الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إعادة الاعتبار للأديب النزيه

إعادة الاعتبار للأديب النزيه
9 أكتوبر 2013 21:36
أصدرت “الدار المصرية اللبنانية” سلسلة جديدة بعنوان “كلاسيكيات” قدم لها د. صلاح فضل، وفي باكورة هذه السلسلة جاءت أعمال مصطفى لطفي المنفلوطي، وفي المقدمة منها كتابه “النظرات” ويقع في أجزاء ثلاثة قدم لها وعلق عليها محمد فتحي ابوبكر. والمنفلوطي تعرض لتجاهل شديد في العقود الاخيرة مع انتقاص من قدره، حيث رآه بعض الكتاب والمثقفين الجدد كاتبا قديما يكتب لغة باتت مهجورة واسلوبا تم تجاوزه وصحيح ان المنفلوطي كاتب محافظ، كتب بلغة زمنه اوائل القرن العشرين لكن من الجيد للقراء والكتاب الجدد ان يطالعوا ذلك الاسلوب ليعرفوا بعض اسرار العربية ورصانة التعبير، فضلا عن ان الرجل خاصة في كتاب “النظرات” طرح عددا من القضايا لاتزال تعيش بيننا. ولد المنفلوطي في منفلوط بأسيوط سنة 1876 وحفظ القرآن الكريم في سن الحادية عشرة من العمر ثم بعث به والده الى الازهر فارتبط بأستاذه الشيخ محمد عبده حيث استمع الى دروسه في تفسير القرآن الكريم وشرحه لكتابي الجرجاني حول اسرار البلاغة ودلائل الاعجاز ثم ترك الازهر واتجه الى كتب الادب ودواوين الشعر العربي وتعلم الفرنسية وصار يكتب الشعر واتجه الى الكتابة بالصحف ولم يترك تأثره بأستاذه محمد عبده وقد سجن بسببه 6 شهور، كان الخديو عباس مختلفا مع الامام ويريد التنكيل به، وسافر الخديو خارج مصر ولما عاد استقبله الشعراء بالترحيب، لكن المنفلوطي استقبله بقصيدة هجاء مطلعها: قدوم ولكن لا أقول سعيد وعود ولكن لا أقول حميد حوكم بسبب القصيدة متهما بالعيب في الذات الخديوية، وهو من اوائل الصحفيين الذين سجنوا في مصر بسبب كتاباتهم، وخرج من السجن يواصل الكتابة ولما مات محمد عبده عاد الى الصعيد وبقي يكاتب المؤيد من هناك الى ان اعاده الى القاهرة سعد زغلول، حين صار ناظرا للمعارف فعينه محررا بالمؤيد. المنفلوطي الازهري المحافظ والكلاسيكي، كتب مقالا سنة 1909 بسبب حادثة ولاية “أضنة”، وهي من الولايات العثمانية تم قتل المسيحيين بها والتمثيل بجثثهم في حادث بشع، أقره مفتي الدولة العثمانية وأدانه الازهر الشريف، مقال المنفلوطي بعنوان “لا همجية في الاسلام” يقول فيه “في أي كتاب من كتب الله، وفي اي سنة من سنن انبيائه ورسله قرأتم جواز أن يعمد الرجل الى الرجل الآمن في سربه، القابع في كسر بيته، فينزع نفسه من بين جنبيه، ويفجع فيه أهله وقومه، لأنه لا يدين بدينه ولا يتقلد بمذهبه، ثم يقول “لا أستطيع أن أهنئكم بهذا الظفر والانتصار لأني اعتقد ان قتل الضعفاء جبن وعجز ولؤم ودناءة، وأن سفك الدماء بغير ذنب ولا جريرة وحشية وهمجية أحرى أن يعزى صاحبها فيها لا أن يهنأ بها”. وحين وقع الاختلاف الشهير بعد ثورة 1919 بين سعد وعدلي وانقسمت الأمة الى سعديين وعدليين، كتب مناديا بالاتحاد ومنددا بما يحدث.. “عجز الاختلاف الديني بين عنصري الامة المصرية عن ان يفرق بين اوصالها وأن يحل جامعتها، وعجز الاختلاف الجنسي عن ان يؤثر في جامعتها تأثير أمثاله في امثالها من الجوامع الاخرى، فكان حريا ان يعجز الاختلاف السياسي عما عجز عنه الاختلاف الديني والجنسي، لولا انكم كبرتم ما صغر من هذا الاختلاف وعظمتم منه ما حقر، وألححتم عليه إلحاحا شديدا حتى حولتموه الى فتنة شنعاء وغارة شعواء”. ورأى ان هذه الخلافات في حقيقتها اوهام تفتت الامة وتمزقها. اتسم المنفلوطي بقدر كبير من النزاهة والشجاعة في تقييمه لرجال واحداث عصره، حين توفي جورجي زيدان فجأة صيف 1914، وكان هناك لغط بين بعض المتشددين الاسلاميين تجاه تناول جورجي زيدان للتاريخ الاسلامي، أثار ذلك غضب المنفلوطي فكتب مقالا مطولا حول زيدان فند فيه مزاعم هؤلاء جاء فيه “وقالوا: إنه شوه وجه التاريخ الاسلامي وعبث بحقائقه، ولم يسألوه من اين نقل؟ ولا كيف استند؟ بل سألوه لِمَ لَمْ يكتبه كما كتبوا ويستنتج مثل ما استنتجوا؟ كأنما لم يكفهم منه ان يروه بينهم مسيحيا متسامحا حتى ارادوا منه أن يكون مسلما متعصبا، يكتب التاريخ بلسان الدين كما يكتبون وينهج فيه كما ينهجون، فلما لم يجدوه حيث أرادوا رموه بسوء القصد في عمله وخبث النية في مذهبه”. ويكتب اكثر من مقال عن حرية المرأة وعن الاحترام الواجب لها وتستحقه “يجب ان نحترمها لتتعود احترام نفسها ومن احترم نفسه كان ابعد الناس عن الزلات والسقطات” ثم يقول “لا يمكن ان تكون العبودية مصدرا للفضيلة، ولا مدرسة لتربية النفوس على الاخلاق الفاضلة والصفات الكريمة إلا اذا صح ان يكون الظلام مصدرا للنور والموت علة للحياة والعدم سلما الى الوجود. ويقول ايضا عن المرأة “يجب أن تعيش في جو الحرية الفسيح وتستروح رائحته، ليستيقظ ضميرها الذي اخمده السجن والاعتقال من رقدته ويتولى بنفسه محاسبتها على جميع اعمالها ومراقبة حركاتها وسكناتها، فهو اعظم سلطانا واقوى يدا من جميع الوازعين والمسيطرين”.لم يكن المنفلوطي يطلب الحرية السياسية للامة والحرية للمرأة فقط، لكنه طالب بما سماه “الحرية اللغوية” للكتاب وللباحثين، ساخرا من اهل الجمود ودعاته”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©