الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام يتصدى للقرصنة بحد الحرابة

الإسلام يتصدى للقرصنة بحد الحرابة
13 مارس 2009 00:45
تصاعدت عمليات القرصنة في الآونة الأخيرة في مناطق مختلفة من العالم، فقد شهدت الشهور التسعة الأولى من العام الماضي 270 عملية قرصنة، كان منها 84 في منطقة خليج عدن، و51 عملية على سواحل غرب إفريقيا، ووقعت عشرات الحوادث بآسيا قبالة سواحل الفلبين وفى الغرب الأميركي بالقرب من سواحل كولومبيا وإكوادور وبيرو· وعلى الرغم من أنها ظاهرة عالمية، فإن البعض استغل عمليات القرصنة التي تحدث في منطقة القرن الإفريقي للطعن في الإسلام واتهامه بالإرهاب وعدم احترام المواثيق والمعاهدات وإهدار حقوق الآخرين واستحلال أموالهم وأرواحهم، زاعما أن مفاهيمه هي التي تقف وراء ارتكاب عمليات اختطاف السفن وإشاعة الفوضى بالمضايق البحرية، في حين أن الإسلام يحرم ويجرم القرصنة ويتضمن عقوبات رادعة لمرتكبي هذه الجريمة، وفقهاء المسلمين أكدوا عدم جواز الاعتداء على سفن العدو المدنية· وقد رصدت المنظمات الدولية ارتكاب 469 عملية قرصنة في عام 2000 في أنحاء العالم، وبلغت في بحار جنوب شرق آسيا عام 2001 حوالي 335 عملية، وشهدت الأعوام التالية مئات العمليات سنويا ويقدر حجم الأضرار المادية بسببها ما يزيد على 16 مليار دولار خلال عام 2006 الذي شهد 239 عملية قرصنة· يوضح الدكتور عبد الله الأشعل - مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ القانون الدولي بالجامعة الأميركية - أن المجتمع الدولي اهتم بموضوع القرصنة البحرية مؤخرا بسبب تزايد حوادث الخطف والاستيلاء على السفن بهدف طلب فدية والحصول على مبالغ مالية طائلة، خاصة في مياه جنوب شرق آسيا وبالذات في خليج تايلاند ومضايق ملقا وكذلك باب المندب· والغريب أن يحاول البعض استغلال هذه الحوادث للربط بين الإسلام وعمليات القرصنة وتوجيه أصابع الاتهام بالباطل الى الإسلام وشعوبه باعتبارها مسؤولة عن هذه الحوادث التي تهدد التجارة العالمية، زاعمين أن قيمه، حسب زعمهم، تحض على العدوان واستخدام القوة لترويع الآمنين· ويشير إلى أن القرصنة كانت ولادتها مع الإمبراطوريات الأوروبية القديمة واستمرت طوال التاريخ الأوروبي وزادت خلال فترة التكالب الاستعماري واكتشاف العالم الجديد والحروب التي شهدتها القارة، لدرجة أنه كان هناك ما يعرف بوثائق الاختطاف والتي تمنحها دولة من الدول لربابنة سفن القراصنة، يحق بموجبها مهاجمة سفن دولة أخرى تحاربها والاستيلاء عليها وتمنحهم حق الحماية عندما يلجأون بسفنهم إلى موانئها، وتحصل هذه الدولة على جزء محدد من الغنائم واستمر هذا الوضع حتى القرن الثامن عشر· جريمة يحاربها الإسلام ويؤكد الأشعل القرصنة البحرية من الجرائم الإرهابية التي حاربها الإسلام منذ ظهوره لأنه يرفض أعمال العنف والسلب والخطف والاعتداء على خطوط النقل، وخطوط الملاحة البحرية أو الجوية، وخطوط المواصلات العالمية· وأوضح الدكتور أحمد أبوالوفا - أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي بكلية الحقوق، جامعة القاهرة قائلا: الإسلام يرفض القرصنة لأنها تتعارض مع منهجه القائم على تحقيق الأمن والسلام لكل البشر ولما يترتب عليها من عدوان وظلم وترويع وابتزاز الأموال أو الاعتداء على السلامة الجسدية أو حياة الأشخاص، وما تؤدى إليه من آثار سلبية خطيرة تهدد حرية الملاحة البحرية الدولية، وأطلق الفقهاء على مرتكبي هذه الجريمة اسم اللصوص والقُطّاع· وأكد أن الإسلام منهجه قائم على منع مقدمات الجريمة برفضه الظلم، واغتصاب الحقوق والقرآن الكريم يقول: ''أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا'' الكهف ·79 وهو ما يعنى أنه لا يجوز الاعتداء على السفن من جانب سلطات الدولة لتعارضه مع مبادئ الإسلام ورفضه الغصب أو المصادرة غير المشروعة والاعتداء على السفن وتحويل مسارها تمهيدا لغصبها أو مصادرتها· وإذا كان هذا لا يشكل جريمة القرصنة لأنها تفترض ارتكاب الفعل من أفراد عاديين ولتحقيق غرض خاص فهو يؤكد في ذات الوقت استهجان غصب السفن من جانب الأفراد عن طريق القرصنة· وقال إن الإسلام سبق القوانين والأعراف الدولية الحديثة في تقريره هذه المبادئ وإرساء قواعد الأمن والاستقرار واحترام الاتفاقيات الدولية ومحاربة الفوضى التي سادت العالم لقرون طويلة· وأشار الى أن الفقهاء المسلمين شددوا على عدم جواز الاعتداء على السفن في البحر حتى ولو كانت مملوكة لأهل دار الحرب غير المسلمين واجتهاداتهم تؤصل هذه المبادئ السامية، يقول الإمام أحمد: ''إذا ركب القوم في البحر فاستقبلهم فيه تجار مشركون من أرض العدو، ويريدون بلاد الإسلام لم يعرضوا لهم، ولم يقاتلوهم، وكل من دخل بلاد المسلمين من أرض الحرب بتجارة - يتم البيع له - ولم يسأل عن شيء''· كما أكدوا ضرورة محاربة القراصنة بكل السبل وذلك بعد التأكد أنهم قراصنة فقد حدث في عهد عثمان - رضي الله عنه - أن بلغه أن قوما من الحبشة أغاروا على بعض سواحل المسلمين وأصابوا منهم أموالا، وسبوا منهم سبيا كثيرا فاغتم لذلك عثمان غما شديدا، ثم أرسل إلى جماعة من الصحابة وغيرهم من المسلمين واستشارهم في غزو الحبشة فأشار عليه المسلمون ألا يغزوهم في بلادهم، حتى يبعث إلى ملكهم فيسأله عن ذلك فإن كان ما حدث عن أمره ورأيه هيأ، أرسل إليه بالجند ليقاتله، أما إذا كان الذين قاموا بهذا العدوان من عوام الناس، عن غير أمر ملكهم، فقد كان رأيهم أن يتم تزويد السواحل بالخيل والقوة المسلحة للحراسة والردع· فأخذ سيدنا عثمان بهذه المشورة، ثم دعا محمد بن مسلمة الأنصاري فوجهه إلى ملك الحبشة في عشرة نفر من المسلمين يسأله عما فعل بأصحابه، وكتب إليه عثمان في ذلك كتابا، فلما قدم محمد بن مسلمة بكتاب عثمان وقرأه، أنكر ملك الحبشة ذلك أشد الإنكار، وقال ما لي بذلك من علم ثم أرسل إلى قرى الحبشة في طلب السبي فجمعهم بأجمعهم، ودفعهم الى محمد بن مسلمة فأقبل بهم إلى عثمان وأخبره بما كان من إنكار ملك الحبشة، وطلب السبي فشحن عثمان السواحل بعد ذلك بالرجال وقواهم بالسلاح والأموال فكانوا قادرين على ردع أي عدوان· ويقول د·أبو الوفا نستطيع أن نخرج من هذه القصة بالكثير من العبر والدروس أهمها، ضرورة التثبت من أي خبر أو تصرف قبل الرد عليه على الصعيد الدولي· وأن مسؤولية الدولة تثبت فقط إذا صدر التصرف عن أجهزتها أو أحد المسؤولين فيها ولا مسؤولية عليها إذا ارتكب ذلك فرد عادي بشرط عدم وجود تقصير من جانبها· وأن الدولة الإسلامية عرفت استخدام الرسل والمفاوضين الدوليين كوسيلة لحل المنازعات الدولية تتعلق بالبحار· وأنها منذ عصورها الأولى حاربت القرصنة بكل الوسائل· الإسلام يجرم القرصنة ويقول الدكتور عبد الرحمن عميرة - عميد كلية أصول الدين الأسبق وأستاذ الفقه بجامعة الأزهر: إن الشريعة الإسلامية وضعت منهجا متكاملا يحقق أمن البشرية وسلامتها ويرفض البغي وإشاعة الفساد في الأرض والله تعـالى يقـول: ''إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض'' المائدة ·33 وهذا نص قرآني صريح نزل على ما ذهب إليه الفقهاء في حق المحاربين من قطـاع الطـرق ومخيفي السـبيل، ومروعي الآمنيـن، الذين يعترضون الناس مجاهرة فيأخذون أموالهم، ويقتلونهم· وذهبوا إلى أن العبـرة بعموم اللفظ لا بخصـوص السـبب وبالتالي يكون المراد تجريم أعمال إشهار السلاح وقطع الطريق وأخذ الأموال وقتل الأنفس وترويع الآمنين· ويضيف: أن الإسلام يعتبر القرصنة من جرائم الحرابة والإفساد في الأرض لأنها تتضمن انتهاك حرمات الأنفس والأموال ويترتب عليها ترويع وتخويف الناس وإلقاء الرعب في قلوبهم عن طريق قطع الطريق البحري أو الجوي على السفينة أو الطائرة أو إعاقتها عن استكمال رحلتها في البحر أو في الجو· ويضيف أن هذه الجريمة وإن كانت تلتقي في أحكامها مع جريمة القرصنة في القانون الدولي فإنها تتميز عنها بتحديد عقوبة القرصنة فالقرآن الكريم حدد لعقوبة الحرابة جزاءات القتل أو الصلب أو التقطيع أو النفي على أن تتناسب العقوبة مع الفعل المكون للحرابة وأيضا يشترط وقوع جريمة الحرابة في أي مكان يكون بعيدا عن العمران· ويوضح الدكتور عبد الرحمن أن الشريعة الإسلامية ميزت في مجال العقوبة والجزاء المفروض على المحارب أو القرصان بين حق الله سبحانه وتعالى وحق العباد فحق الله تعالى يشمل ما ورد ذكره في الآية الكريمة من القتل أو الصلب أو قطع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي، حسب درجة الجرم الذي ارتكبه المحارب· أما بالنسبة لحق العباد فهو يتمثل في وجوب مقاومتهم له بكافة سبل القوة والمنعة والدفاع عن أموالهم وأنفسهم بما يعنيه ذلك من إمكانية قتل المحارب أو أسره وتسليمه للحاكم ليقيم عليه حق الله بعد أن يسترجعوا ما أخذه منهم من أموال
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©