الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سجل يا تاريخ.. دخلنا التاريخ

سجل يا تاريخ.. دخلنا التاريخ
27 أكتوبر 2014 23:55
دبي-الاتحاد ماذا كتبت جريدة الاتحاد عن إنجاز التأهل لمونديال إيطاليا 90 ، وكيف وصفت المباراة الحاسمة أمام كوريا الجنوبية في سنغافورة نستأذنكم نعود للوراء ربع قرن لنقرأ كل تفاصيل تلك اللحظات التاريخية، كما جاءت في العدد 5615 يوم الأحد 29 أكتوبر 1989 العنوان: التاريخ الكروي يتوقف في الإمارات. منتخبنا الوطني يقهر كل الظروف، ويصعد لنهائيات كأس العالم، وإليكم وصف المباراة الأهم في تاريخنا الكروي: حدث يوم الثامن والعشرين من أكتوبر 1989 وباسم الله.. ماشاء الله.. بالعربي.. بالطلياني.. وبكل لغات العالم أطلقناها بالأمس صيحة مدوية اهتز لها العالم أجمع.. لعبنا ضد جاذبية الفيفا.. مارسوا ضد فريقنا البطل شتى أنواع الإرهاب الكروي.. وغير الكروي.. لكن منطق الكرة كان فوق كل ممارساتهم وألاعيبهم. بالعربي.. والأفرنجي والطلياني صعدنا إلى نهائيات كأس العالم.. وانفتحت أمامنا أبواب روما.. حيث عرس الكرة الكبير العام القادم.. قدمنا كرة (صنعت في الإمارات) كل شيء فيها ينطق حضارة وفناً وإبداعاً وتكتيكاً.. كرة صفق لها الجميع، وظلت طوال الوقت محط تقدير وثقة المراقبين والخبراء.. وفي النهاية قررنا تصديرها إلى الطليان. بالأمس، كان الفصل الأخير من ملحمة الصعود التاريخية.. وفي ملعب فرضوه علينا فرضاً كان نجوم (رضعوا) أصول كرة القدم من مناهلها الصحيحة يحفرون في الصخر، ويقدمون كرة علمية وعملية، ويضغطون على أصابعهم.. ويتصدون لسلسلة من الهجمات الشرسة ظل يمارسها كيم.. ويونج وهوانج.. وغيرهم. لعبنا ضد فريق أشبه بالكمبيوترات التي تجري على الأرض.. ولاعبون يؤدون وفق تنظيم شديد وكأنهم آلات تتحرك بالريموت كنترول.. ومع ذلك استطاع فريقنا الذي لعب بنصف قوته أن يتحدى الأعاصير، وأن ينتزع التعادل الأشبه بالفوز.. والنقطة الأثمن في تاريخ الكرة الإماراتية من فم البطل. وطوال الدقائق التسعين من ملحمة الأمس التي عشنا خلالها على أعصاب لم نسمح لها بأن تخوننا لحظة.. كان كل شيء في ملعب (جورنج ستاديوم) يوحي بأننا نعيش يوم العبور العظيم.. العبور إلى كأس العالم، ضغطوا على مرمانا من كل صوب واتجاه، وأدوا أمامنا كما لم يلعبوا من قبل مستثمرين الظروف غير الطبيعية التي أفقدتنا أهم مصادر ومفاتيح لعبنا، لكننا صمدنا.. وكان لابد وأن يستجيب القدر. ولم تعد تمر أكثر من ست دقائق حتى كانت (الآلة رقم 9) تسجل هدف كوريا الأول، ومن زاوية مستحيلة كان اللاعب الكوري يرسل صاروخاً لم يكن بمقدور (داساييف) نفسه أن يصده. وضعنا أيدينا على قلوبنا.. فالضغط الكوري الشرس مازال مستمراً من كل صوب واتجاه.. والكرة الميكانيكية المحفوظة والمعدة سلفاً والأداء الآلي العالي (يخوف) فعلاً.. كرة في منتهى الترتيب والنظام والالتزام.. تؤدي بكامل عدتها وعتادها، بينما كان علينا أن ندفع ثمن المؤامرات وأساليب الاندرتييل. هدف طلياني 100% وسط هذا الإعصار الذي لا يقاوم كان على فريقنا أن يلملم أفكاره وأوراقه من جديد ومن (فاول) في الجهة اليمنى للملعب كانت رأس الطلياني على موعد مع هدف الصعود التاريخي.. الكرة تعلو فوق سماء المرمى الكوري الذي لم يتذوق طعم الأهداف منذ ستة شهور كاملة يتقدم الحارس العملاق (كيم) الذي روجوا إلينا قبل المباراة أنه موقوف.. وبذكاء المهاجم المتمرس الذي عركته التجارب كان عدنان الطلياني يرتقي عالياً حتى بدا، وكأنه رجل فضاء يسبح فوق سماء منطقة الجزاء الكورية التي كان محظوراً على أي مهاجم أن يقترب منها طوال أربع مباريات كاملة، وبذكاء ميداني خارق لمح الفتى الموهوب تقدم الحارس العملاق عن مرماه.. توكل على الله، وأرسلها بالمقاس ليستقبلها المرمى المقفول بالشمع الأحمر بكل رحابة صدر، إعجاباً بمهارة ودقة مرسلها. تنفسنا الصعداء.. فها هو القدر ينصفنا حتى في أحلك الظروف، وكان علينا وقد انكشف الملعب أمام مدربنا القدير أن نواصل الالتزام بأدائنا المدروس.. واتركوهم يستعرضون.. هكذا كانت تعليمات المستر زاجالو.. ونداءات مقعد البدلاء.. إشارات يعرفها نجومنا جيداً.. ويستوعبون معانيها ومدلولاتها جيداً. الملعب مقفول تماماً بفعل 11 لاعباً يتحركون، وكأنهم آلات تدور داخل ترس يملح المدرب الخبير أن التحضيرات الأرضية والتحركات بالكرة ليست مأمونة العواقب.. يصدر تعليمات باللجوء للتحضيرات الهوائية، وهي هنا عبارة عن أدوات ومفردات جديدة تضع في الاعتبار الاقتصاد في الجهد والوقت ما أمكن، ومحاولة الوصول للمنطقة الكورية الوعرة جداً بأقل كرات وتمريرات أرضية ممكنة. الكوريون أكثر استحواذاً على الكرة، وانتزاعها من أرجلهم من الصعوبة بمكان تغييرات في منتهى الخطورة في مسار الألعاب.. يدخل حسين غلوم بدلاً من علي ثاني الذي تحامل على نفسه 45 دقيقة وكاد أن يضحي بمستقبله هو وبقية المصابين بفعل المخدر الموضعي وتصدر تعليمات جديدة ويبدأ شوط التكتيك الجديد. مصبح.. يا بطل 45 دقيقة هي التي تفصلنا عن روما.. جملة وحيدة قالها لهم زاجالو بين الشوطين.. لو استغليتموها كما يجب سوف تدخلون التاريخ الكروي من أوسع أبوابه.. اعملوا على امتصاص حماستهم.. استخدموا كل ما أوتيتم من ذكاء وحنكة وخبرة دولية.. انسوا تماماً التكتيكات التي حفظتموها ورأيتموها على السبورة. عمدنا على تهدئة اللعب.. عهد زاجالو بأفكاره الجديدة للاعبين الخلفيين، فعلى عواتقهم يقع عبء إحباط الهجمات الكورية المتلاحقة.. والدور والباقي على لاعبي الوسط والهجوم الذي كان عليه أن يستفيد مما قد يتيسر من فرص أو أخطاء. ويستمر شوط الصمود والتصدي على هذا النحو.. هجمات كورية ضارية، لكن متلعثمة وهدوء قاتل من لاعبينا الذين وضعوا أعصابهم في «ثلاجة» وكان من شأن ذلك أن «أكل» خط دفاعنا العصري الجو من الهجوم الكوري الشرس. التمريرات القصيرة البنائية ذات السرعة القصوى مستمرة، والثنائيات التي تتم في لمح البصر مازالت تبحث عن طريق لها نحو مرمى محسن البطل.. صد واحدة في الدقيقة 16 وأخرى في الدقيقة 20 وفي الدقيقة 42 أبطل مفعول كل كراتهم الفشنك. تبقت 7 دقائق خرج الطلياني، ودخل الحاج عزوز يسدد مير الصغير كرة يصدها العملاق الكوري على دفعتين.. الأنباء الواردة من الملعب الرئيسي تقول، إن قطر هزمت الصين، يصفر الحكم الفرنسي الرائع، وأعلن صعود من يستاهل اللعب مع الكبار، وينزل الستار على الفصل الأخير من ملحمة العبور.. أبطالنا يحملون علم الإمارات الغالي.. يطوفون به ملعب (جورنج ستاديوم).. أي قيمة هذه التي تحققت ترقرقت الدموع.. دموع الفرح.. سكت الكلام.. والمشاعر والأحاسيس وحدها قالت كل شيء.. وسجل يا تاريخ.. دخلنا التاريخ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©