الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كارين آرمسترونغ: أخجل من أفعال الكولونيالية

كارين آرمسترونغ: أخجل من أفعال الكولونيالية
26 يناير 2011 19:48
لا تنظر الباحثة البريطانية من أصول إيرلندية كارين آرمسترونغ إلى نفسها بوصفها باحثة في علم الاستشراق، بل تذهب إلى ما هو أصعب من ذلك فهي ترى في نفسها مؤرخة في حقل علم الأديان المقارَن وباحثةً فيه، هذا الحقل المعرفي الصعب الذي تصب إليه روافد من علوم أخرى كالاستشراق والأركيولوجيا كما يتأثر على نحو بالغ بالممارسات الدينية الراهنة في العالم وكذلك سلسلة الأزمات بين الأديان التي للبعض منها جذور ضاربة في تاريخ المنطقة بالنزعة الضدية، إن لم نقل الصراع، بين هذه الأديان. أيضا فإن تأويل النص الديني، إذ هو عرضة للتأثر بزمانه ومكانه، يعتبر ركيزة من الركائز المنهجية في حقل علم الأديان المقارن، الأمر الذي يتطلب من الباحثين فيه ثقافة عالية بطبيعة نشأة الأديان والسياق التاريخي الذي ظهرت فيه ثم الطبيعة التي استقر عليها هذا الدين أو ذاك وأثره في الثقافات المعاصرة والكيفية التي تُشتَقّْ عبرها السياسات وبالتالي أثره على النزاعات القائمة في العالم ومدى إسهامه في الصورة المتكونة راهناً وقديماً لدى كل طرف من أطراف هذه النزاعات عن نفسه وعن الطرف الآخر. إن علم الأديان المقارَن علم متطلِّب يحتاج إلى ثقافة شخصية وعلمية رفيعة مثلما يحتاج إلى موضوعية ونأي بالذات عن أي تأويل يأخذ المرء للانحياز نحو هذا الدين أو ذاك. كارين آرمسترونغ، التي بدأت حياتها الروحية راهبة كاثوليكية، هي من هذا النوع الفريد من العلماء في حقل علم الأديان المقارّن، بل إنها تّعدُّ الآن واحدة من أهم علماء هذا الحقل الفريد من نوعه وشديد التعقيد، حيث تتسم كتبها غالباً بالبساطة على مستويي الفكرة واللغة وإيصال المعلومة في الوقت الذي تبدو فيه أفكارها مثيرة حقاً للجدل وللفضول المعرفي في الوقت نفسه. يكشف هذا الحوار، عن فهم واضح وجليّ للواقع الراهن للصراعات في العالم وتحديداً في المنطقة العربية، حيث تحتل الديانات موقعاً متميزاً تعيد باستمرار تشكيل صورة الآخر عند الأنا عندما تفرط في ابتعادها عن الاعتدال والوسطية بل والرحمة بحسب ما تقول آرمسترونغ التي ما تزال تتمسك بنظرة خاصة تجاه العرب والمسلمين لا تخلو من رومانسية ما. غير أن مناسبة هذا الحوار المباشرة هي زيارة كارين آرمسترونغ لدبي مطلع مارس المقبل حيث من المقرر أن تشارك في مهرجان طيران الإمارات للآداب الذي يُقام في “فيستفال سيتي” خلال الفترة ما بين الثامن وحتى الثاني عشر من الشهر نفسه. وتبعاً للبرنامج الذي نُشر مؤخراً على الموقع الالكتروني للمهرجان فإن آرمسترونغ سوف تتحدث عن مبادرتها التي أطلقتها في العام 2008 تحت العنوان: “مبادرة من أجل الرحمة” مساء الحادي عشر في فندق “الانتركونتيننتال” في “فستفال سيتي”. وبالطبع لم يكن لهذا الحوار أن يجري لولا سعي كريم من إدارة المهرجان وتحديداً السيدة إيزابيل أبو الهول مديرة المهرجان وطاقم العمل، فلهم جميعا جزيل الشكر. ما يلي نص الحوار الذي جرى عبر الانترنت: ? نشعر بالسعادة لأننا سنراكِ هنا في دبي، هل من مشاعر لديكِ تجاه المنطقة العربية بوصفها مفهوما (دينيا) أو فكرة؟ ? أشكر لكم هذا الترحاب، أنا أيضا سعيدة جدا لأنني سأكون هنا. أزور الشرق الأوسط منذ قرابة الثلاثين عاما وإنها المنطقة التي لطالما أحببت. كان اتصالي بالمسلمين هنا قد ألهمني إلى دراسة الإسلام والتاريخ الإسلامي اللذين أصبحا مصدر إثراء عظيم لحياتي. ? بالنسبة لي شخصيا فقد قرأت بالعربية ثلاثة كتب على الأقل لكارين آرمسترونغ، فهل يعني لكِ شيئا أن تترجم كتبكِ إلى العربية تحديداً؟ ? إنه لشرف لي أن تُترجم كتبي إلى العربية. فذلك يعني أن هناك تصرفا عظيما تجاهي. وعندما يكون هناك توتر كبير بين العالم الإسلامي والغرب، أشعر بأنني نشطة جدا ذلك أن المسلمين يستجيبون لأعمالي على نحو واسع. عندما بدأت الكتابة عن الإسلام للمرة الأولى، قال لي أصدقائي الغربيون إن المسلمين سوف لن يوافقون على أن تكتب امرأة عن نبيهم وعن تقاليدهم. لكنهم كانوا مخطئين. لكن المسلمين كانوا من أوائل الناس الذين أخذوني على محمل الجدّ بوصفي منتجة أفكار في علم الأديان ومؤرخة في الحقل ذاته. بالتالي أنا ممتنة إلى حدّ بعيد لذلك. الأسطورة.. حقيقة ? إذا كانت الأسطورة هي جوهر الدين بمعنى ما، فقد شعرت أحيانا أنكِ تتحدثين عن الخبرة الروحية في التجربة البشرية أكثر مما تتحدثين عن “تاريخ الأسطورة”، عنوان آخر كتبكِ التي تُرجمت إلى العربية وصدرت هنا في دبي وأتحدث عنه، فما تعليقكِ؟ ? لست متأكدة تماما مما تعنيه بـ”جوهر الأسطورة”، لكن في “تاريخ الأسطورة” تحدثت عن معنى وأهمية ما يُدعى بـ”علم الأسطورة”. اليوم ـ في الغرب على الأقل ـ فقد قُلّل من أهمية الأسطورة إلى حدّ بعيد ونعتقد أنها تعني شيئا ما هو ليس بحقيقة أو واقع. يقول سياسي الأسطورة قصة سفيهة فهي لم تحدث أبدا. لكن قبل عهد العلوم، أدرك الناس في الثقافات كلها أن الأسطورة أكثر من مجرد تاريخ؛ وأنها جسدت معنى حدث ما؛ وأنها عالجت مسائل أعمق كما عالجت المظاهر المراوغة والمحيّرة للحياة، تلك المظاهر التي ليس بوسعنا أن نضعها في كلمات؛ ولقد ساعدتنا على التعاطي مع العالم الأكثر جوانية للنفس، وكانت أيضا المخطط للفعل البشري. لن تفهم مغزى حقيقة الأسطورة، إن لم تضعها في سياقها التطبيقي. إن فهم الطريقة التي استخدمنا فيها الأسطورة يعلمنا الكثير فيما يتصل بالتعلق بالقيم الروحية للتجارب الإنسانية. ? مباشرةً، تضرب الديانات الإبراهيمية جذورها عميقا في الأسطورة القديمة وتقاليدها التي أوجدتها حضارات المنطقة العربية القديمة، كيف تنظرين إلى هذا الأمر بوصفكِ مؤرخة وعالمة في حقل علم الأديان المقارَن؟ ? إن الديانات التوحيدية الثلاثة تضرب بجذورها في منطقة الشرق الأوسط؛ ونمت بعيدا عن التقاليد التي كانت كائنة (تقصد السابقة على هذه الأديان) هنا، وأخذت هذه التقاليد إلى أبعاد مختلفة. أنظرُ إلى هذا الأمر بوصفه هدية خاصة، تلك التي منحتها المنطقة للعالم، فنقلت هذه الغراس إلى المناطق الأخرى التي قامت (بدورها) بتأويل هذه التقاليد تبعا للأفكار الثقافية التي تملكها كل منطقة. هذه هي الطريقة التي أصبح عبرها عالم الأديان العظيم منتشراً كله. علاقات الأديان ? هل من نتيجة توصلتِ إليها في سياق البحث عن إجابة من نوع: لماذا تأسست الأديان الإبراهيمية هنا في المنطقة العربية وليس في الغرب أو آسيا البعيدة كالصين أو الهند أو اليابان على سبيل المثال؟ ? الله وحده يدرك ما الإجابة عن هذا السؤال! غير أن العالم العظيم للتقاليد الدينية قد تطور في أربع مناطق متمايزة من العالم: الصين والهند والشرق الأوسط واليونان التي أنجبت للغرب الفلاسفة العقلانيين هم الذين تأثروا بالإيمانات (جمع إيمان) التوحيدية على نحو عظيم. ? من البداية، شهدت العلاقة بين الأديان الإبراهيمية علاقة ضدية إلى حدٍ ما نتيجة لهذا الظرف التاريخي أو ذاك، الآن وفي هذه الأيام، هل ما زال الصراع هو ذاته الصراعَ القديم؟ ? لقد أصبحت هذه الديانات عالمية الآن، إنما بسياقات مختلفة، وأحيانا يجري توجيهها لتحقيق أغراض سياسية راهنة. لقد وقّر القرآنُ التوراةَ والإنجيل. وفيه طلب الله من المسلمين أن يتحدثوا بكياسة إلى “أهل الكتاب” (تكتبها كما هي لكن بأحرف انجليزية). قولوا لهم: “نحن نؤمن بما أنتم تؤمنون به؛ إلهكم هو إلهنا”. لقد أجَلَّ القرآن نبيَّيْ هذه التقاليد الدينية كليهما. غير أن للصراع بين هذه الإيمانات مصدرين: الأول منهما هو الإفراط في الغرور والأنانية الإنسانيين، فنرغب دائما بأن نعتقد أن إيماننا هو الأفضل لأن ذلك يسند إلى الأعلى إحساسنا بالذات ويمنحنا إحساساً قويا بالهوية. لكن الدين يفرض علينا الذهاب إلى ما وراء هذه الذات؛ ببساطة، تخلى الإسلام عن تلك الذات المفرطة في أنانيتها التي بوسعها أن تقودنا إلى تقصّد تشويه سمعة الآخرين كي نعزز من أنفسنا. أما المصدر الأخير للصراع فهو السياسات، بحسب ما تقول. والسياسات غالبا هي سياسات وطنية (تخص دولة أو قومية بعينها) أو هي سياسات فريق من المفرطين في الأنانية والغرور بذاتهم (الدينية). إن الإشكاليات السياسية، من مثل الامبريالية الغربية والصراع العربي الإسرائيلي، قد أفسدت العلاقة بين الإيمانات (التوحيدية). لقد امتص الدين الصراع وأضحى جزءاً من المشكلة. منطقة حميمة ? روحياً، وبعد مرور هذا الزمن كله، هل ما زالت المنطقة العربية مثيرة للفضول الروحي من وجهة نظركِ؟ ? هذه المنطقة حميمة بالنسبة لي بوصفي مؤرخة في عالم الدين، لأنها المكان حيث وُلِدَ التوحيد. عندما زرت فلسطين، كانت مثيرة جدا للمشاعر ومشيت في تلك الأماكن التي حفّزت فيّ التأمل لسنوات طويلة كوني راهبة كاثوليكية. أحببت زيارة الصحراء اليهودية (تقصد هنا صحراء النقب فصحراء سيناء المتصلة بها حيث جرى ما يعرف بالتيه اليهودي لأربعين عاما، رغم أنه لا أثر أركيولوجيا يشير إلى ذلك وما من هناك سوى أماكن عبادة مسيحية) تلك التي وجدتها ملهمة ورائعة. إن واحدة من أمتع اللحظات في حياتي هي عندما قدت السيّارة من القدس إلى البحر الميِّت، ذلك المكان الأكثر عُمقا في العالم في فترة مبكرة من الصباح عندما كانت الشمس تشرق بأشعتها على الصحراء. لقد حرّكت مشاعري بشدة تلك اللحظات لأكون في العربية السعودية، المكان الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلّم (تكتب العبارة الأخيرة على هذا النحو من الاختصار تماما: PBUH) على الرغم من أنني بالطبع لم أزر “مكة” أو “المدينة”. في السياسة ? أخيرا، وباختصار، ماذا عن الصراع في الشرق الأوسط؟ أهو صراع ديني أم كولونيالي؟ وهل لديكِ موقف راهن تجاه مستقبل الراديكالية الدينية إجمالا أو تجاه هذا الإفراط في التطرف؟ ? أشعر بالخجل من ما تقوم به الكولونيالية الغربية ومن الامبريالية التي تواصل، عميقا، تأثيرها في المنطقة وسياساتها. نحن البريطانيين لدينا قَدْر من الإجابة على ذلك: لقد لعبنا دوراً خطيراً في انطلاق الصراع العربي الاسرائيلي. وما يثير الانزعاج في هذه المسألة أنها تحتمل أن تكون أكثر تسارعا. عندما يكون الصراع مزمنا في منطقة، فإن بوسعه أن يؤثر في كل شيء تفعله: أحلامك وعلاقاتك وطموحك ودينك أيضا. كانت حداثتنا عنيفة على نحو درماتيكي بحيث أصبحت المنطقة قابلة لامتصاص البعض من هذا العنف الذي يحدث في كل مكان وليس في الشرق الأوسط وحده، ببساطة. عندما يشعر الناس أن تلك السياسات السائدة سوف لن تستجيب لاحتياجاتهم، فإنهم يسقطون في اليأس ما يعزز من الطرائق غير المشروعة (التي ينتهجونها لتحقيق العدالة). لكن ما من أحدٍ منّا ـ شرقا أو غربا ـ يحتمل هذا المستوى من العنف والكراهية. في عالم تتكاثر فيه، حتى اليوم، المجموعات الصغيرة على نحو متزايد فإنها سوف تمتلك قوة التدمير وامتياز دولة الأمة، إلا إذا تعلمنا كيف نعالج باحترام أكثر وبرحمة الواحدَ منّا تجاه الآخر، سوف لن نملك (بعيدا عن ذلك) عالما قابلا لأن نسلمه للجيل المقبل. إننا نحتاج إلى ديمقراطية عالمية، حيث كل الناس يصغون إلى كل الناس، وليس إلى الغني والقوي. لذلك فإن هذا هو (منطلق) لماذا بدأت بمبادرة “ميثاق من أجل الرحمة” بهدف دعوة الإيمانات الدينية إلى العودة نحو المبدأ الأساسي الرحيم ذلك الذي يجيز لنا احترام أي آخر. ينبغي علينا أن نتعلم العمل معا، وأن نستخدم تقاليدنا الدينية الرحيمة من أجل تعطيل الأصوات النازعة إلى التطرّف ومن أجل أن نبني أخوية كونية، فحسب، حيث بوسع أناس كلّ الإيمانات والأجناس والأعراق العيشَ بسلام واحترام. هذا هو الواجب الفَرْض الديني تجاه الجيل المقبل. إن أية إيديولوجيا تُحْدِث البغضاء تُعجز عن اختبار زماننا. عنوان الموقع الرسمي لـ”ميثاق من أجل الرحمة” هو التالي: www.charterforcompassion.org
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©