الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شرور كمال ووهم الأرواح الشريرة!!

شرور كمال ووهم الأرواح الشريرة!!
10 أكتوبر 2013 21:10
سرت الأخبار في القرية مثل النار في الهشيم تلقفتها الألسنة وتناقلتها ونشرتها أسرع من وكالات الأنباء العالمية والفضائيات والإذاعات حتى علم الصغار قبل الكبار والنساء قبل الرجال بالفضيحة المدوية، وفي لحظات كان الشباب المتحمسون متجمهرين أمام بيت «كمال»، واندفعوا مثل السيل الهادر يحطمون محتويات المنزل، ويلقون الأثاث من الطوابق العليا، ثم في النهاية أشعلوا النيران في الأجهزة الكهربائية والأشياء التي لم يستطيعوا حملها أو تحطيمها، ومن لم يعلم بالفضيحة واصل الموضوع راح يسأل ماذا حدث ولماذا؟ كي لا يبقى أحد إلا وعنده التفاصيل كافة فقد ارتفعت ألسنة اللهب وملأ الدخان سماء المنطقة وشاهده الناس من بعيد وهرول كثير منهم إلى المكان لمعرفة ما يحدث وكذلك المشاركة في إطفاء النيران. الطوابق الخمسة المشهد مرعب بعد أن أمسكت النيران بالطوابق الخمسة المكونة منها البناية الخاصة التي يملكها «كمال»، وتطل النيران من النوافذ وترتفع وتلتهم كل شيء ولا تبقي ولا تذر، وهي تمسك بكل ما تصل إليه، وتكاد تخرج من البناية لتهاجم البنايات المجاورة، وهذا ما جعل الناس يحاصرونها ليس لإطفائها وإنما لحماية منازلهم وفي الوقت نفسه لم يساهموا في إنقاذ أحد من السكان وهم من أسرة واحدة، فقد خرجت الزوجة وأبناؤها الثلاثة هاربين من الحريق من البداية، ولم يكن رب الأسرة موجوداً هرب هؤلاء من بين أيدي الغاضبين الذين حاولوا الفتك بهم، وإن لم تكن لهم يد فيما حدث وحضرت قوات الدفاع المدني، وقامت بإمكاناتها وتجهيزاتها وقواتها بمكافحة النيران، ولم تكن المهمة سهلة، واستغرقت اكثر من ساعة كاملة حتى تم إخماد النيران والقضاء عليها، وعاد المتجمعون للحديث عن «الفضيحة» من جديد. الهرم الوظيفي «الحاج كمال»، مالك البناية، هو رئيس الجمعية الزراعية الموجودة في القرية، وكان موظفاً بها منذ تخرج في المدرسة الثانوية الزراعية، وعين مشرفاً على الزراعات ومواسمها ومكافحة الآفات، وترقى خلال السنوات الماضية حتى أصبح في قمة الهرم الوظيفي بها، والرجل كان يبدو في الظاهر خيراً ويتعامل مع الناس كلهم بهدوء، وينجز لهم مصالحهم في هذه الجمعية التي بها معظم احتياجاتهم، والبداية التي كانت شرارة لهذه الأحداث عندما تعطل جهاز الكمبيوتر الذي يملكه وحمله إلى أحد المهندسين الفنيين المتخصصين لإصلاحه، ولكن العطب كان كبيراً فطلب منه أن يترك له الجهاز لبعض الوقت كي يفحصه ويقف على أسباب الأعطال، ومن ثم يتم إصلاحه بشكل جيد وربما يجامله بإضافة برامج جديدة وعندما بدأ إصلاحه كانت المفاجأة المدوية التي لم يتوقعها احد ولم تخطر على أي بال. جهاز الكمبيوتر مملوء بملفات وصور عن نساء وبنات القرية بعضها تم التلاعب فيه ووضع تلك الوجوه على أجساد نساء أخريات باستخدام «الفوتوشوب»، وهذا هو أساس الفضيحة التي عمت القرية وتكشفت اليوم بالمصادفة لم يستطع مهندس الكمبيوتر التحكم في أعصابه والتكتم على السر الذي وقع أمام عينيه بالمصادفة البحتة، وبسبب غباء أو عدم معرفة صاحب جهاز الكمبيوتر بأنه يمكن التوصل إلى تلك الملفات التي يحتفظ بها من سنين، والسبب الذي جعل المهندس يستشيط غضباً أن صورة إحدى قريباته من بين الصور التي وقعت عليها عيناه وأصابته الصدمة وجعلته يفقد التحكم في أعصابه، فالحقيقة أن هؤلاء النسوة لا تحوم حولهن أي شبهات أخلاقية بل ينتمين إلى عائلات معروفة ومن الأسر الملتزمة بالدين والعادات والتقاليد. حسن الخلق والسؤال الذي بدأ يتردد على جميع الألسنة هو كيف جمع هذا الرجل كل تلك الصور ولماذا؟ وعلى الرغم من أن الجميع يشهدون لكل صاحبات الصور بحسن الخلق، لكن الأمر لم يسلم من بعض الذين يصطادون في الماء العكر ومن لا يحسنون الظن بالناس، وكذلك الذين يخوضون في الأعراض بلا دليل ولا مراعاة لحرمتها، وكانوا سبباً في انتشار الفضيحة في القرية في اليوم نفسه، وهناك من زاد على الوقائع واختلق من بنات أفكاره أوهاماً لا علاقة لها بالواقع وشككوا في كل النسوة حتى أن بعض الأزواج تسرعوا وطلقوا زوجاتهم اللاتي كانت صورهن من بين الضحايا، ولم يسمعوا لهن ولم يسألوهن عن الحقيقة، وكذلك لم يتقصوا الأمر، ولم يبحثوا عن أصل الحدث. ما يعرفه الناس هنا أن هذا الرجل الذي يطلقون عليه لقب «الحاج» بسبب ما يبديه من تدين أنهم يلجؤون إليه لعمل الأحجبة لحماية أبنائهم الصغار من الحسد ومن الجان وغيره حتى عندما يشعر أحدهم بألم ما فإنه يلجأ إليه ليعالجه بالرقية الشرعية، والرجل لا يتأخر في تلك الأعمال التي يعتبرها الجميع خيرية ولا يشترط أي مبلغ من المال ويأخذ ما يقدم له بلا نقاش على عكس ما يعرفونه عن تلك النوعية من المعالجين وقد يعوضونه عن ذلك وهم يغدقون عليه بالهدايا وقد تطور الأمر بعد ذلك وأعلن الرجل عن قدراته الخارقة وأنه يمكنه علاج الأمراض المستعصية حتى تلك التي يعجز الأطباء والمتخصصون عن علاجها، وإن كان كثيرون لا يعترفون بهذه القدرات ولا يلجؤون إلى الرجل في حالات المرض، فإن هناك أعداداً لا حصر لها من الذين يتوافدون عليه بعد أن أشاع أنه أيضاً يستطيع علاج المس الشيطاني واستخراج الأرواح الشريرة من الأجساد والعلاج من العفاريت وإخراج الشياطين والوقاية منهم، ويضع لذلك برنامجاً مطولاً للعلاج يجب الالتزام به بلا نقاش، وبالطبع يلتزمون كما يفرض عليهم وقد وجد زبائن كثيرين بلا عدد يتوافدون عليه ليل ـ نهار. خانة الأثرياء خلال أعوام قليلة تحول الرجل الموظف البسيط إلى خانة الأثرياء، وأصبح يشترط مبالغ معينة كبيرة عن الحالات التي يدعي علاجها، وتمكن من شراء قطعة أرض وبنائها طابقا تلو الآخر حتى ارتفعت أربعة طوابق فوق الأرض وتحتها عدد كبير من المحال التجارية ومحل خاص لبيع العطور والبخور ومستلزمات استخراج الجان والعفاريت، وكلها في الأصل مواد مغشوشة، لكنه يجبر المترددين عليه على شرائها ليزداد ثراء، وهو يبيع الوهم للبسطاء الباحثين عن حلول لمشكلاتهم وأمراضهم التي أتعبتهم ولم يجدوا لها علاجاً في المشافي. وكان الرجل يقرأ في عيون الناس ما يعانون منه، ويستغل تلك الظروف، فأضاف إلى تخصصاته تخصصاً جديداً، وهو علاج المشكلات الأسرية والمحبة والكراهية والزواج والطلاق وحتى عدم الإنجاب، ولم يترك شيئاً إلا وأشاع أيضاً أنه قادر على علاجه، وحل أي مشكلة مهما كانت، وهذا التخصص الأخير فتح عليه أبواب النصب والاحتيال والخداع، واصبح زبائنه من النساء فقط، وهذا ما جعله يلجأ إلى تلك الوسائل الشيطانية، ويقوم بتصويرهن والاحتفاظ بالصور على الكمبيوتر، ويدعي أنه يسجل بياناتهن، ويحصل لهن على العلاج المناسب لكل حالة. العلاقات الزوجية كشف هذا التخصص الوهمي الأخير عورات الأسر والعائلات والعلاقات الزوجية ومشكلات البيوت والأبناء والأسرار الخاصة، وذلك عندما كان الرجل الدجال يستقبل «المريضات» ويطلب منهن الصراحة الشديدة حول حالاتهن والمشكلات التي جئن إليه من أجلها، وبحجة أن الصراحة هي التي ستمكنه من إيجاد الحل المناسب والسليم حتى أن كثيرات منهن توجهن إليه من أجل الانتقام من أزواجهن أو حمواتهن أو من توجد بينهن وبينهم عداوة أو خلاف، كل ما يدور وراء الجدران أصبح سهلاً يسيراً بين يديه متاحا له، يستخدمه كنقاط ضعف في ابتزاز أهل القرية أو المترددات عليه، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تخطاه إلى أكثر من ذلك ليوجه الاتهامات، ويتسبب في الفتن بين الأقارب وخراب البيوت وتكدير الصفو، من أجل المزيد من المال ولم يكتشف احد تلك الممارسات إلا بعد أن وقع الكمبيوتر في يد المهندس لإصلاحه. الآن بدأ الغافلون يعرفون الحقائق واضحة مجردة لذلك كانت هجمتهم واحدة شديدة، وقاموا على قلب رجل واحد واتجهوا نحو بنايته التي يملكها ويقيم فيها هو وأسرته وأرادوا الانتقام منه جزاء ما اقترفت يداه في بلدهم، واشعلوا النيران، ودمروا المحتويات والأثاث، وأصابوا بعض أبنائه وزوجته الذين فروا هاربين أثناء الانشغال بإطفاء النيران، وتركوا المكان كله، وتوجهوا إلى منطقة غير معلومة عند أقارب لهم، بينما المتهم نفسه الذي كان غائباً لم يصبه أي أذى مما حدث، لكنه لم يستطع العودة إلى بيته المحترق، وقد توعدوه لو عاد أليهم لعادوا لما فعلوا من قبل، بل لقتلوه، لأنه يستحق ذلك، معتبرين أنه هو وأسرته أيضاً أرواح شريرة يجب طردها من القرية كما كان يدعي أن هناك أرواحاً شريرة في أجساد المترددات عليه. الشرطة لم تترك الأمر يزداد سوءاً ويتطور بشكل يتضرر منه الجميع، وبدأت التحقيق وجمع المعلومات حول الواقعة برمتها، وتبين أن «كمال» استغل بساطة الناس وجهلهم بالدين، خاصة النساء، ومعظمهن أميات لا يستطعن الحكم على الأحوال بشكل صحيح، وأنهن فعلن ذلك من وراء أزواجهن، وقد حقق الرجل أموالاً طائلة، وأصبح يمتلك تلك البناية الشاهقة، وأموالاً في البنك، وهو مجرد موظف بسيط، راتبه محدود جداً، وأخيراً تبين أنه هرب إلى مدينة أخرى ويختبئ عند شقيقته، وألقي القبض عليه، واعترف بكل جرائمه، بعد أن تمت مواجهته بمحتويات الكمبيوتر، وأمرت النيابة بحبسه، ووجهت إليه اتهامات ممارسة الدجل والشعوذة والنصب والاحتيال واستغلال البسطاء، وكذلك الكسب غير المشروع، وطالبت أيضاً في قرار الاتهام بمصادرة أمواله.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©