الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

آلات الطرب.. وثائق تاريخية محفورة على صفحات المخطوطات الفنية

آلات الطرب.. وثائق تاريخية محفورة على صفحات المخطوطات الفنية
11 أكتوبر 2013 20:12
إذا كانت الموسيقى هي الفن السمعي الأقدم والأوسع انتشاراً في حضارات الإنسانية بما فيها الإسلامية، فإن الفنون التطبيقية كانت صاحبة الفضل الأكبر في التمكين لهذا الفن عبر قيام الفنانين بإنتاج وصناعة الآلات الموسيقية وبرسم هذه الآلات في المخطوطات للتعريف بكيفية العزف عليها، فضلاً عن توثيق العديد من منتجات الفنون الإسلامية لمجالس الطرب والموسيقيين، التي طالما حفلت بذكرها المصادر التاريخية. وعبرت الفنون الإسلامية عن ولع البلاط في الممالك الإسلامية المختلفة بالموسيقى عبر تصويرها لمناظر الطرب في منتجات شتى أهمها الخزف والأخشاب والعاج والمعادن. وفي ذلك السياق احتلت آلة العود الوترية أو «البربط»، كما كان يشار إليها في المصادر التاريخية مكانة الصدارة، حيث نراها مراراً وتكراراً بين أيدي عازفين أو عازفات. البريق المعدني ومن أقدم الأمثلة الفنية المعروفة طبق من الخزف ذي البريق المعدني ينسب إلى العراق أو إيران في القرن الثالث الهجري 9 م وقد توسطه رسم شخص يلبس غطاء رأس يشبه القبعة، وقد أمسك عوداً بيده اليسرى، بينما يعزف على أوتاره بيده اليمنى، وتكرر المنظر ذاته بطريقة فنية أكثر حيوية في الأخشاب الفاطمية التي عثر عليها في بيمارستان قلاوون، حيث نرى مناظر لعازفات على العود واعتبرت تلك النقوش المحفورة بدقة في الخشب من بين أنشطة البلاط الفاطمي، خاصة أن هذه القطع يعتقد أنها كانت تزين بعض جدران القصر الفاطمي الغربي الكبير. ونجد صدى لذلك الاهتمام الملكي بالموسيقى في رسوم أطباق الخزف ذي البريق المعدني الفاطمي، ومنها جزء من طبق بوسطه رسم شجرة ربما إشارة لأن المكان هو حديقة غناء يجلس فيها أمير يستمتع بأنغام عود يعزف عليه موسيقي في مواجهته، ومن الغريب أن الفنان رسم العود بأربعة أوتار فقط على الرغم من أن الموسيقي الشهير زرياب كان قد أضاف وتراً خامسا للعود قبل أكثر من قرنين من تاريخ صناعة هذا الطبق في القرن الخامس الهجري11 م. عزف على العود وهناك طبق آخر من ذات الفترة تظهر به جارية تعزف على العود وقد توزعت حولها أقداح الشراب ربما تعبيراً عن تلازم الطرب مع المجالس بالبلاط الفاطمي. ونجد أحد مناظر الطرب الشبيهة بذلك منقوشاً على عملة تذكارية من عصر الدولة البويهية بالعراق وقد ضرب هذا الدينار الذهبي بمدينة السلام أي بغداد في عام 365هـ وعلى أحد وجهيه نقش لرجل جالس، وهو يعزف على العود وهو ما يعد تعبيراً ضمنياً عن رفاهية البلاط وعنايته بالفنون. ومن الفنون التطبيقية ذات الصلة بالموسيقى العاج، الذي صنعت منه بعض أبواق الصيد الشهيرة في المتاحف العالمية، ومنها ما صنع في الأندلس وصقلية وهي أبواق تصدر أصواتاً عميقة بغرض استخدامها للتحذير في أوقات الصيد بالغابات والبراري. وقد حرص الفنان المسلم على تزيين هذه الأبواق بالحفر العميق الذي يشمل دائماً مناظر صيد تظهر فيها الطريدة التي يسعى الصياد خلفها. مزمار مزدوج ومن العاج أيضاً نجد على أحد الصناديق الأندلسية حشوة حفر بها منظر طرب فريد في معناه، إذ يوضح فرقة موسيقية تتألف من عازف للعود أو ربما عازفة يصاحبها عازفان أحدهما ينفخ في مزمار مزدوج والآخر في بوق يشبه أبواق الصيد العاجية. ويعد هذا المنظر التصويري من الدلائل القوية على ما نعرفه من كتب التاريخ حول عناية أهل الأندلس بالموسيقى منذ قدوم الموسيقي الأشهر زرياب من بغداد للإقامة بالأندلس وقد ترك الرجل أثراً كبيراً ليس فقط على الموسيقى الأندلسية، بل وعلى نمط الحياة الاجتماعية بالبلاد. ومن الشرق الإسلامي نجد أيضاً مناظر للطرب والموسيقى من أجملها منظر رسم على علبة مرآة صنعت في إيران خلال القرن الثاني عشر الهجري 18م من ورق معجون ونفذ الرسم باللاكيه المتعدد الألوان وهو يصور جارية تعزف على آلة وترية تشبه العود، ولكنها طويلة العنق مما يرجح أنها آلة البزق المشهورة لليوم في الموسيقى التركية، بينما يشاركها سيدها العزف بالنقر على دف كبير. وإلى جانب تلك المنتجات التطبيقية حفلت المخطوطات الإسلامية أيضاً بالعشرات من مناظر الطرب التي توضح أنواع الآلات الموسيقية المستخدمة في سياق تمثيلها لما كان يجري من حفلات أو مجالس للطرب تشارك فيها الجواري، خاصة بالعزف والغناء معاً. عزف المقامات وقد استخدمت الموسيقى العسكرية بشكل كثيف في العصر العثماني، حيث دأب الخلفاء على إلحاق فرقة الموسيقى العسكرية بالجيوش المحاربة لحفز الهمم وزيادة حماسة الجنود، وهو ما سجلته بعض الصور في المخطوطات التركية المصورة. ومن المخطوطات التي أفردت للموسيقى كتاب ألفه كماني خضير في القرن الثاني عشر الهجري 18م باسم تفهيم المقامات وهو يحوي رسوماً تفصيلية لبعض الآلات الموسيقية ومسميات أجزائها المختلفة وكيفية عزف المقامات الموسيقية عليها، ومن صور هذا المخطوط واحدة للقيثارة ذات الأوتار الستة وأخرى للربابة ذات الأوتار الثلاثة وقد سجلت معها مسميات أجزاء الآلتين الوتريتين مع شرح مبسط لكيفية عزف المقامات المختلفة عليهما. والعناية بصفة عامة بالموسيقى منحت آلات مثل العود طابعاً فنياً من الجمال، حيث طعم دوماً بالعاج والصدف، وما برحت تجارة الآلات الموسيقية التي تستخدمها الشعوب تزدهر في مدينة كاشجر المعروفة اليوم في الصين باسم سينكيانج وتلقى هذه الآلات إقبالا كبيراً ضمن منتجات أخرى يتم تداولها في السوق الأشهر في الشرق الأسيوي. قصة حب أندلسية من أجمل تلك الصور وأكثرها تعبيراً ما نشاهده من تصاوير في نسخة مخطوطة من كتاب بياض ورياض تحتفظ بها مكتبة الفاتيكان بروما وهي تمثل قصة حب أندلسية بين بياض وفتاة جميلة تعرف باسم رياض، فهناك صور تمثل رياض تعزف العود أمام النساء وأخرى شهيرة تمثل بياض وهو يعزف على العود، بينما تستمع إلى عزفه بياض مع زمرة من النساء. ونجد صدى لهذا الاهتمام الأندلسي بالموسيقى في صور أسبانية معاصرة تعود لعهد ألفونسو العاشر ملك قشتالة في القرن 13م وهي تصور عازفين أحدهما يعزف على العود وآخر على آلة وترية تعرف في التراث الموسيقي العربي بالربابة. ولم يتخلف الشرق الإسلامي عن الركب فنرى بين مخطوطاته عدداً هائلاً من مناظر الطرب التي توضح أدوار الموسيقى، سواء في القصور أو في أوجه النشاط المختلفة المدنية والعسكرية أيضاً، ففي مخطوط من كتاب الكواكب السيارة تحتفظ به المكتبة البودلية بأكسفورد نرى صورة لرجل وامرأة في قاعة بقصر امرأة تضرب الدف لمغنية تشجي الحضور ببعض أغانيها، ونرى نسخة من مقامات الحريري محفوظة بالمكتبة الأهلية بباريس فيها صورة توضح خروج الناس في موكب الحج قاصدين مكة، ويبدو منها أن قوافل الحجيج ببغداد كانت تغادرها على وقع قرع الطبول ونغمات الأبواق تعبيراً عن الفرح وتنبيها للناس بموعد الخروج للحج.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©