الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نيران فوق المياه

نيران فوق المياه
17 فبراير 2010 20:36
عن “الدار العربية للعلوم ـ ناشرون” ومركز الجزيرة للدراسات، صدر كتاب جديد بعنوان “موقع المياه في الصراع العربي الإسرائيلي من منظور مستقبلي” للمؤلف حسام شحادة، يشرح فيه كيف أن الباحثين والمهتمين بالشأن المائي في فلسطين، يواجهون مصاعب جمة فيما يخص الحصول على البيانات الإحصائية، وهناك ندرة في المعلومات الإحصائية العربية من ناحية، ومن ناحية أخرى صعوبة الوصول إلى الإحصاءات الصهيونية في البلدان العربية، إضافة إلى تضارب المعلومات الواردة فيها، الأمر الذي يدعونا إلى التعامل مع الأرقام بحذر وحيطة. ويكفي للدلالة على عدم دقة هذه الأرقام، أن نشير إلى أن التقديرات المائية في فلسطين ما قبل إعلان قيام دولة إسرائيل تتناقض مع التقديرات ما بعد قيامها. ويبدو أن هذا التناقض الرقمي مقصود من وجهة نظرنا، إذ كان محاولة صهيونية لإقناع الدول الاستعمارية في حينه، بأن فلسطين بلد وافر الموارد المائية، مما يجعلها بلداً قادراً على استيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين الصهاينة، أما بعد قيام دولة إسرائيل فقد أخذ الساسة الصهاينة يركزون على إيجاد التوازن بين المشاريع الاقتصادية والعمرانية من ناحية، وبين الموارد المائية المتوافرة من ناحية أخرى. وهم اليوم يبالغون في وصف معاناتهم من مخاطر تناقص كميات من المياه المتاحة لهم كمقدمات لتهيئة الأجواء التي تتيح لهم الانقضاض على مياه الدول العربية بكل الوسائل المتاحة لهم. أطماع ومشاريع عملت بريطانيا، ومنذ افتتاح قنصلية لها في القدس عام 1839، على دعم الهجرات اليهودية من أوروبا إلى فلسطين، خدمة لمشاريعها الاستعمارية في فلسطين والمنطقة، حيث عملت الجمعية العلمية البريطانية في عام 1872 على إيفاد العديد من أعضائها إلى فلسطين وصحراء النقب وسيناء، ثم أصدرت دراسات مطولة، خلصت في نهاية الأمر إلى أنه بالإمكان ري أراضي جنوب فلسطين إذا توافرت المياه من شمالها لهذا الغرض. وكانت بريطانيا في عامي 1865 و1866 أنشأت صندوق استكشاف فلسطين، وحتى عام 1880 أرسل هذا الصندوق، أربع بعثات استكشافية إلى فلسطين. وكان الصندوق الذي ترعاه الملكة فيكتوريا يهدف إلى إجراء دراسة تفصيلية لجدوى وأهمية مشروع توطين اليهود في فلسطين بالاعتماد على العديد من خبراء الآثار، التاريخ، الجغرافيا، الجيولوجيا والمناخ. وما استرعى الانتباه في هذا المجال اهتمام هؤلاء الباحثين بدراسة جغرافية فلسطين، والتركيز على مصادر المياه فيها. كما أكد الجنرال تشارلز وارن رئيس اللجنة العلمية البريطانية من خلال دراسته أراضي فلسطين في عام 1875، “أنه بالإمكان إسكان 5 ملايين نسمة في أراضي فلسطين، خاصة إذا ما أمكن نقل بعض كميات المياه الموفورة في شمال فلسطين إلى النقب. وهذا ما أكده الكابتن الإنجليزي كوندر الذي قاد عملية مسح فلسطين الغربية، فقال في دراسته التي تحمل عنوان “مستقبل فلسطين” التي أصدرها عام 1892: إن الذي نتوقع أن نراه في فلسطين إذا كان مستقبلها سليماً هو زيادة تدريجية في عدد السكان الزراعيين وانتشار المستوطنات المزدهرة، ويضيف كوندر موضحاً طبيعة مهمته: “لقد بدأ صندوق استكشاف فلسطين عمله وهدفه الوحيد إلقاء الضوء على ما جاء في التوراة، ومع ذلك فقد أصبح أداة رئيسية لمساعدة أولئك الذين سيكونون سكان البلاد في المستقبل في الحصول على الحقائق الثابتة عن طاقات وإمكانيات البلاد”. وفي كتابه الشهير “تاريخ الصهيونية” يخصص مؤرخ الصهيونية الأول ناحون سوكولف فصلاً حول استعمار فلسطين في الثمانينيات من القرن الماضي، معترفاً بخدمات صندوق استكشاف فلسطين فيقول: جاءت شهادتهم توكيداً لأن تلك الأرض يمكن تحويلها إلى جنة واحدة شاسعة الأطراف ليس بمجرد إعادة بناء القناطر العظيمة التي مازالت آثارها باقية والتي قامت بإيصال الماء إلى المدن الكبرى فحسب، بل بواسطة نهر الأردن بالذات. وهنا تجدر الإشارة إلى أن صندوق استكشاف فلسطين أصدر خريطتين إحداهما لما كان يسمى فلسطين الغربية، والثانية لفلسطين الشرقية نشرت الأولى في عام 1880. وقد حملت هذه الخريطة الأسماء الحديثة والقديمة، وتضاريس البلاد وطبيعتها المناخية مع مصادر المياه وتوزيعها. وفي عام 1889 صدرت الخريطة الثانية لفلسطين تضمنت مناطق عجلون إضافة إلى حوران مع الجولان. وهكذا كان صندوق استكشاف فلسطين سابقاً على صهيونية هرتزل، وقام خبراء هذا الصندوق أمثال بيسانت ودارين وكوندر ورجل الاستخبارات المشهور لورنس، واللورد كتشنر بدور كبير في إثارة الاهتمام اليهودي بفلسطين، وتنبيه الصهاينة إلى أهمية المياه لتلبية حاجات الاستيطان الزراعي الضروري لإنشاء الكيان اليهودي المقترح. إدراك مبكر منذ بدايات ظهور الحركة الصهيونية في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وتبلور أفكارها بعد مؤتمر بازل بسويسرا في عام 1887 بدأت العمل على إيجاد “وطن قومي” لليهود في فلسطين مستغلة الحافز الديني لتهجير اليهود إلى فلسطين، ومستفيدة من ظروف الاضطهاد العنصري لليهود في أوروبا من ناحية، ومن ناحية أخرى مستفيدة من تقاطع المصالح الصهيونية مع المشاريع الاستعمارية في تقسيم المنطقة وتجزئتها. ووصلت طلائع المهاجرين الصهاينة إلى فلسطين في عام 1882 حيث أقيمت أول مستوطنة صهيونية “ريشون لتيسون” جنوبي يافا وتبعتها في العام نفسه مستوطنتان. شكلت قضية المياه مركباً أساسياً في تصورات القادة الصهاينة لحدود الدولة اليهودية التي سعوا لإقامتها على أرض فلسطين، حيث أرادوها أن تتمتع بمقومات الدولة القادرة على الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، لتضم حدودها الأرض الواسعة ومصادر المياه الضرورية للزراعة والصناعة. عملت الصهيونية منذ قيامها على المطالبة بضم المناطق الغنية بالمياه إلى رقعة الأرض التي تزعم أنها جزء من “إسرائيل التوراتية”، بغية استيعاب اليهود وتأمين “المجال الحيوي” لنشاطات المستوطنين المستقبلية. ومن دراسة الوثائق والكتابات الصهيونية الصادرة في ثمانينيات القرن التاسع عشر يتبين أن مسألة المياه كانت تطغى بقوة على تصورات الزعامة الصهيونية ليس فيما يتعلق بالمياه العربية في المناطق الحدودية للشمال الفلسطيني وحسب، وإنما تتعداه إلى أراضي العمق اللبناني والجولان العربي ـ السوري. وتضمنت جميع أدبيات الحركة الصهيونية ووثائقها وتصريحات قادتها المطالبة بالأراضي الواقعة إلى الشمال والشرق من فلسطين. تلخصت المخططات الصهيونية على صعيد الموارد المائية المتوافرة في توسيع حدود الدولة بحيث تشمل الأراضي الواقعة إلى الشمال والشمال الشرقي من فلسطين، وصولاً إلى منابع الأردن ونهر الليطاني وجبل حرمون (جبل الشيخ) واليرموك وروافده. وقد كتب بن غوريون مقالاً في نشرة “فلسطين” (التابعة للمنظمة اليهودية) والصادرة عام 1918، عبر فيه عن تصوره لحدود الدولة الصهيونية: “تضم النقب برمته، ويهودا والسامرة (الضفة الغربية) والجليل وسنجق حوران وسنجق الكرك (معان والعقبة) وجزءاً من سنجق دمشق والذي يضم أقضية القنيطرة، ووادي عنجر حاصبيا في لبنان”. في مذكرة رسمية رفعتها المنظمة الصهيونية العالمية بالتعاون مع وزارة الخارجية البريطانية، في فبراير 1919 إلى المجلس الأعلى لمؤتمر الصلح بباريس بعنوان “تصريح المنظمة الصهيونية العالمية بصدد فلسطين” تتحدد المطالب الصهيونية الرسمية من المؤتمر بإقرار الحدود المنشودة للاستعمار الصهيوني في فلسطين على النحو الآتي: “إن حدود فلسطين يجب أن تسير وفقاً للخطوط العامة المبينة أدناه: تبدأ في الشمال عند نقطة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط بجوار مدينة صيدا، وتتبع مفارق المياه عند تلال سلسلة جبال لبنان حتى تصل إلى جسر القرعون، فتتجه إلى البيرة متبعة الخط الفاصل بين حوض وادي القرعون ووادي التيم، ثم تسير في خط جنوبي متبعة الخط الفاصل بين المنحدرات الشرقية والغربية لجبل حرمون (الشيخ) حتى جوار بيت جن، وتتجه منه شرقاً بمحاذاة مفارق المياه الشمالية لنهر مغنية حتى تقترب من سكة حديد الحجاز إلى الغرب منه.. ويحدها شرقاً خط يسير بمحاذاة سكة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©