الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بعيداً عن التجبر

بعيداً عن التجبر
28 يناير 2007 01:08
سعاد جواد: كان زواجي الأول عبارة عن صفقة تم عقدها بين زوجي ووالدي، وكنت مجرد طفلة في الثامنة عشرة من العمر، أبهرتني الهدايا والسيارة الفاخرة والمجوهرات فاعتقدت أنني أسعد إنسانة على هذه الأرض· ولكن بعد رحلة شهر العسل التي قضيتها في جولة رائعة لم أكن أحلم بها تكشفت لي الحقائق كلها، فزوجي تزوجني ليؤدب زوجته التي يعشقها فتعود لرشدها وتترك عنادها وتعود إليه، وبالفعل فقد تحقق له ما أراد· جاءتنا تلك المرأة وهي في كامل زينتها وكأنها ذاهبة إلى عرس· كانت جميلة جدا· صعقت عندما رأيتها، إنها أجمل مني وأنضج· بدوت أمامها كطفلة بلهاء لا أجيد التحدث والتصرف· ارتباك شديد جلست أمامي ونظرت إلي من عليائها وقالت أأنت زوجته الجديدة ؟ بدوت متلعثمة لا أدري ماذا أفعل؟، قلت لها بارتباك شديد: لم أكن أعلم أنه متزوج من امرأة جميلة بهذا الشكل· أدارت وجهها نحوي وقالت بازدراء: بل تعرفين أنت وأهلك كل شيء ولكن أمثالكم يبيعون أنفسهم بالمال· إحمر وجهي غضبا، انعقد لساني لفترة، ثم فكرت بأنني إن لم أرد عليها فإن النار ستأكلني فأجبتها بعد صمت طويل: أنا لم أخطف زوجك، لم أكن أعرفه ولم أسمع به من قبل، ولكن النصيب· أسكتتني بإشارة من يدها وقالت: لقد تركته لأؤدبه فقام هو بتأديبي، لقد تعادلنا وسيعود إلي وأنت ستكونين الخاسرة في جميع الأحوال، ثم تركتني وانصرفت· بعد أن خرجت من بيتي بكيت كثيرا، خصوصا وأن زوجي كان يختبئ خلف الباب ليسمع ما يدور بيننا، وعندما ذهبت فتح الباب وهو سعيد ومنتش بما حققه من انتصار· لم يكترث لدموعي وجرح كرامتي وكل ما كان يهمه هو النظر إلى الهاتف وترقب اتصالها لتبلغه بأنها راضية عنه وأنها عادت إلى منزلها مرة أخرى· وفعلا فقد تم له ما أراد واتصلت به واعتذرت منه وطلبت منه العودة إلى بيته· فما كان منه إلا أن أخبرني بأن أحمل أمتعتي التي لم يتسن لي ترتيبها في بيت الزوجية وأعود لمنزل أهلي، ووعدني بأنه سيعوضني ماديا عن كل ما لحقني بسبب هذا الزواج· هكذا بكل بساطة تم اللعب بي كورقة تافهة تم الاستعانة بها لفترة ثم الاستغناء عنها بعد أن إنتهت الحاجة إليها· تورمت عيناي من البكاء ولكنني تماسكت بعد أن شعرت بأن والدي مرض من شدة تأنيب الضمير، فخشيت أن أخسره وأخسر كل شيء· استعدت نفسي وقررت ان أنسى كل شيء وسألتحق بالجامعة لألحق بزميلاتي اللاتي سبقنني إليها· وعلى كل حال فقد حصل والدي على مبلغ لا بأس به يستعين به على تسديد ديونه التي عجز عن تسديدها بعد إحالته إلى التقاعد· زواج ثان مرت أربع سنوات، كنت منهمكة خلالها في الدراسة وقد أبعدت فكرة الزواج عن رأسي تقريبا لأنني أصبحت مطلقة وهذا اللقب كفيل بإبعاد الراغبين في الزواج· لكنني فوجئت يوما بوالدتي وهي تدخل علي مستبشرة، أخبرتني بأن هناك خاطبا يريد الارتباط بي· أكفهر وجهي واظلم قلبي، تملكني الخوف من أن تتكرر المأساة وأكون أداة جديدة يلعب بها رجل آخر لقضاء مصلحة ما· شعرت أمي بما يعتلج في صدري فطمأنتني إلى أن الأمر مختلف هذه المرة، فالخاطب هو شاب وسيم لم يسبق له الزواج· ما الذي يدعوه إذن للارتباط بامرأة مطلقة ؟ لابد أن في الأمر سرا لا أعرفه، والأفضل أن لا أرفض وأحاول أن أكسب الوقت لأعرف أكثر عن الأسباب التي جاء من أجلها لخطبتي أنا بالذات· طلبت أن تطول فترة الخطبة· وبعد محادثات هاتفية ولقاءات عائلية بيننا تأكدت من أنه شاب لطيف وطيب ودمث الأخلاق ولا يعيبه شيء، فقلت في نفسي: الأفضل أن أترك تجربتي الماضية وراء ظهري فقد عوضني الله خيرا بعد تلك التجربة الفاشلة التي مررت بها· بدأت أستعد لزواجي الجديد بعد أن أنهيت دراستي الجامعية بحسب الاتفاق الذي تم بيننا، وكلما اقترب موعد العرس كنت أشعر بالخوف أكثر وأكثر، فهل سيتغير معي ؟ وهل سيتخلى عني؟· تزوجنا وقضينا شهر العسل ولم يحدث ما توقعته، بل العكس فإنني وجدت بأنه كان إنسانا رائعا بمعنى الكلمة· لذلك أحببته بكل ما في الكلمة من معنى وتفانيت في إسعاده، ومساعدته في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا· كان يعتذر مني لأن راتبه لا يكفي لسد جميع احتياجات الأسرة فوضعت راتبي تحت تصرفه، ألسنا نكمل بعضنا البعض؟ نعم ···ولكن أنجبت ثلاثة أطفال وانشغلت بهم، ولكني لم أنس لحظة واحدة الاهتمام بنفسي وبزوجي الذي تطور في مجال عمله وتدرج في المناصب حتى أصبح مسؤولا كبيرا، وبالطبع فإن زيادة راتبه انعكست على حياتنا كلها، فانتقلنا إلى فيلا جميلة وراقية قمنا بشرائها وتأثيثها بأحسن الأثاث، كما أصبح لدينا خادمتان بدلا من واحدة· فشكرت ربي على هذه النعم وتفانيت أكثر وأكثر بالعناية بزوجي وأولادي· مرت عشر سنوات وأنا في سعادة لا توصف ولكن لاحظت بأن زوجي بدأ يتغير في الفترة الأخيرة، فقد صار يغيب عن المنزل بحجة العمل والمجاملات التي يقتضيها المنصب، وازدادت سفراته فصار يقضي أسابيع طويلة بحجة الارتباطات والمسؤوليات التي توكل إليه· وعندما يعود بعد غياب طويل فإنه لا يبدي شوقا أو لهفة لنا أنا وأولاده ويتحجج دائما بالتعب والإرهاق· حاولت أن أتكيف مع هذا الوضع الجديد إلا أن الوساوس كانت تملأ رأسي باستمرار فتمنع عني النوم والراحة· كيف أتأكد من أن زوجي مشغول فعلا بعمله كما يدعي وأنه ليس على علاقة بامرأة أخرى ؟ إنه أمر صعب علي لأنني لم أتعود أن أبحث في أشيائه أو أن أراقبه وأتتبع خطواته· كنت أثق به ولم أترك مجالا للشك لدخول قلبي ونفسي، ولكن الوضع الجديد الذي فرض نفسه على حياتنا يدعوني للتأكد· قررت أن أغير أسلوبي وأن أبدأ حملة بحث ومتابعة كي أصل إلى ما يريحني· قمت بتفتيش أشيائه كلها، الأوراق، الحقائب ذات الأرقام السرية، الجاكيتات· بحثت بدقة ولم أعثر على شيء· عندها قررت متابعته والمشي وراءه حتى أتيقن من عدم خيانته لي· خرج في مساء أحد الأيام بعد أن اعتنى بلباسه عناية فائقة وتعطر وتبخر وانطلق بسيارته الجديدة· خرجت وراءه، وبالطبع فإن الازدحام الخانق الذي ملأ الشوارع لم يعطني فرصة لمتابعته فضاع مني وسط الزحام وعلقت في الشارع وبصعوبة شديدة عدت لمنزلي وأنا حائرة ماذا أفعل وكيف أتصرف؟ رجل آخر قررت الذهاب إلى مكان عمله والتعرف على بعض الموظفات العاملات تحت إدارته لمعرفة ما يدور من أحاديث عنه، فلربما وصلت إلى الحقيقة عن طريقهن· لم يكن صعبا الوصول إلى ذلك الهدف، فبعد زيارة بسيطة لأحد المكاتب تعرفت على موظفة يبدو من شكلها أنها ثرثارة تتحدث بكل سهولة دون أن أحتاج لجهد كبير لجرجرتها في الكلام· سألتها عن مديرها وكأنني قد جئت باحثة عن عمل لديهم ففاجأتني بقولها: إنه رجل لئيم وخبيث، يصعب التعامل معه، وأن جميع من في المؤسسة لا يطيقونه· قلت لها مستغربة: ولكن هذه الصفات لا تناسب مظهره، إنه وسيم ولطيف· قالت: من قال لك ذلك ؟ الوسامة لا تمت إليه بصلة وهو بعيد كل البعد عن الطيبة· إنه كالذئب تماما، ينظر إليك بنظراته الحادة فتموتين رعبا وخوفا منه، بصراحة أنصحك بعدم التفكير بالعمل في مؤسستنا، فمثل هذا المدير لا يرحم الموظفين، خصوصا الجدد منهم· لم أصدق نفسي هذه المرأة تتكلم عن زوجي ؟ هل هذا معقول ؟ إنه طيب وغاية في الإنسانية هل ما أسمعه حقيقي ؟ سألتها عن اسمه لأتأكد من أنها تعني الشخص نفسه، فأكدت لي بأن الأسم صحيح، فسألتها مرة أخرى، وهل هو ممن يقيمون العلاقات مع النساء؟ قالت: ومن هي تلك الغبية التي تفكر بإنسان مثل هذا ؟ إنه ممقوت من قبل الجميع، وهو ليس من النوع الذي يكترث للنساء، إنه تركيبة غريبة، أعان الله زوجته عليه· لم أصدق كل ما سمعته، وقلت في نفسي: إن هذه المرأة ثرثارة، وهي ربما تكرهه لموقف حدث بينهما، وربما هي تنتقم لنفسها منه عن طريق تشويه سمعته· أردت أن أعرف رأي شخص آخر غيرها فذهبت إلى أحد المسؤولين في المكتب المختص بالتوظيف، فاستدرجته بالكلام ونقلت إليه ما تحدثت به تلك الموظفة دون أن أذكر اسمها، فاكفهر وجهه وأطلق كلمة شتم في زوجي ثم قال: مثل هذا الإنسان لا يستحق إلا هذه الكلمة، إنه إنسان ظالم لا يتق الله فيمن يعملون تحت إمرته· تعجبت لما سمعت، كنت ذاهبة للبحث عن أسرار زوجي وعلاقاته مع النساء فاكتشفت الوجه الآخر الذي يعرفه الناس به فتعجبت، كيف يمكن لإنسان أن يكون له مثل تلك الشخصيتين المتناقضتين، فطوال العشر سنين التي مضت من زواجنا ما وجدت منه إلا الطيبة وجمال الشخصية وجميع الصفات الحسنة، وهاأنذا أكتشف بأنه يعيش بشخصية أخرى خارج بيته، فكيف يمكنني استيعاب مثل هذا الوضع؟ الخيانة والطلاق ركبت سيارتي بنية العودة إلى البيت، رن الهاتف فوجدت رقم زوجي·· غريبة! هو لم يتعود الاتصال بي في الفترة الأخيرة· ترى هل عرف بوجودي في مكان عمله ؟ إنه موقف محرج ماذا أقول له لو سألني: ماذا تفعلين ؟ ولماذا تتجسسين علي ؟ تغلبت على ارتباكي ورددت على مكالمته فأخبرني بأنه سيتغدى خارج المنزل· عاودني الإحساس بالشك فقررت العودة إلى نفس المكان ومراقبة سيارته ومتابعتها لأتأكد من المكان الذي سيذهب إليه· حالفني الحظ هذه المرة واستطعت ملاحقة السيارة بسهولة· فقد كانت الشوارع شبه خالية· الغريب أنه لم يذهب إلى أحد المطاعم أو الفنادق وإنما ذهب إلى بناية سكنية، ركن سيارته ودخل إلى تلك البناية، فتبعته بسرعة حتى لا تفوتني معرفة الطابق الذي صعد إليه، طلبت مصعدا آخر وصعدت وراءه بنفس الطابق وانتظرت هناك بتوتر شديد، توجد شقتان فقط في هذا الطابق، فهل أضرب الجرس لأتأكد من كل شيء، أم أنتظره حتى يخرج ؟ أم ماذا أفعل؟ انتظرت قليلا فقطع ترددي خروج عائلة من إحدى الشقتين، إذن فهو في الشقة الثانية· وقفت أمام الباب وأنا ارتعد من شدة الانفعال، ضربت الجرس فلم يفتح الباب، ضربت الجرس مرة أخرى ولا أحد يرد علي، ثم وضعت يدي على الجرس ولم أرفعها حتى فتح الباب فظهرت امرأة، دفعتها من أمامي ودخلت· بحثت عنه في كل مكان فلم أجده، فاعتقدت بأنني أخطأت الطابق ولكن نظرة المرأة هي التي جعلتني أتيقن من أنها تعرف عن ماذا أبحث، إنها تبتسم بسخرية وكبرياء وهي تنظر إلي من طرف عينها· تلك النظرة ذكرتني بنفس الموقف الذي مر علي في زواجي الأول، نفس النظرة الحقيرة، كنت وقتها صغيرة وضعيفة، لم أكن قادرة على مواجهتها، أما الآن فلست كذلك· أنا في موقع القوة، هي أخذت مني زوجي فلتســتحي من نفســـــها ولتنكسر عينها· واجهتها، قلت لها: هل أنت زوجته أم عشيقته ؟ قالت لي بنفس الكبرياء: بل زوجته، صعقت وتزلزل كياني كله، ولكني تماسكت· كم أكره هذه المواقف· قلت لها: أين هو؟ قالت أبحثي عنه في أحد الدواليب، أو تحت السرير· لم أشأ أن أرى زوجي وحبيبي وهو في وضع شائن ومهين، لذلك قررت أن أتركه لها وأعود الى بيتي· يكفيني كل ما سمعته عنه وكل ما عرفته، فهذا الإنسان أحقر من أن يكون زوجي؟ عدت الى بيتي وكل شيء بداخلي متصدع، روحي، قلبي، نفسي، كل أجزائي انهارت وتوجعت· أغلقت باب غرفتي وبكيت كبركان ثار أخرج كل ما في جوفه· مرت أيام ولم يعد إلى المنزل ولم يتصل ولم يرد على اتصالاتي، فبعثت له ''بمسج'' أطالبه فيه بالطلاق فأرسل لي ''مسجا'' آخر يقول فيه: أنت طالق· كان ذلك ''المسج'' قاسيا ومؤلما على الرغم من أنني أنا التي طلبت الطلاق ولكني لم أتوقع أن يصل به الحال إلى تطليقي بهذه الطريقة الغريبة· لم أستطع أن أخبر أهلي ولا أولادي بكل ما حدث بيني وبين زوجي، وقررت الانتظار حتى نهاية مدة العدة قبل أن أعلن للجميع نبأ الطلاق· كنت أفكر كثيرا بحال أولادي، والتأثير النفسي السيء الذي سيتركه هذا الأمر عليهم وكنت حائرة· عودة الزوج الضال بعد مضي شهر واحد على الطلاق، عاد زوجي إلى البيت وكانت حالته مزرية، طلب مني أن نتحدث فأعطيته تلك الفرصة فأخبرني بأنه طلق الأخرى وأنها مجرد نزوة عابرة في حياته، طلب مني مسامحته وعدم تقويض أركان أسرتنا بسبب ذلك الخطأ· أخبرته بصراحة بأنه قد سقط من عيني وأعلمته بالبغض الذي تركه لدى موظفيه لمعاملته اللا إنسانية لهم، واجهته بكل ما قالوه عنه· صدمته تلك الحقائق وبدا ضعيفا خائرا ذليلا· لا يدري ما يفعل، صعب علي فهو أولا وآخرا زوجي، حبيبي، والد أبنائي، سامحته شرط أن يتغير ويعود لإنسانيته بعيدا عن التجبر والظلم·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©