السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أنت الممتدة من السلع حتى شعم

أنت الممتدة من السلع حتى شعم
9 أكتوبر 2013 21:33
علي أبوالريش للأشياء صفة، ولكِ كل الصفات، ولحمرتكِ اشتياقات خيوط الشمس، في الصباح تغسلين قماشة الحلم، وتعلقين على مشجب الحياة أمنيات المدنفين، وهذه الأقدام الحافية مشرعة للرمل، تخب على حضيض الشهوات القديمة، تُقدم مولعة بالرضيض، والعيون.. كل العيون، تهتف لله كيف صاغ هذه التقاسيم المؤلفة، من تفاصيل مدهشة.. أنت المدهشة، في هزيع الليل تبدو كعويل عالية في العتمة، مداهمة، مباغتة، مشاغبة، قلقة إلى حد التلف، من ذاك الجدير بفضيلة الأتقياء، الذي صام وصلى، ونام تحت خفي امرأة غنجت وتحايلت على قدراته حتى سال الرحيق من أحشاء الذروة القصوى، ثم ناخ بعيره، متوسداً، عيني أنثاه، مخضباً بالفرح، وانحسار القلق إلى أدنى حالاته.. أنت تمارسين في الليل، لعبة الطير التائه في جنوحه عن السرب، وانتحاله صورة الكائنات المبهمة.. أنت في الليل، تعانقين صفير الأغصان، وخشخشة الفراخ في الأعشاش الشاهقة.. أنت تلحسين العرق، رضاباً كهنوتياً، معطراً ببخور الصوامع المبجلة، تجلسين على أريكة كون يشكل حُلِيه بأنامل، الزمن الجميل، ورفرفات جفون نساء عشقن البريق حتى الثمالة، ثملن حتى تغضَّنت أرداف الكثيب تحت أقدامهن، صرن هن الصحراء المعشوشبة باللباقة، صرن هن الموجة الملوَّنة بالبيان، وأنت تشتاقين لعطر الأجساد اللدنة.. قمرك اللجين، يسطو في الليل على حشمة الساهرات وجداً، يغني لهن ويمسد الخصلات بمشط حكاياته الأزلية.. مولعة بالجنون أنت الممتدة من السلع حتى شعم، تنعمين بالسكون، صحراء مولعة بالجنون، وهبات النوق الضائعة في قصائد الوله، وأحلام ما بعد اليقظة، عندما تهب الريح، وتميل أغصان الغاف، ريانة بالأمل، تصافحين كل غصن وغصن، ثم تستسلمين للاسترخاء، تفركين الرمل بالرمل، حبّات مسبحة مضيئة غارقة في النصوع.. منذ زمن، والضجيج يقض مضجعك.. منذ زمن هطولك يغري خيمتك المعقوفة على الفراغ، يغسل ثوبها الصوف، ويبلل رموش النساء فتبدو النظرات أشعة ضوئية قادمة من المدى.. منذ زمن وكتابك ملفوف بالغبار، مسقوف باصفرار مزرٍ، لكنك كلما مر يوم نهضت في الصباح، وناديت لعلّ الصدى يخترق الأفق، وتفيق الطيور المهاجرة، لتعود تارة أخرى إلى حيث تتزين الكثبان بحلى لا تشبهها إلا هي.. منذ زمن والمرأة التي كانت تحلب ضرع النهار لم تزل ترى الغنم في وحشة المكان، وتراكم حصى العزلة، على وجه الفراغ الوسيع.. أنت، في الخلود سجور، ونهور، تنز بالحرقة.. أنت في الوجود نشأة وارتقاء، وتطور الأنواع، في حلقة تضيع في معمعة الأسئلة الغامضة.. أنت الأجمل في التاريخ والأكمل في التضاريس، وأنت الشمول في المعنى، فللأشياء رسمة، ولكِ جل السمات، لأنك القرين المكين، الساهر على هدهدة الضمائر الذائبة في مواقد القلق.. صحراء.. كامرأة ظمآنة تشتاق البلل، كوردة سهرانة تلوِّن أجنحة الفراشات بالفرح، كحمامة برية، جناحيها ليل ونهار، وتوقها للتحليق امتثال لرغبة الكائنات في التخلص من ربقة الكتمان الأثيمة. صحراء.. الفضيلة، والفصيلة والقبيلة، والرغبة الجزيلة في الانعتاق من وَهْم التقوقع، وانحسار الحلم إلى ما بعد الوعي.. أنت المهرة الراجفة، المتربصة، في متى وكيف تسوم الريح الكائنات عصفاً، ونسفاً، وخسفاً، وكسفاً، ورجفاً، وعجفاً.. أنت مثل التاريخ في المجمل، فصول تتلوها فصول وصفحات تتقلب على أحداث، وأنهارك المغسولة بالرمل لم تزل في الصورة، كوجه العذراء والبتول، وفي الصفاء الجلول حكاية البدء، والنهايات الفظيعة، وما جاز في الأمل، أن يمدد ذراعاً ويفرد شراعاً، ويهدي للأصيل شموعاً تضيء انكفاء الشمس ويلون الشفق ببريق المقل.. أنت المجاز والنشاز، وأنت جواز السفر باتجاه المجد المجيد، والزمن التليد، وخلود الأمنيات، واغتسالها من عذوبة العيون، المحفورة في الأحشاء، المسورة بمداد الجفون.. أنت الطوق، والفوق، والشوق، والتوق، والنوق العازفات لحن الصبابات والصبا، وصبوات الغارقين في بحور الرمل، حتى شوائب الحلم، الناهلين من عنب شعم، وبرحى العين.. أنت الكف والطرف، أنت الذرف والظرف، أنت السقف والحتف، أنت الحرف والطيف، أنت المسافة ما بين الرمش والرمش، أنت النبش في البذور والصدور. في واحة القلب تسكنين صحراء معشوشبة بالنساء، ثريات بالمعنى، زاخرات بالنشيد، نازفات بالأشواق، تائقات للفناء، أنت في صدر القصيدة قافية ووزن، ولحن وفن، وزمن يثري الفؤاد بالجملة المفيدة.. أنت المهجة لواعج، ومآرب أخرى تهش المشاعر ولا تذيب الأسى.. أنت القوة اللذيذة، أنت النشوة الأكيدة، أنت الذروة في التكبيد، والتنهيد، والترديد، والتسديد، والتجريد.. أنت اليقين، ولا تخمنين، ولا تضمنين، ولا تسكنين.. وأنت البيان والتبيين، أنت الجديلة الصافية على متن، أنت الفضيلة في الزمن، أنت النقطة الفاصلة ما بين منطقة النسيان والتذكر، أنت التفكر والتبختر، ولا تقهقر، أنت السماء نجومك عيون نساء، وأقمارك نهود بلا كساء، والكويكبات أرداف تتطاير جذلانة باشتهاء، أنت الاكتواء والاحتواء، والابتداء، أنت الاستواء، والبهاء، أنت الرعشة الأبدية حين يهز العصف أعضاء الابتلاء، أنت.. أنت، الأنثى المجللة بالقداسة، والنفاسة، والفراسة، أنت الأنثى المخضبة بالرغبة المتوحشة، وأعطاف الصرخة المدوية.. أنت.. أنت المدار والدوَّار، وأنت الحوار، المزخرف بفطرة الكائنات وعفوية الشجر، وشفافية الطير.. أنت الجناح والجراح، والانشراح، أنت الانفتاح على نوافذ السماء، وأنت البداية في الثناء والإطراء، وأنت جملة الوعي قراءة وكتابة، وأنت الإنصات حين تعزف السماء سيمفونية المطر.. أنت القدر وأنت السهر. وعورة الورع صحراء.. جزيرة بحرها أشواق الحاطبين، وطيورها «غاف» و«سمر» وسدر وما عرَّش النحل، وما خبأ النحل، وما جاش في خواطر القطط الجبلية من جزيل التطلع إلى تسلق لا يخفى الجزع.. صحراء بوعورة الورع، وتجاعيد الرمل، تخطفين الأقدام ما فيه إلا من الأمل، وتسرقين الدمعة من العيون، وتذرفينها أنهاراً وودياناً.. أنتِ ازدهار اللون ساعة المطر، وافتخار الطير جذلان بفرحة الشجر، أنت النار في غضبة الصيف المهيب، أنت الزمهرير في رجفة الشتاء الرهيب، أنت السحر، والنحر، والفجر المدلل بالهفهفة والنسيم، أنت النعيم مسترسل يفضي إلى نعومة الرمل، وشقاوة الندى، على خدود الناعسات الكواكب.. أنت في القُبلة قِبلة، وشفة مدللة بالريق الأنيق، وعذوبة المذاق، أنتِ في نفرة الحجيج ركاب وصحاب، وأنخاب وأطياب، وأحباب، زانت الدنيا بهم، فازدانوا بالحميمية.. أنت النسغ والنسق، وأنت الرسغ، والبلوغ أنت النبوغ المؤدلج بالمعرفة، وما جادت به الفلسفة، وما أطرى على بال بن ظاهر، من شعر أعذب من الشهد.. أنت الوقيعة والورطة اللذيذة، أنت الجسارة والجدارة، ومهارة الرمل في سبلة القصيدة باقتدار وتميز.. أنت قيثارة الشجر، والعازفون كثر.. أنت الوجد والمجد، والمهد والنهد، والسعد والبُعد، والغد والحد، والنِدّ والسد، أنت الأمد الرابض في أحشاء الكلمة الناهض في أسراب الأفق. صحراء عين الماء الباسك، الهاربة في عروق الوعد والعهد، صحراء جنونك مجون، ومزونك نفير وسعير وخرير.. صحراء في الغضب عتاب مرير، وفي العشق، صولات النوق، على كثيب خصيب.. جاز للبدوي المبجل أن يهتف عالياً، إليك يا بتول، يا سليلة الخنساء، ونسيبة بنت كعب، والسوقطرية الأريبة.. إليك يا صحراء، هذا المدى يسكب ماءه ودماءه، ويخضل لحية الكهل، ليغري الجسد، بالنفرات، وشفرات السماء وانهماك النجوم في اللألأة، واحتراق الغيوم في مواقد التصادم العظيم.. صحراء، أحببت فصدقت فنمت قريرة تدغدغين الطير والشجر، وتناوشين البشر، وتحلمين كما يحمل الطفل بلمضة، وتغدق على فمه الصغير، بالبلل.. صحراء، لا شيء غير النظرة الأولى، فحب ثم اكتواء، ثم مقلق بما يمزق ويحرق، ويسرق طلاقة اللسان، وشفافية الأشجان.. صحراء، بُعدك الأزلي، الطريق إلى ذاكرة تلون صفحاتها بالأمل، وتزرع حقل الأحلام، بعشب الأمنيات الخضر.. صحراء، النداء من قمة كثيب، هديل يذهب صداه إلى حيث تتسع الأرجاء، وتضج بالقلقلة.. صحراء، قبلات الطير للطير لا تكف، همهمات الأغصان للأغصان لا تكف، تلاقح الرمل والرمل لا يكف، ولا يكف شيء سوى أن تفتح الصحراء ثغراً، شفتاه كثيبان، ولسانه واد بذي زرع، ورضابه ماء يخرج من بين الصلب والترائب، ولهفته طوق على طوق، وانطواء ما بين رفتي جناح.. صحراء، ليست إلا أنت والمرأة، لارتعاشتكما نخوة الكائنات النبيلة، وفضيلة العطاء حين يكون العطاء الورطة الأجمل..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©