الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«اسمي خان».. أو الخروج من طريق اللعنات

«اسمي خان».. أو الخروج من طريق اللعنات
17 فبراير 2010 20:17
“اسمي خان ولست إرهابياً، وأريد مقابلة الرئيس الأميركي كي أشرح له ذلك”، هذه العبارة قد تكون أكبر من حجمها، وقد تكون مبتورة ومجتزئة إذا جاءت بلا مقدمات أو نوايا مسبقة، ولكن المخرج الهندي كوران جوهر يحوّل هذه العبارة بالذات إلى مبرر قوي ومثالي للدخول في أجواء فيلمه الجديد “اسمي خان” المفعم بالمشاعر الإنسانية والنوايا البيضاء التي تعمل ضد الكراهية والعنف والتطرف. ساهمت شركة “ايماجيناشن أبوظبي” التابعة لشركة أبوظبي للإعلام في تمويل الفيلم الذي افتتح عروضه في الإمارات قبل عرضه بيومين في مهرجان برلين السينمائي الدولي، والمتوقع أن يثير الفيلم الكثير من الجدل العالمي والنقاش الأيديولوجي حول خطوطه السردية، وحول جرأته في تناول مواضيع سياسية ودينية واجتماعية حساسة ومعلَقة، رغم مخاطبتها لواقع معاش وملموس على أكثر من صعيد ووجهة. ففي ساعتين وأربعين دقيقة هو زمن الفيلم يحمل أبرز نجمين في سماء بوليوود حالياً وهما شاهروخ خان وكاجول على عاتقيهما عبء التعامل مع سيناريو شاسع في دلالاته البصرية وخطاباته الضمنية التي تتجاوز القصص الإنسانية البسيطة والمغلقة، وترتحل في فضاء عالمي حرج ومليء بالريبة والشكوك والتفسيرات المغلوطة حول مصطلح الإرهاب، وحول التطرف الديني الفردي الذي وضع كل المسلمين في سلة واحدة، وفي إطار متشابه لا يخلو من التعميم والحكم النمطي المسبق. بين العنف والأمل وقد يكون أقرب وصف لترجمة مناخات ومضامين الفيلم، هو أنه يوازن بين ملامح السينما الهندية المصاغة على إيقاع الشجن والطابع الميلودرامي واقتناص اللحظة العاطفية التي تنحاز للبطولة الفردية، وبين متطلبات القصة أو الموضوع العام التي ذهب بالفيلم إلى منطقة جريئة من الحوار الثقافي والإثني والديني مع الآخر، وهو حوار ـ إذا أردنا الدقة ـ بات مشحونا وساخنا ومحتقنا قياسا بالظروف والأحداث التي رافقت ومازالت تتداعى أمام هجمات الحادي عشر من سبتمبر في العام 2001. تبدأ أحداث الفيلم في العام 2007 وتحديداً في مطار سان فرانسيسكو عندما يشتبه رجال الأمن عند نقطة التفتيش برجل ذي سحنة آسيوية يبدو مختلا ويحمل في يده أحجارا صغيرة يسبّح بها ويتلو معها آيات قرآنية بصوت مسموع، وفي غرفة التفتيش يكتشف رجال الأمن أن الرجل الذي يحمل اسم (رضوان خان) ـ يقوم بدوره شاهروخ خان ـ مصاب بمرض التوحد وأن أوراقه الثبوتية سليمة، ورغم أنه يعترف للضباط بنيته للذهاب إلى واشنطن لمقابلة الرئيس الأميركي إلا أنهم يأخذون الأمر على أنه مجرَد مزحة، لدرجة أن أحدهم يطلب منه وبنبرة تهكمية أن يرسل تحياته الشخصية للرئيس بوش!. تفسد إجراءات التفتيش الطويلة رحلة رضوان إلى واشنطن فيضطر للخروج والبحث عن وسيلة نقل أخرى كي يحقق هدفه ورغبته الملحة في المقابلة المستحيلة مع رئيس أكبر دولة في العالم. يجلس رضوان في محطة للحافلات ويكمل في مذكراته ما بدا أنه رسالة حب واعتراف غير مكتملة لحبيبته أو زوجته التي هجرته، وفي فلاش باك طويل يرتحل بنا الفيلم إلى طفولة رضوان خان وبالتحديد إلى العام 1983، ويبدأ الخط السردي للقصة وتدريجياً في إزاحة الغموض الملتصق بمشهد البداية، ففي قريته الهندية الصغيرة يعايش الطفل المصاب بمرض الانطواء أحداث الشغب الشهيرة والدامية التي اندلعت في ذلك العام بين المسلمين والهندوس، ويبدأ الطفل في التعبير العلني عن بغضه للهندوس ولكن كلمات والدته تغير من قناعاته وحقده عندما تقول له إن الأديان لا تفرق بين البشر ولكن ما يفرق بينهم شيئان فقط: “الخير” و”الشر”، وعندما تكتشف الأم في طفلها موهبة حفظ الأرقام والكلمات الأجنبية وتصليح المعدات الإلكترونية، تقوده إلى أحد المعلمين في القرية حيث يتحول الطفل المعاق إلى مقصد لكل الأهالي من أجل تصليح أجهزتهم المعطوبة، وفي سياق مواز يشعر “زاكر” وهو الشقيق الاصغر لرضوان بالغيرة والحسد من اهتمام الأم الزائد بطفلها المعاق والعبقري في ذات الوقت. طقوس المحبة عندما يبلغ زاكر الثامنة عشرة من عمره يذهب للدراسة في جامعة ميتشجان بالولايات المتحدة، وبعد موت الأم يستدعي شقيقه رضوان للعيش معه في أميركا والعمل في شركته المختصة بترويج مستحضرات التجميل العشبية، يكتشف رضوان من خلال زوجة شقيقه حقيقة مرضه الذي يطلق عليه علمياً: “عارض أسبرجر” وهو اسم الطبيب الذي اكتشف هذا المرض، ومن مظاهره المعروفة الخوف المبالغ به من الغرباء ومن الضجيج والأماكن الغريبة والألوان الصارخة، ولكن المصابين بهذا المرض يمتلكون مواهب خفية وقدرة خاصة على التعاطف مع الآخرين والتكيف مع الأوضاع الجديدة، وأثناء عمله في توزيع المنتجات العشبية يتعرف رضوان على مانديرا ـ تقوم بدورها الفنانة كاجول ـ التي تملك صالوناً نسائياً، وتعيش مع ابنها الوحيد سمير بعد أن يهجرها زوجها ويسافر مع عشيقته إلى أستراليا، تعجب مانديرا بموهبة وذكاء رضوان، ويستحوذ عليها بطيبته ورومانسيته التي لا يخطئها القلب، ورغم المعارضة الشديدة التي تصل للقطيعة بين رضوان وشقيقه إلا أن الأول يتزوج من مانديرا الهندوسية لأنها امرأة صالحة وليست شريرة حسب مقولة والدته الراحلة، وتتحول طقوس هذا الزواج إلى لقاء كوني بين ثقافات وأديان مختلفة هي من صنيع المجتمع الكوزموبوليتي الذي قامت عليه الثقافة الأميركية، تحمل الأسرة الجديدة اسم (خان) المسلم ويتكيف الطفل سمير مع الطقوس الدينية الهندوسية والإسلامية المتمايزة التي تمارسه أمه ووالده الجديد على السواء. وفي انعطافه حادة لخطوط الفيلم السردية تتحول هجمات الحادي عشر من سبتمبر على برجي التجارة العالميين في نيويورك إلى مأساة اجتماعية مهلكة تجتاح كل الشخصيات الرئيسية والثانوية في الفيلم وبلا استثناء، وتبدأ أولى شرارات الكراهية والتعصب العرقي والديني في تلويث النفسيات المحيطة بأسرة (خان)، فتخسر مانديرا تجارتها بسب مقاطعة الرواد الأميركان لصالونها، ويقتل طفلها سمير لأسباب عنصرية بعد شجار عنيف مع أقرانه في ملعب الكرة، هذه اللحظات المروعة في حياة الأسرة تجعل من رضوان الضحية الأكبر في المسار الأعمى للكراهية والحقد التي تلاحق المسلمين في أميركا، تنفصل مانديرا عن رضوان لأن ارتباط اسمه بابنها سمير كان سبباً في قتله، وتشترط عليه كي يعود إليها أن يقابل الرئيس الأميركي شخصيا ويوضح له بأن المسلم ليس إرهابياً، وإن لقب (خان) لا يعني أنه مجرم وقاتل ومحفز على العنف. رحلة الاستنارة ومن خلال رحلة طويلة بين مختلف الولايات الأميركية تحمل سمات أفلام (الطريق) يذهب رضوان في درب الآلام والجوع والوحدة كي يضفر بمقابلة سريعة مع الرئيس الأميركي، ولكنه يكتشف وفي مسارات روحية مضيئة قيمة الأخوة الإنسانية التي تجمع بين البشر، وأن اختلاف الألوان والمعتقدات لا يفضي بالنتيجة إلى الخلافات المذهبية والأحقاد والحروب، كما أنه يعبر من خلال رحلته المنهكة هذه عن جوهر الإسلام الحقيقي والقائم على المحبة والتسامح والتعاطف مع المستضعفين والفقراء، ورحلة الاستنارة الداخلية التي يسلكها رضوان رغم إعاقته تسلط عليه أضواء الإعلام الأميركي وتجعل منه مثالا للمسلم الذي ينبذ التطرف والاحتكام للعنف والتدمير كحل أخير ونهائي. تتحقق أمنية رضوان في نهاية الفيلم بمقابلة الرئيس الأميركي الجديد أوباما، رغم اتهامه سابقاً بالإرهاب ورغم إصابته بطعنة من أحد المتطرفين المسلمين الذين رفضوا أسلوبه وشفافيته وحسه الإنساني المرهف والمتسامح، تعود مانديرا أيضا لزوجها بعد مكابدة نفسية شاقة ومليئة في نفس الوقت بالصبر والرهان على انتصار الخير وشفاء الأرواح من مرض الحقد والتفرقة الدينية والعنصرية. أخيراً ورغم أن فيلم “اسمي خان” جاء مزدحماً بالتفاصيل والهوامش الجانبية التي أصرت على التأثير العاطفي والخطاب المباشر في بعض الأحيان، إلا أن مخرج الفيلم كوران جوهر استطاع بأسلوبه البصري المكثف أن يلملم الخيوط السردية المتناثرة في السيناريو الذي كتبه شيباني باتيجا، كما استطاع أن يتجاوز الكليشيه البوليوودي الغالب على السينما التجارية في الهند وخرج من أسر الرقصات والأغاني المقحمة من خلال التوظيف المرن بين الموسيقا الهادئة ذات الدفق الروحاني وبين الواقعية الصريحة حدّ الألم والصدمة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©