الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

هل حقاً أنّ اختيارها أضحى مسألة استراتيجية؟

30 يناير 2007 02:25
الاتحاد - خاص: أشياء مثيرة كانت تحدث في المطابخ الإعلامية الغربية لدى اختيار الصور للبث أو للنشر عن الحرب الأخيرة في لبنان· هذه ليست مسألة روتينية، بل إنها تخضع لمنطق استراتيجي معيّن··· أن يقول أحدهم إن الصورة معادل فني للقنبلة الذرية (من حيث التأثير الإشعاعي)، فيما يرى آخر أن قوة الصور في الحرب الأخيرة جعلت التغطية الأصعب في التاريخ المعاصر· ولكن أليس لافتاً أن يقول مدير ''التايم'' إن صورتين مأسويتين من لبنان وسوريا نُشرتا جنباً إلى جنب من أجل التوازن الفني لا الإيديولوجي؟ هذا ما يتناوله التحقيق التالي: حين نغسل دماغنا·· هذه مسألة روتينية أن يفكر الصحافي لدى اختيار الصورة، وسواء للصفحة الأولى، أم للصفحات الداخلية، الصفحة الأخيرة، وكما قال ''صلاح جاهين'' ذات يوم، هي المكان ''الذي نغسل فيه دماغنا من كل الأرواح الشريرة التي علقت فيه''· هذا باعتبار أننا نعيش في عالم متلاطم، وأن معظم الأخبار تتراوح بين الأسود والرمادي (مروراً بالأحمر)· الآن، اختيار الصورة أضحى مسألة استراتيجية· ولعل اللافت أنه خلال الحرب التي شنّتها إسرائيل على لبنان، وعلى مدى ثلاثة وثلاثين يوماً (مع أن مسلسل الصور لم يتوقف)، أثيرت هذه المسألة في صحف عالمية بارزة من بينها الـ''نيويورك تايمز''· الصورة هي الصورة، حتى وإن اختلفت الزاوية التي تُلتقط منها· في لحظة ما، بل وأمام جاذبية اللحظة، لا يمكن للمصوّر أن يفكر بخلفية ما غير الخلفية المهنية· ثمة حالة ويفترض أن يسجلها حتى ولو كانت لا تخدم خطه السياسي أو الخط السياسي للصحيفة التي يعمل فيها· المهم ألا يقف محايداً، أو متواطئاً، ضد الحقيقة· ترسانة الآلام في بعض الصحف الفرنسية، أو في أكثرها، كان التركيز على الصورة الأكثر هدوءاً، وإن خرجت ''لونوفيل اوبسرفاتور'' عن ذلك بعد مجزرة قانا، ليسأل أحد الكتّاب ما إذا كان العالم قد أصبح ميتاً إلى هذا الحد بقبوله، ضمناً، بأن يبقى الشرق الأوسط ''ترسانة الآلام''؟· في صحف غربية كثيرة صخب لافت لدى اختيار الصور التي كانت ''تختنق'' على بعض الصفحات· تظهر صور باهتة، وأقل تأثيراً، بعدما استنفرت المؤسسة اليهودية امكاناتها للحيلولة من دون حصول أي تحوّل في الرأي العام، حتى الأقنية التلفزيونية التي تتنافس عادة في نقل الأحداث الدرامية، لم تترك لكاميراتها العنان· عدد من المصوّرين التلفزيونيين البارزين الذين غطوا الوقائع اللبنانية بجرأة باهرة، كانوا يصدمون لأن المحطات التي يعملون فيها كانت تختزل الأشرطة على نحو ''يقتل الحدث''· هذه القضية كانت تناقش في لوبي الفنادق التي كان يحلّ فيها الصحافيون· عادة الصحافي، في مثل هذه الظروف، لا يستطيع إلا أن يكون ساخناً· البعض كان يقول: ''الصحافي يعيش داخل القنبلة''، حتى عندما تنفجر القنبلة·· صورة··· البُعد الواحد إنّ ''دان غيلرمان''، مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، هو الذي قال لنظير له في نيويورك: ''أرجو ألا تبني بلادك موقفها على الصور، هذه لا تتناول سوى بُعد واحد من الأبعاد الكثيرة للأزمة''· ولكن هل هناك مَن يستطيع تبرير الميكافيلية الدموية في بناء السياسات؟ الصورة شفافة جداً· في الـ''نيويورك تايمز'' يقولون إن الشخص العادي، أو المثقف، يجلس مساء أمام الشاشة، في مثل هذا الوقت يكون الإنسان أكثر إنسانية لأنه ابتعد عن تفاصيل النهار الضاغطة، والمدمرة أحياناً· يتابع الصور التي على الشاشة· هذه تعلق في ذاكرته وتتراكم لتشكل، بالضرورة، موقفاً سياسياً· وكان مثيراً أن الديبلوماسيين الإسرائيليين في أميركا وأوروبا لم يكونوا يتحملون الحد الأدنى من الصور التي تلتقطها الكاميرا· استنفروا كل الوسائل للحدّ من طوفان الصور، فيما لوحظ هجوم بعض أركان اللوبي اليهودي على شبكة الـ''سي·ان·ان'' لأنها ''كانت تشنّ غارات تلفزيونية على الرأي العام الأميركي والعالمي''· المصوّر لا يستطيع إلا أن يلتقط الصور الأكثر تأثيراً· إنه يعيش الحدث بكل تعقيداته، وأحياناً كثيرة بكل قتلاه· في لبنان، كان الوجه الأكثر تراجيدية أن الأطفال شكلوا ثلث القتلى والجرحى· هذه نسبة مروعة· كان هؤلاء يقضون تحت الأنقاض، وكانوا ينتشلون وتظهر وجوههم بجلاء· أطفال موتى· إنه مشهد هائل· ما هو أكثر هولاً أن الصور غابت عن العديد من وسائل الإعلام· الصدفة، السوداء بطبيعة الحال، هي أن معظم الأطفال أو كل الأطفال الذين سقطوا على الجانب الإسرائيلي هم من العرب· بالطبع، لا أحد قطعاً مع قتل الأطفال اليهود، فالأطفال هم الأطفال، ومجلة ''تايم'' الأميركية التي نشرت صورتين ''متوازنتين'' من لبنان وإسرائيل استعادت، في التعليق، عبارة للرئيس السابق ''جيمي كارتر'' يقول فيها: ''لن نتعلم أبداً كيف نعيش سوية بسلام إذا لم نتوقف عن قتل أطفالنا''· رئيس مجلس إدارة الـ''سي·ان·ان'' اعترف بصعوبة تأمين التوازن القطعي في بث الصور، لأن الأشياء التي على الأرض لا بد أنها تميل في مواجهة معينة· المسألة لا تتعلق فقط بعدد الجثث، وإنما بالطريقة التي يقتل فيها الناس· ويقول ''بيل كيلر''، مدير التحرير في الـ''نيويورك تايمز'' ان بالإمكان التحكم بالكلمات، أو صياغتها بصورة معينة، أو حتى بتبريدها· المسألة مختلفة مع الصورة التي لا تستطيع إلا أن تكون جارحة بالكامل وحقيقية بالكامل· بعبارة أخرى، الصورة لا تتحمل أي تعديل· تلك لحظة وتجمّدت في لحظة ما· أي تعديل يعني تدمير الحدث· قنبلة أخرى تقتل الحقيقة· هذه قضية ضمير بالنسبة للكثيرين، ولكن بالإمكان إلقاء الصورة جانباً، أو تصغيرها، أو تهريبها على الصفحة· قنبلة ذرية·· ''كيلر'' يقول أيضاً إنه في صراع مثل ذاك الذي اندلع أخيراً يخضع اختيار الصور لمجموعة من العوامل، من بينها نوعية الصورة، تفردها و(الأهم) ملاءمتها· كيف؟ يضيف: ''لا نقول أبداً إننا في الأمس أظهرنا ضحايا لبنانيين أبرياء، واليوم يفترض أن نظهر ضحايا إسرائيليين· مهمتنا، على الدوام، هي أن نبيِّن نتائج الحرب''· ويرى ''ديفيد فريند''، المدير الفني لـ''فانيتي فير'' والمدير السابق لقسم التصوير في مجلة ''لايف'' الأميركية، انه في حيز جغرافي محدد، وضيّق نسبياً، وحافل بكل ذلك الدوي، فإن الصورة هي المعادل الفني للقوة الذرية· أكبر طاقة ممكنة في مكان محدود لا يمكن إلا أن تنفجر''· واللافت أنه عندما نشرت ''التايم'' صورة أمّ وطفلتها وهما جريحتان في قسم الطوارئ في أحد المستشفيات الإسرائيلية، وإلى جانبها صورة أخرى لقتلى قانا اللبنانيين في الأكياس، وحيث ظهرت جثة صبي من خلال الكفن البلاستيكي، قال ''ريتشارد ستينغل''، رئيس تحرير الصحيفة، إن الصورتين وضعتا جنباً إلى جنب لأن هناك نوعاً من التوازن الفني وليس بالضرورة التوازن الايديولوجي· والأهم هنا ليس أن تكون طرفاً بل لإظهار آلام الناس على الضفتين''· ''تشارلز جيبسون''، وهو من شبكة ''آي·بي·سي'' التلفزيونية اعتبر ان قوة الصور في الحرب الأخيرة، وقد انعكست في إشكالية معقدة، جعلت من الصراع الأخير الحدث الأكبر صعوبة من حيث التغطية في التاريخ الراهن· وكانت الشبكة تبث، على التوالي، تحقيقاً من لبنان وآخر من إسرائيل· أين اللعبة الصحافية هنا حين يكون البث خاضعاً لميكانيكية سياسية معينة، فعدد القتلى في لبنان، وكذلك حجم الأضرار، أكبر بما لا يقاس مما حدث في الدولة العبرية· التبرير جاء على النحو التالي: إسرائيل دولة ديموقراطية، وهي في حال الدفاع عن النفس، و''حزب الله'' منظمة إرهابية تستخدم الشعب اللبناني كدرع بشري· هنا يتدخل ''جان آراف''، عضو مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز للأبحاث متخصص في العلاقات الدولية، انه ليس من المنطقي المساواة بين المشهد اللبناني حيث سقط أكثر من ألف قتيل معظمهم من المدنيين، والمشهد الإسرائيلي حيث سقط نحو 150 قتيلاً معظمهم من العسكريين، ليضيف: ''ثمة ظلال خلفية للحرب، وهذه تظهر، حتماً، في الأداء الإعلامي''· ''أورينت برس''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©