الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصعايدة حرروا مصر

الصعايدة حرروا مصر
4 أكتوبر 2012
“حكاية ثورة الصعيد” كتاب يستحق القراءة والتأمل، إذ يتناول دور الصعيد وما قام به أهله أثناء الحملة الفرنسية سنة 1798، والذي حدث ان نابليون فور أن دخل القاهرة قرر أن يرسل الجنرال ديزيه على رأس حملة الى صعيد مصر، وكانت أسبابه عديدة، فقد هرب الى هناك مراد بك بعد هزيمته في امبابة، واخذ يجمع حوله فرسان المماليك والعربان والمقاتلين من الأهالي، وكان يمكن لمراد أن يزحف بجيشه من الصعيد الى القاهرة، كما يمكنه أن يحاصر العاصمة ويمنع عنها الإمداد القادم من الجنوب، فضلاً عن أنه يحرم بونابرت من عوائد الضرائب والمواد الخام بالصعيد، تحرك ديزيه بحملته من الجيزة وزحف جنوبا. دور مراد بك لا يهتم الكتاب كثيراً بدور مراد بك، ذلك ان مراد في نهاية الأمر سوف يعقد معاهدة مع الفرنسيين ويحكم الصعيد باسمهم، حتى أن اهالي الصعيد اطلقوا عليه “السلطان الفرنساوي” ذلك أنه تعب من المقاومة فتصالحا معاً ضد المصريين، ولعب مراد دوراً في إجهاض ثورة القاهرة الثانية مع الجنرال كليبر. يحتفي الكتاب بمعارك ومقاومة الاهالي لغزو ومحتل اجنبي وطأ ديارهم، وسجلوا بطولات حقيقية، في كل قرية ومدينة تقريبا، ويهمنا هنا عدة أمور من ابرزها ان الأهالي كانوا يدركون ان الجيش الفرنسي اقوى منهم تسليحا وتدريبا، كان لدى الفرنسيين المدافع والبنادق، والقدرة على التخطيط العسكري الحديث، ولم يكن لدى الاهالي سوى سلاحهم التقليدي من سيوف وغيرها، ومع ذلك لم يستسلموا، ولم يفقدوا ايمانهم بالقدرة على دحر العدو، وصحيح انهم تحملوا الكثير من الخسائر، قتل المئات منهم واحرقت بيوتهم ومزروعاتهم، لكنهم لم يفقدوا ايمانهم بواجب الدفاع عن بلادهم وديارهم، ولأنهم اكثر ادراكا وعلماً بجغرافية المكان، لذا كبدوا الفرنسيين الكثير من الخسائر، وكانت مقاومتهم أحد الأسباب القوية التي دفعت كليبر الى أن يفكر جدياً في التفاوض على الخروج النهائي من مصر بحملته. الجغرافيا تصنع احداث التاريخ، أو تسهم في صنعها بقدر كبير، في مناطق الوجه البحري بمصر واثناء المقاومة كان البحر المتوسط مصدرا للدعم القادم من الدولة العثمانية، أو من بلاد الشام، فضلاً عن حدود سيناء، اما في الصعيد. فجاء الدعم من عرب الحجاز، هؤلاء كانوا يعبرون البحر الأحمر بطرقهم، وينتشرون في مناطق الصعيد التي كانوا يعرفونها جيدا، ويعرفون عائلاتها، وشاركوا في المقاومة بأعداد كبيرة وكان هناك ايضا بعض القادمين من اليمن، وشكل هؤلاء جميعا مصدر قلق للفرنسيين ولا يعرف كثيرون عمق العلاقة بين جانبي البحر الاحمر تاريخيا، منذ العصور القديمة، حتى قبل الاسلام، إنها ضرورات الجغرافيا. معارك المنيا في إحدى المعارك بالمنيا يوم 23 ابريل عام 1799 اجتمع حشد من الاهالي يتراوح بين ثلاثمئة الى اربعمئة، ومثلهم من المكيين أو عرب الحجاز في قرية “طهشا” جنوب المنيا، وقد استعدوا لمهاجمة الجالية الفرنسية المتواجدة بالمنطقة، واستمرت المعارك ثلاثة أيام حقق فيها الاهالي والعرب بعض الهجمات الخاطفة، واستعمل الفرنسيون ثلاثة مدافع، وانتهت العمليات بما يزيد على ستين قتيلا في الجانب المصري، واكثر من 150 جريحا بين الاهالي والمكيين، أما الخسائر في الجانب الفرنسي، فقد قدرها الفرنسيون بعشرة من القتلى الى جوار 27 جريحا، وفي احدى المعارك ضم جيش مراد بك اكثر من الفي مقاتل جاؤوا من جدة وينبع وغيرها، ونظراً لأن المقاتلين من الاهالي ومن العرب الحجازية كانوا أكثر إلماماً بجغرافيا المنطقة، فإن خطة مراد قامت على انهاك الجيش الفرنسي في مناطق الصعيد النائية والمتباعدة، ومع قسوة الطبيعة التي لم يعتدها الجنود الفرنسيون فإنهم انهاروا معنويا. ويبدو أن ميناء القصير كان مصدر ازعاج للفرنسيين، كان مصدر المدد الى الصعيد عبر البحر الاحمر، وازداد القلق لديهم بعد ان علموا بوصول بعض السفن الانجليزية الى البحر الاحمر في المسافة بين جدة والقصير، ولذا وصلوا الى المدينة واحتلوها، كانت قرية صغيرة وقتها ورغم ان الجيش الفرنسي تمكن من احكام قبضته على الصعيد وتوقيع المعاهدة مع مراد بك في 5 ابريل عام 1800 لم تتوقف المقاومة يوما في أي موقع، وهذا ما اقنع الفرنسيين بضرورة مغادرة مصر نهائيا وهو ما حدث بعد عام بالضبط. ولم نكن نعلم الكثير عن المقاومة في الصعيد إلا من خلال اعترافات ومذكرات قادة الحملة وضباطها انفسهم، ذلك أن مصدرنا الاكبر حول الحملة هو عبدالرحمن الجبرتي المؤرخ العظيم، لكنه كان مقيما في القاهرة، ولذا ركز عليها ولم يهتم بالقدر الكافي بتفاصيل ما جرى في الصعيد وكذلك في الوجه البحري، ولأن مصادر الحملة هي المتاحة فلا نستبعد اهمالهم أو عدم تركيزهم على كثير من الجوانب الايجابية في المقاومة المصرية، ومع ذلك، فإن ما ذكروه يكشف وحشية الجيش الفرنسي في قمع الانتفاضات وعمليات المقاومة، كانوا يحرقون قرى بأكملها وبيوتا على ساكنيها، ويضربون الآمنين كما حدث في جزيرة فيلة بأسوان، واذا كانت المقاومة تكشف الجانب الوطني للاهالي في الدفاع عن بلادهم فإنها تكشف زيف الادعاء بأن الجيش الفرنسي جيش نابليون جاء الى مصر والمنطقة لينشر فيها النور والحضارة. المعنى المهم في هذا كله وفي الكتاب الذي بين ايدينا أن المقاومة والدفاع عن الوطن ضرورة ولها الكثير من الايجابيات مهما كانت قوة العدو المهاجم وزيادة تسليحه وتنظيمه، هذا هو الدرس الذي يجب ان نتذكره اليوم وغدا، وليت الآخرين يتذكرونه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©