفكّر الأميركي صامويل هنتغتون، لدحض نظريّته الشّهيرة بشأن ما سمّاه بـ”صراع الحضارات”. وعن كتابها الجديد هذا تقول فالانسي: “لقد ألّفته في وقت عسير للغاية، يعود إلى حقبة الرئيس السّابق نيكولا ساركوزي، وإلى حملته الانتخابيّة التي ركّز فيها على انتقاد عادات المهاجرين المسلمين في أعيادهم الدينيّة مثل ذبحهم للخرفان في الحمّامات، وتعدّد الزّوجات.. ثمّ ظهرت وزارة جديدة المسمّاة بـ”وزارة الهويّة”. وفي مجمل البلدان الأوروبيّة ازدادت الحركات العنصريّة انتشارا واشتدّ عنفها. وهذا ما أثبتته جريمة الشّابّ النّرويجي الذي قتل عددا كبيرا من شبّان وشابات بلاده بدعوى الدفاع عن الحضارة الغربيّة ضدّ الإسلام.. ومع الأزمة الاقتصاديّة ازدادت الأحوال سوءا. ففي اليونان مثلا، أصبح الملوّنون ملاحقين ومطاردين! في هذا الجوّ المشحون بالتّوتّر والعنف والخوف “شرعت في البحث عن حضور المسلمين في أوروبا في الماضي. وقد لفت انتباهي طرد الموريسكييّن من إسبانيا عام 1609. تمّ ذلك رغم أنهم اعتنقوا المسيحيّة منذ جيلين، أو ثلاثة أجيال. وبعضهم كانوا مسيحييّن مخلصين، صادقين. وقد جرّدوا من أرزاقهم، ثمّ طردوا شرّ طردة”. وتتابع فالانسي: “في كتابي استعملت كلمة التطهيرالعرقي، وهي كلمة جديدة غير أنها تتطابق تماما مع ما حدث في تلك الفترة”. وتعتقد لوسيت فالنسي أنّ العلاقات بين الإسلام والمسيحيّة ظلّت متوتّرة حتى القرن الثّامن عشر، وهو القرن الذي ظهرت فيه فلسفة الأنوار. فقد حدثت حروب تذكّر بالحروب الصّليبيّة. وما حصار العثمانيّين لفيينا إلاّ دليلا واضحا على ذلك. وكانت هناك نزاعات وصراعات داخل المجموعة المسيحيّة أفضت إلى خسائر بشريّة أكثر عددا من تلك التي حصلت في الحروب ضدّ المسلمين. وتعتقد المؤرّخة الفرنسيّة أن العلاقات بين المسيحيّة والإسلام تشهد راهنا توتّرات خطيرة على جميع الأصعدة. وهناك حروب حقيقية مثلما هو الحال في العراق، وفي أفغانستان. ويمكن أن تندلع حرب أخرى بسبب القنبلة الذريّة الإيرانيّة. وترى لوسيت فالانسي أن الخطب الملتهبة ضدّ الغرب، والتي ترتفع من الهند حتى المغرب، لم يسبق لها مثيل. والأمر الجديد بالنسبة إليها هو أن واحدا مثل راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الحاكمة الآن في تونس استغلّ فيلم: “براءة المسلمين” ليطالب بتطبيق الحدّ في البلدان الغربيّة ضدّ المسيئين، وهذا ما لم يحدث من قبل أبدا. فالتّونسيّ المسلم الذي اعتنق المسيحيّة في القرن السّابع عشر وأصبح يسمّى “دون فيليب” عاد إلى بلاده غير أنه أهين ولم يقتل. وعن الإسلامييّن الذين وصلوا إلى الحكم، تقول المؤرّخة الفرنسيّة: “الآن وقد وصل الإسلاميّون إلى السّلطة في بعض البلدان، فإنّه بإمكاننا أن نحكم عليهم اعتمادا على أفعالهم وليس على أقوالهم. وما نحن نعاينه راهنا هو أن الإسلام المعتدل الذي يقولون إنهم يستندون اليه لا يزال غير واضح الملامح. ففي تونس مثلا هم يريدون أن يضعوا في الدستور بندا يقول بأن المرأة مكملة للرجل. وهذا ارتداد على ما جاء به الدستور التي تمّ إلغاؤه. لكن لا بدّ من مواصلة القول بأنّ الإسلاميّين المتطرفين لا يمثّلون الحضارة الإسلاميّة. هذه الحضارة التي نحتفي بها في متحف “اللوفر” بعد أن تمّ افتتاح جناح “الفنون الإسلاميّة”. الإسلاميّون يريدون العودة إلى “الخلافة”، وينفون التاريخ الذي كان متنوّعا في الفضاء وفي الزّمن. وهو تاريخ يدلّ على أن هناك توافقات، واجتهادات حصلت بخصوص المشاكل التي تتميّز بها كلّ فترة. لذا يمكن ان نقول بأنّ الحضارة الإسلاميّة لم تتجمّد، ولم تتحنّط في القرن السابع”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©