الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من الجذور إلى الحضور

من الجذور إلى الحضور
9 أكتوبر 2013 21:34
مفيد نجم ما بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين استطاع الإسلام أن يصبح الديانة الثانية في فرنسا، فما المراحل التي مرّ بها هذا التاريخ؟ وما طبيعة التفاعل الذي حدث بين الأوساط الثقافية الفرنسية وفلاسفة المدرسة الوضعية والمفكرين الإصلاحيين المسلمين الذين وفدوا إلى فرنسا وتأثيرها على التطور الذي طرأ على وضع المسلمين والإسلام في فرنسا؟ كتاب “فرنسا ومسلموها/ قرن من السياسة الإسلامية 1895 ـ 2005” للباحث صادق سلام يحاول الإجابة عن هذين السؤالين، مستعرضاً بصورة مسهبة دور الشخصيات والحركات الإسلامية على هذا الصعيد، مع التركيز الواضح على دور المدرسة الوضعية الفرنسية في تعزيز وضع الإسلام والاعتراف به حتى أصبح الديانة الثانية هناك. المورسكيون المنفيون يعيد الباحث تاريخ العلاقة بين الإسلام وفرنسا إلى المرحلة التي بدأت فيها العلاقة بينها تتجاوز إطار علاقة دولة بدولة إلى نوع من الصلات المباشرة مع المسلمين الذين جاءوا إلى فرنسا أفرادا وجماعات بعد تطبيق معاهدة التحالف بين فرنسوا الأول وسليمان القانوني سنة 1535، التي وصل بموجبها آلاف من البحارة المسلمين من مدينة الجزائر إلى مدينة طولون بهدف ترهيب الملوك المسيحيين المتحالفين ضد فرنسا. وبعد أن تمت عمليات إبعاد المورسكيين عن إسبانيا، إثر سقوط غرناطة، إلى فرنسا بعد منحوا الإذن بالنزول في المرافئ الفرنسية، مكث المورسيكيون فترات طويلة بموجب تصنيفهم كشعوب مغبونة، وقد قدِّر عددهم بعشرات الآلاف، حيث استطاع بعضهم أن يقنع بعض البروتستانتين باعتناق الإسلام، في حين تحول بعضهم إلى البروتستانتية. ويشير الباحث سلام إلى الدور الذي لعبه جاك عبد الله مانو أثناء حملة بونابرت على مصر، لاسيما أن هذه الشخصية تولت قيادة الجيش الفرنسي في مصر بعد اغتيال الجنرال كليبر، بينما شكلت إقامة الأمير عبد القادر الجزائري وحاشيته في فرنسا حلقة مهمة في تاريخ الوجود الإسلامي في فرنسا. أما في عهد الجمهورية الثالثة فكان يعيش في فرنسا عدد غير قليل من المثقفين المسلمين وقد ازداد عدد هؤلاء المثقفين بصورة ملحوظة بعد الزيارة التي قام بها مدحت باشا، حيث أحسن الوضعيون الفرنسيون استقباله. وكان لوجود المفكرين الإصلاحيين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في فرنسا دوره في تعزيز الحراك الإسلامي هناك، إذ كانت الديبلوماسية الفرنسية تسعى لإثارة حفيظة البريطانيين. الباحث يعتبر عام 1895 نقطة مهمة في تاريخ العلاقة بين فرنسا والإسلام إذ تم فيها تقديم المطالب الثلاثة التي يكون القبول بها بمثابة اعتراف بالدين الإسلامي، وهي تتخلص في إقامة أماكن عبادة ومراكز تعليمية ومقبرة خاصة بالمسلمين. في هذه الفترة لعب الوضعيون الفرنسيون دوراً مهماً في دعم هذه المطالب عندما افتتحوا في باريس المعهد الحر للعلوم الاجتماعية، حيث أدرج الإسلام في المنهج. الوضعية والإسلام يركز الباحث على الدور المهم الذي لعبه الفلاسفة الوضعيون تجاه الإسلام الذي اعتبروه ديناً جديراً بالاحترام، وكان موقفهم من المسألة الجزائرية يدعو إلى عدم استغلال المستوطنين للسكان المحليين، إضافة إلى المطالب بإعطاء العرب وأهل القبائل كامل الحقوق السياسية الفرنسية، كما كانت الحال بالنسبة لليهود. وفي حزيران 1907 أسست مجموعة من المثقفين المسلمين في باريس جمعية الأخوة الإسلامية التي كانت تُعنى بتربية وتعليم المسلمين، وأهميتها تكمن في قدرتها على الاستمرارية بسبب ما تميز به من تعاقبوا على رئاستها من مستوى فكري وتصميم، على خلاف الجمعيات الأخرى التي كانت سرعان ما تختفي. ويبين الباحث الدور الذي لعبه الحاج خالد حفيد الأمير عبد القادر الجزائري في بلورة مطالب المسلمين. وحتى منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين ظل الإسلام في فرنسا إسلام الفرق الصوفية الذي يعكس واقع الفضاء الديني في الجهة الأخرى من المتوسط، حيث كانت تنقسم الحركة الصوفية المغاربية إلى فرعين كبيرين: القادرية والخلواتية، وينقسم كل منهما إلى تنظيمات عدة فرعية. وبعد أن مرت قرون عديدة على انتشار العقيدة القادرية بين الناس ازدهرت فرقة الخلواتية، ثم جاءت الجمعيات والنوادي الإصلاحية لتلعب دوراً مهماً في أوساط العمال المسلمين في فرنسا على صعيد التربية والتعليم الديني، ما أدى لاستقطاب المئات منهم، وقد كان للنجاحات التي حققتها هذه الجمعيات دورها في خلق وعي لدى هؤلاء العمال بأنهم ينتمون إلى قومية ثقافية مسلمة، ما أدى إلى إفساح المجال لقيام تعاون بينهم وبين المشارقة المقيمين في باريس. وفي عام 1952 جرى تدشين المركز الثقافي الإسلامي الذي لعب دوره في تعميق الصلات الدينية بين المسلمين من كل الجنسيات، ما أدى إلى انتساب عدد من المفكرين المسلمين إليه، مثل مالك بن نبي والسوري عثمان يحيى والاختصاصية في التصوف الإسلامي إيفا دو فيتري عضوة المركز الوطني للبحوث العلمية، والتي اعتنقت الإسلام بعد مسار شخصي طويل، إضافة إلى خلدون كناني وعدد من المسلمين الأفارقة والجزائريين، منهم أحمد طالب الإبراهيمي. لكن حرب الجزائر عملت على تحويل النقاش حول مواطنة المسلمين إلى مأساة بعد أن منعت فتح أماكن للعبادة ومدارس ومقابر خاصة بالمسلمين. التحول الثاني في وضع المسلمين بدأ مع صدور القرار الذي يسمح بالإقامة، لأنه أيقظ ذلك الشعور الإسلامي لدى كثير من العمال الذين كان جل اهتماماتهم تنصب على الهدف الاقتصادي الذي هاجروا من أجله، الأمر الذي جعل عدد أماكن العبادة التي افتتحها العمال في منطقة باريس بإمكاناتهم الخاصة حوالي مئة مسجد. ومما عزز ذلك هو الاهتمام الذي أبدته الكنيسة بالحياة الدينية. ويحدد الباحث نهاية السبعينيات بداية لسعي بعض معتنقي الإسلام الذين كانوا أقل انجذابا للتصوف وعلم الكلام إلى تبرير بعض التجارب الحياتية كالعودة إلى الأرض والاكتفاء الذاتي، في حين أن أواسط الثمانينيات شهدت قيام مجموعة ذهبت بعيدا في محاولة رفض الحضارة الصناعية. هذه الحالات كشفت عن الصلات التي كانت تربط الإسلام بأشكال من اليوتوبيا، وكان من أسبابها الفراغ الروحي الذي خلفته الحضارة الصناعية. ويكشف الباحث أن غياب المرجعية بالنسبة لمسلمي فرنسا أدى إلى تسابق عدد من الدول الإسلامية على السيطرة على الدين. في منتصف الثمانينيات برزت حدة الصراعات بين المساجد الكبرى في فرنسا، بعد أن قام عدد من الدول العربية كالمغرب والسعودية والجزائر ببناء عدد من المساجد الكبرى. كذلك كان المال سبباً كافياً لظهور الانقسامات حتى داخل المسجد الواحد كما حصل في مسجد داوا. الكتاب: فرنسا ومسلموها/ قرن من السياسة الإسلامية 1895 ـ 2005 المؤلف: صادق سلام الناشر: مشروع كلمة ـ هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©