السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قلائد أبوظبي.. من جمان

قلائد أبوظبي.. من جمان
26 يناير 2011 19:44
حين تدخل القاعة، تبتدئ بلوحة كبيرة، لوحة تحمل تاريخاً ورمزاً، تاريخ وطن وأرض وتراث يمتزج فيها الحاضر والماضي برموز تحملك بعيداً ثم تأتي بك إلى اللحظة الراهنة، وفي نهاية طرفها الأيسر ترى البحر الممتد حتى الأفق. تخطو قليلاً وسط القاعة، فتحيط بك الأعمال، ألوان مختلفة وحجوم غير متطابقة ورؤى متعددة، هدوء وضجيج، وانفعال فرشاة ورقتها، وتأنٍ وعجالة، وبحر وصحراء، وحيوان وإنسان وعيون ونظرات. أشياء مبهرة، وتصورات لعالم من الماضي وربما لعالم من المستقبل، قلائد من جمان على رقاب نساء أفريقيات وعمامة هندية على رأس فتاة بعينين واسعتين وهالة من نور تحيط وجه فتاة بيضاء، ووجه بيكاسوي داخل مربعات كثيرة، وأشرعة مفتوحة للريح، حقول خضراء ممتدة إلى أفق باهت، ومدن لا تزال في عذريتها، وأخرى بدأت تشيخ، وثالثة تعانق البحر ورابعة تتاخم الصحراء. من وسط القاعة ـ وللمصادفة حقاً ـ تتجاور على يمينك لوحات متجانسة الألوان يطغى عليها الألوان الباهتة، وتتجاور على يسارك لوحات متجانسة ألوانها هي الأخرى حيث يطغى عليها الألوان الحار، تلك هي الحقول البعيدة وهذه هي عوالم أفريقيا. وفي البعيد عند عمق قاعة المعرض تواجهك منحوتات مذهبة صاغتها يدا فنان أراد أن يخطف في نظراته العالم، في تأسيسه لمفهوم المنحوتة التي تقارب اللوحة في بعديها الثنائيين طولاً وعرضاً بعيداً عن الأبعاد الثلاثية للتمثال طولاً وعرضاً وعمقاً. خصائص ومهيمنات هم 7 فنانين، جاؤوا من القارات الخمس، الإنجليزي اندروفيلد، والأوغندي سعيد علي صوفي، والنيوزلندي بروس سبينسر هيل، والباكستاني علي حماد، والإيطالية جيوفانا ماجوجلياني، والأميركي سام فيكس، والنحات البلغاري سيفيلين بتروف، الذين قدموا 55 عملاً فنياً توزعت بين 49 لوحة تشكيلية و6 أعمال نحتية خاصة بالفنان بيتروف ضمن معرض أقامته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث وحمل عنوان “معرض الرؤى السبعة” لمجموعة أبوظبي الفنية وهي جماعة من الفنانين أخذت على عاتقها مهمة الارتقاء بمكانة الفنون التشكيلية في مدينة أبوظبي. حاولت الفنانة الإيطالية جيوفانا ماجوجلياني من خلال أعمالها الـ “5” التي تصدرت المعرض أن تكشف رؤيتها من خلال: 1 - اللون 2 - الشخوص 3 - الحركة 4 - الظلال ففي لوحاتها المعنونة “إنجازات أبوظبي” و”السيدة ودلة القهوة” و”ابنة سيثز” و”وجه فتاة هندية 1 و2” أن تقدم رؤيتها اللونية وكأنها تطابق بين المعنى واللون، باستخدام الزيت على الجمفاص ضمن أحجام كبيرة تميزت بها لوحاتها حيث بلغت أبعاد “إنجازات أبوظبي” 200*100 سم والأخريات 80*80 سم. في “إنجازات أبوظبي” تعانقت الألوان، في فضاء رحب وكأنها تقدم مدينة من الفرح في استخدام كامل لمساحة اللوحة بل إن فضاءها يمتد إلى الفراغ حولها، الفراغ اللامرئي فالأصفر والأزرق والأسود والاخضرار الشفيف تمثل معنى جزئياً لكل بقعة في اللوحة في بناياتها الممتدة عالياً وفي فضاء بحرها الذاهب بعيداً ولم تستبعد جيوفان الموروث فوضعت له أيقونات هنا وهناك بشكل لا يدعو للإفراط. وكأنها تريد أن تقول أشياء في رمز واحد. في لوحاتها الأربعة الأخرى، وجوه وعمائم وظلال محسوبة بدقة والتفاتات مبتسمة لوجوه مشرقة، تحس بين ثناياها يجلس الجمال وبالرغم من انتماء هذه الأعمال لعالم الشرق إلا أننا نرى فيها لمسات من الفن الإيطالي في محاولة لتأكيد عاطفة فياضة تبوح بها اللوحة بشكل غير مبالغ فيه. جيوفانا ماجو جلياني خريجة المدارس الإيطالية حيث درست في أكاديمية بوستو ارسيزيو الفنية بين عامي 1975 ـ 1976 وشاركت في 5 معارض بأبوظبي وإيطاليا وانضمت إلى مجموعة أبوظبي الفنية العام الماضي. أشكال ومدن وتتجاور قرب لوحات جيوفاني أعمال الفنان الأميركي سام فيكس وهي “12” عملاً تشكيلياً حملت عناوين “أساس الغرفة” و”موقف المدينة” و”فيلا” و”عبر الماء والشجر” و”طاولة طويلة”. استخدم الورق والزيت والفحم، وراح بعيداً يلتقط عناصر متعددة أهمها بانوراما المدن وزواياها، وأبنيتها وأشكالها المربعة، في محاولة لأن تقدم انطباعاً عن بقعة ما من عالم مدينة ما، عن بقعة ما من زاوية في جسد ما، عن مزهرية فوق طاولة، عن التفافة شارع في مدينة، عن شجرة وحيدة، عن بيوت متعانقة، بدت رؤيتها متجسدة في: 1 - الاخضرار الطاغي 2 - البيئة 3 - التكثيف 4 - امتلاء الفضاء في لوحته Bedroom Furniture يبدو الكرسي والأريكة في حالة حلم بطغيان الأبيض، ومن خلال City Park نجد خلال المدينة بطغيان الرصاصي ومن خلالLong table نجد الطاولة والمزهرية بطغيان الأخضر الشفاف. في لوحات سام فيكس نجد البيئة، الأشياء تتعانق، تحكي ضمن إطار من رحلات قام بها في بنيات تبدو واحدة، إنها سيرة ذاتية لمدينة عاش بها الفنان أو مرّ بها. استخدم فيكس الألوان الباهتة تعبيراً عن الذاكرة البعيدة غير المحسوسة الآن بشكل كامل، إنها ظلال ذاكرة بعيدة، ظلال عالم بعيد، وكأنه يحاول الإيحاء ـ الآن ـ باللوحة عن ذلك المنظر الطبيعي أو الصورة المتخيلة. يقول فيكس “تدمج هذه اللوحات رحلاتي وذكرياتي والبيئة التي تحيط بي لتحقيق نوع من المنتجات التي تشبه السيرة الذاتية والتي يتم تخيلها بقدر ما يتم تذكرها وإدراكها، أحياناً تكون الصورة التي يمكن التعرف عليها أكثر وضوحاً، وأحياناً يكون مجرد الإيحاء بمنظر طبيعي أو صورة داخلية واضحاً وجلياً في الفراغ المحطم الذي يثير الأحلام والذكريات التي لا نكاد نتذكرها”. تلك هي فلسفة فيكس في الرسم وتشكل اللوحة حيث نجده يرى فيها الذكريات وعدم الإحساس بالمباشرة من خلال إخفاء الفضاء الواقعي إلى فضاء شعوري والإيحاء باللامكانية التي أخذها من المكان الواقعي ذلك. ولد فيكس في مدينة فيلادلفيا بأميركا، انتقل إلى أبوظبي 2009 فوجد الهامة في هذه البيئة الجديدة المليئة بالحركة المستمرة والسكون الهادئ، حصل على البكالوريوس في جامعة نيوهامشير 1999 وأقام معارف كثيرة في أميركا وانضم إلى مجموعة أبوظبي الفنية عام 2010 في معرض مرسم مطر بدبي. واقعية وكلاسيكية وسريعاً ننتقل إلى واقعية باذخة، وكلاسيكية عميقة، وحركات بطيئة لفرشاة فنان مقتدر، هو الباكستاني علي حمّاد في أعماله الـ “8” الزيتية على الجمفاص والتي جسدت براعة الحدود بين الجزئيات والاستخدام الأمثل للون المطابق لما هو طبيعي وضبط أوزان اللوحة التي هي: 1 - الأبعاد 2 - الواقعية المحضة 3 - التجانس بين المتخيل والواقع 4 - الألوان والظلال حملت الأعمال عناوين “عمامة حمراء” و”حصان سباق يستريح” و”امرأة مكتئبة” و”الرقص” و”الغزال العربي” و”الوقت” و”القتال” و”بدون عنوان”. في لوحة The red Turban نجد اللون الخمري، الملفت، وكأن حمّاد يعرف تماماً أن هذا اللون هو المبهر في اللوحة وعليه ارتفع لديه إلى “عنوانها” حيث نرى بياضاً في فضاء اللوحة ووسطه بعقد خمرية تحيلنا إلى زمن مضى، زمن العمامة ولونها الأخاذ وكلاسيكيتها المكتنزة. في لوحته القتال The Fight نجد كلبين بلونين مختلفين الأبيض والكاكاوي يتصارعان، هنا يعتمد حمّاد والحركة التي تعني العناية بأبعاد اللوحة والبحث عن التجانس بين المتخيل والواقعي، الواقعي في لحظة عابرة من القتال والمتخيل في لحظة أبدية في اللوحة، جامدة في حركتها السريعة، متحركة في جمودها البطيء. يقبص حمّاد على الصحراء والحيوات والشخوص والبيئة. في لوحته Untitled بدون عنوان، لا تحمل شيئاً ملفتاً سوى أنها - بمجملها - هي الملفتة، رجل من الشرق يحمل أسراره، حكاياته، ضعفه، هدوءه، سكونه، غرابته، نظرته الخائفة، وحوله جداراً مهترئاً، وأرضية ممزقة - رجل بقدمين عاريتين. رسم حمّاد الظلال فأبدع، وانفراج القدمين، والتفافة العمامة وانسراح اللحية البيضاء وطيّات قماش ردائه التقليدي، أخفى يده اليسرى وأظهر اليمنى وكأنه قد أظهرهما معاً. لاشيء مخفياً في اللوحة إلا العواطف والأحاسيس التي تحتار كيف تفسرها. لماذا يقف الرجل هكذا؟ هل ثمة أمر ما أزعجه؟ أم أنه يستعد للقطة تجسد مجمل همومه وحياته؟ تخرج حماد من كلية الفنون الوطنية في لاهور بباكستان ويعمل مدرساً للرسم في مسرح دبي الاجتماعي ومركز الفنون وانضم إلى مجموعة أبوظبي للفنون عام 2008. انطباعية وفنتازيا بدت أعمال النيوزيلندي بروس سبينس هيل الـ “6” ذات رؤى انطباعية في إطار من محاولة الإبهار والسطوع واتخاذ الفنتازيا مجالاً للتأثير، في لوحاته نجد عناصر مجتمعة تخصه لوحده هي: 1 - الألوان الحارة 2 - الألوان الباهتة 3 - العيون المدوَّرة يتحاور الأزرق والأحمر والأصفر في لوحات بروس، في أعمق أعماق اللون، وتتحاور عيون الوجوه في أعلى تجلياتها وأبصارها المدهش. في لوحته الأفق والعمارات Horizons and Towers ازرقاق فظيع وكأن السماء بلونها المزرق تحتوي المدينة، يحاول فيها هيل أن يقدم رؤية خاصة بالأزرق المتدرج من شفافيته الرقيقة إلى تكثيفه العالي. وقد تتساءل هل هي انطباعية أن تعتمد عيوناً ليست ككل العيون، عيون ليست جميلة وإنما هي ملفتة. تخرَّج هيل من مدرسة اوتاجو النيوزيلندية وحلق في فضاء الفن 35 عاماً وهو مؤسس مجموعة أبوظبي الفنية عام 1999، حيث أعاد إحياء هذه المجموعة عام 2008 من مقهى “دلما” في المجمع الثقافي لتكون المجموعة حلقة وصل بين الفنانين المشاركين فيها. في هذا المعرض تجلى الفنان الانجليزي اندروفيلد في لوحاته الـ 6 كيف يحاور الطبيعة ويتألم للبيئة في مرحلة انطباعية مهمة، يدخل فيها طرفاً ضمن تحاور تشكيلي بالزيت عن الجمفاص وتمثيلي باستخدام مواد تعبر عن الحشائش عن ضفاف الأنهار الطبيعية هنا تشكو، تتألم، تنطق، البحر يفقد ازرقاقه، وثمة شاطئ بدأ يفقد اصفراره ولا يكتفي اندروفيلد بذلك بل يضمن لوحاته موقفاً بالتعبير اللغوي أعلى اللوحة عن هجوم الحضارة الشرس على الطبيعية الفانية. تكاد تظن أنها لوحة واحدة التقط فيها العالم من زوايا متعددة، لكنك تشعر بأن الألم ليس واحداً. يرسم اندروفيلد على طريقة المزج بين الوسائط المبنية على المناظر الطبيعية التي شاهدها أثناء انتقاله في أنحاء أوروبا وإقامته في الإمارات. إنه يريدنا نعي الطبيعة حيث يعتمد طريقة النظرية الآلية لترجمة قوى الطبيعة. معالم أفريقية في لوحات الأوغندي سعيد علي الـ “10” أعمال نجد الرؤى الأفريقية حيث تجاورت فيها: 1- التكعيبية 2- الموروثية 3- الألوان 4- الاحتشاد اشتغل سعيد علي على تجانس اللون والشكل الهندسي المجرد، حيث الجمال والوجوه الأفريقية والآلات والمربعات والمستطيلات والظلال، والخطوط المستقيمة وأمواج الرمال. كل شيء يتحول إلى الحس الأفريقي في فرشاة سعيد علي. وجوه سعيد علي بيكاسوية أفريقية، فالشفاه الغليقة والعيون الواسعة وتصفيف الشعر بأشكال أفريقية وأيقونات الزيتية المتدلية من رؤوس النساء والجرار الملونة واللباس ذو الألوان الحارة هي عالم سعيد علي. الشكل الهندي لدى سعيد مجرداً، في لوحته Al Ain Oasis واحة العين تبدو البهجة واضحة في اللوحة.. تقترب لوحاته في حجمها 80*80سم، وما بين التكعيب والانطباعية يقودنا سعيد علي إلى عالم عميق في أفريقيا. وفي الفضاء الداخلي للمعرض نلتقي برموز النحات البلغاري سيفيلين بيتروف في أعماله النحتية الـ “6” حيث يقدم لنا رموزاً يوتوبية من ثقافة الإمارات، رموزاً لعالم يجمع بين القواقع والأسماك والشعاب المرجانية والخط العربي والعين المبصرة الدافعة للحسد. في 3 أعمال نحتية، أولها نحت حروفي من الجبس المطلي باللون الذهبي نقرأ اسم المغفور له الشيخ زايد رحمه الله في شكل كالكمثرى وفي عملين آخرين نجد أبوظبي بتاريخها ومستقبلها وحاضرها وخطوط الفنان الإماراتي محمد مندي تجسد براعة تشكل مدينة وحرف: في عمله النحتي وسط القاعة يركب سيفيلن الرموز فوق بعضها وكأنه يقدم ثقافة منطقة “منقار الصقر” و”عين على الفضاء” و”قوقعة سوداء” و”عشب زاحف” و”امرأة يجسد وجه وقناع” و”طير وشراع”. يحاول سيفيلين استفاق الرخام في جسد انسان وامرأة تجريديين كما يحاول أن يقبض على حركة الزمن في لحظة عابرة. هنا تكتمل زيارة هذا المعرض من عمق قاعة المسرح الوطني بأبوظبي، حيث تحيط بنا رؤى 7 فنانين تعاملوا مع العالم بطرائق مختلفة فصوروه بنظريات ومدارس تقرأ ما حولها بأفكار وتاريخ ومناهج.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©