السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نقل الفن التشكيلي من القصور الملكية إلى الشارع

نقل الفن التشكيلي من القصور الملكية إلى الشارع
28 فبراير 2008 04:48
يعتبر الرسام الإسباني فرانسيسكو غويا (1746 - 1828) في تصنيفات تحولات الفن التشكيلي ''أبوالفن الحديث''، وقد ظهر في تاريخ الفن التشكيلي العالمي بعد نهاية ما اصطلح على تسميتها ''الفترة الباروكية'' أو الفترة الكلاسيكية، ناقلاً الفن من كلاسيكية جديدة كانت سائدة في بداياته وأثرت به تأثيراً كبيراً، وكانت تصور الحياة المصطنعة والنظرة المصطنعة إلى العالم، تجمده في صورة نمطية تفتقر إلى الحياة في العالم الحقيقي· ولكن سرعان ما انتقل بتحولاته إلى أسلوبه الخاص، الذي يتعامل مع الحياة الواقعية والحقيقية للبشر عبر حياتهم في الشوراع· وقد ساعدته في ذلك التحولات في العمل التي شهدها طوال حياته· فقد أسس من خلال أعماله الفنية المتصلة بحياة البشر العاديين، وتصويره لبشاعات الاحتلال الفرنسي لإسبانيا، الاتجاهات الفنية الحديثة التي سادت في القرن التاسع عشر· سيرة مضطربة ولد فرانسيسكو غويا في مدينة سرقوزا الإسبانية في 30 آذار من العام ،1746 عمل وهو ما زال شاباً مراهقاً مساعداً للفنان الإسباني خوسيه لويس، وهو فنان محلي في سرقوزا، شكل مدخل غويا لعالم فن الرسم· ولم يمض وقت طويل في هذا العمل، حيث غادر إلى مدريد في عمر 17 عاماً، ليبدأ مسيرته الفنية متأثراً برسامين كانا يعملان في مدريد، وهما تيبولو آخر الرسامين الفينيسيين الكبار، والآخر هو الرسام أنطونيو رفائيل· حاول في عام 1763 دخول الأكاديمية الملكية لسان فرناندو، وتقدم لمسابقة القبول التي تجريها الأكاديمية، لكنه فشل في تخطيها والدخول إلى الأكاديمية· سافر إلى روما في العام 1766 ليواصل دراسة الفن خارج الإطار الأكاديمي، وكان يعيش على حساب عمله الفني الذي استمر في ممارسته في إيطاليا، ثم عاد إلى إسبانيا في العام 1770 ليعمل في تلوين نماذج جصية في كنائس سرقوزا بلده الأصلي· مرحلة الصعود بدأ صعود غويا الفني في بلده إسبانيا مع زواجه من جوزيفا باييه أخت الفنان فرانسيسكو باييه في العام ،1773 حيث عاد مرة أخرى محاولاً التسجيل في الأكاديمية الملكية، ونجح هذه المرة في الدخول إليها· تنقل كثيراً في عمله، بالرغم من أن كل الأعمال التي مارسها كانت تتصل مباشرة مع الفن، وهذا التنوع في العمل أعطاه خبرة حياتية كبيرة، أثرت في أعماله الفنية، وكان من أهم تجاربه العملية التي أثرت على فنه، عمله مصمماً للصور والنماذج في مصانع القماش الملكية· فقد عمل في العام 1775 في تصميم صور القماش لهذه المصانع، وكانت هذه الفترة من الفترات المهمة في تطوره الفني، رسم فيها أعماله الأولى من مشاهد الحياة اليومية العادية، كما أن تجربته في العمل في مصانع القماش الملكية، ساعدته على مراقبة السلوك البشري للعمال والبشر العاديين· وفي هذه الفترة من حياته تأثر بالكلاسيكية الجديدة، واكتسب أسلوبها الذي تجاوزه في أعماله اللاحقة، وهي شكلت مساهمته الأساسية في تاريخ الفن الحديث، وجعلت أعماله أقل تكلفاً وأكثر تلقائية· في حين حظي نتاجه المصور للحياة العادية بتلقائية عالية، وجسد أعمالاً تفوقت فنياً على سابقاتها· استمر عمله في تصميم النماذج لمصانع القماش الملكية حتى العام ·1792 في هذه الفترة ذاتها أصبح غويا فناناً مكرساً، وحقق شهرة وشعبية في أوساط الأرستقراطية الإسبانية من خلال أعماله التصويرية لشخصيات نخبوية بأعمال مبدعة· سوداوية الفنان تعرض للمرض في العام ،1792 مما أصابه بصمم دائم، وجعله سوداوي المزاج، كما سيطرت عليه التخيلات المرعبة والهواجس التخيلية الرديئة، وأخذ يهجو البشرية جمعاء، ويبدي ملاحظات نقدية قاسية للتجربة الإنسانية· في هذه الفترة تطور أسلوبه تطوراً جريئاً، فقد حررت سوداويته أسلوبه من كل القيود، وأخذ يرسم بأسلوب قريب من رسوم الكاريكاتور، وفي تلك الفترة نشر مجموعة لوحات سوداوية منها لوحته ''حلم عقل''، وهي لوحات يهجو فيها الحماقة والضعف الإنسانيين· في العام 1795 صار غويا مديراً للأكاديمية الملكية للفنون حتى العام ·1797 وبحلول عام 1799 أصبح الرسام الرسمي للملك تشارلز الرابع· بالرغم مما رسمه من لوحات تصور بشاعات الاحتلال الفرنسي لإسبانيا، فإنه عمل رساماً في قصور الاحتلال الفرنسي أثناء حرب الاستقلال الإسبانية بين عام 1808 إلى العام ،1814 ولم تنشر لوحاته التي تصور هذه البشاعات إلا بعد وفاته· مع عودة الحكم الملكي الإسباني بعد رحيل الاحتلال الفرنسي، صدر عفو عن غويا بسبب خدمته وتعامله مع الاحتلال الفرنسي، ولكنه لم يُرحب به في القصر الملكي الإسباني بعد ذلك· العزلة بعد هذه المسيرة الطويلة، وبعد نبذ القصر الملكي له، اختارغويا حياة العزلة، وكانت عزلته في بيت خارج مدريد، حيث عاد ليشتغل على أسلوبه الشخصي السوداوي من جديد، ونفذ بعض أعماله الفنية على جدران منزله· وقد مثلت أعمال هذه الفترة، على تفاوتها، أكثر الأعمال ظلمة ورعباً وسوداوية بين أعمال غويا الفنية· وفي العام 1824 فشلت محاولة لإعادة حكومة تحررية للسلطة في إسبانيا، اختار بعدها غويا أن يذهب إلى المنفى طوعاً، استقر في جنوب فرنسا حتى وفاته في 16 نيسان ·1928 مكانته الفنية شكلت أعمال غويا الفنية علامة فارقة في الفن التشكيلي العالمي، وهو يعتبر الفنان الذي نقل الفن التشكيلي من القصور الملكية إلى حياة البشر في الشوارع بشكل حاسم، مما جعله يكسب لقب أبوالفن الحديث· وشكلت أعماله، في فترة النضوج بشكل خاص، ردة فعل واضحة المعالم على المفاهيم التي كانت قائمة عن الفن في بداياته الفنية، كما شكلت اعتراضاً على الأساليب الفنية المتبعة، والتوظيفات الشكلية للتعبير الفني في اللوحة أيضاً· وفي إطار عمله، الذي امتد على مدار أكثر من 60 عاما، طور غويا أدواته التعبيرية ومفاهيمه الفنية، فقد بقي يعمل على لوحاته حتى وفاته وهو في سن الثانية والثمانين· وأهمية الفترة الطويلة التي قضاها غويا في حياته لا تكمن في التحولات الفنية التي شارك فيها، وكان أحد أهم رموزها فحسب، بل تظهر أيضاً في التحولات التاريخية التي شهدتها أوروبا أثناء حياته الطويلة، حيث هي في شبابه لا تشبه نفسها في شيخوخته·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©