الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ولْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق»

«ولْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق»
9 أكتوبر 2013 21:32
عرف العرب قبل الإسلام الطواف حول الكعبة المشرفة في مكة المكرمة حينما كانوا يحجون إلى بيت الله الحرام يقيناً منهم من أنّ هذا هو حرم الله في أرضه، وبيته الحرام الذي اختاره في البقعة التي فضلها على الأرضين، فكان هؤلاء العرب الجاهليون يأتون إلى البيت الحرام حيث يتم نسكهم، وتُقضى حوائجهم، فكان يأتي إليه المُستجير والمُستغيث والمُستعيذ والخائف والراجي رحمة ربه، وكان أول مَن استعاذ بالبيت الحرام حوت صغير خوفاً من حوت كبير، وكان ذلك زمن الطوفان. عبدالمجيد عبدالحميد للطواف اشتقاقات كثيرة ودلالات لمعناه اللغوي. فالطواف يعني: قطع المسافة التي تحيط بالكعبة المشرفة سبعة أشواط، أو سبع مرات، وتسمى أسبوعاً. عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنّه كان يطوف بالبيت سبعة أسابيع بالليل وخمسة بالنهار. قال: “إنّ آدم عليه السلام كان يطوف كذلك”، وعنه أيضاً: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “مَن طافَ بالبيتِ خمسين أسبوعاً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه”. وذكر الشاعر الصرصري كيفية الطواف، وعدد أشواطه بقوله: ويطوفُ مضطبعاً طواف قدومه سبعــــاً ببيت عُظِّمتْ أستـــــاره، بينما قال مضاض الجرهمي واصفاً الكيفية التي كان الجاهليون يمارسون بها هذه الشعيرة المقدسة: ونحن ولينا البيت مِن بعد نابـت نطــوف بذاك البيت والخير حاضر ووصف الشاعر حسان بن ثابت الأنصاري طوافهم أيضاً، وعدد المرات، وكيف كان سجودهم عند مقام إبراهيم عليه السلام قائلاً: ثم طفنا بالبيتِ سَبعاً وسَبعاً وسَجدنـــا عِندَ المَقامِ سجـــــوداً ونجد الدوران حول الشيء هو خاص بالطواف حول الكعبة المشرفة في مكة المكرمة وقد أشار إليه القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وذكره العرب في لغتهم الجميلة. يقال رجلٌ طاف: كثير الطَّواف. وتَطَوَّفَ الرجلُ أي طافَ، وطَوَّف أي أكثر الطَّوافَ، وطاف بالبيتِ وأطافَ عليه: دار حوْلَهُ؛ قال أبو خراش: تُطِيفُ عليه الطَّيرُ، وهـــــو مُلَحَّبٌ، خِلافَ البُيوتِ عندَ مُحْتضملِ الصُّرْمِ وقوله عزّ وجل: “ولْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق”، هو دليل على أن الطَّوافَ بالبيت يوم النْحر فَرْض. واسْتَطَافَهُ: طافَ به. ويُقالُ: طافَ بالبيت طَوافاً وأطَّوَّفَ اطّوَّافاً، والأصل تَطَوَّفَ تَطَوُّفاً وطَوَفَاناً. وأما المُطَافُ فهو: موضِعُ المَطافِ حول الكعبة المُشرفَة. وفي الحديثِ ذكر الطَّواف بالبيت، وهو الدَّوَرانُ حوله، تقول: طُفْتُ أطوفُ طَوْفاً وطَوافاً، والجمعُ الأطواف. وفي الحديث: كانت المرأةُ تَطُوفُ بالبيت وهي عريانة ٌ تقول: مَنْ يُعِيرُني تَطْوافاً؟ وهو الثوب الذي يُطاف به. يوم النحر والطَّائفُ في معاجم العربية هو: العاسُّ بالليل. والطَّائِفُ العَسَسُ والطَّوَّافون: الخدم. وقال أبو الهيثم: الطائف هو الخادم الذي يخدُمك برفْق وعناية، وجمعُه الطوّافون. وقال النبي صلى اله عليه وسلم في الهِرّةِ: إنّما هي من الطوّافاتِ في البيت أي من خَدَمِ البيت. والطائفة: الجماعة من الناس وتقع على الواحد كأنه أراد نفساً طائفة؛ وقوله عزّ وجل: “وليطوفوا بالبيت العتيق”، هو دليل على أنّ الطواف بالبيت يوم النحرـ عيد الأضحى ـ فرض. ويقال أيضاً: طاف بالبيت طوافاً وأطوف أطوافاً، والأصل تطوف تطوفاً وطاف طوفاً وطوفاناً. والمطاف: موضع المطاف حول الكعبة. وفي الحديث ذكر الطواف بالبيت، وهو الدوران حوله، تقول: طفت أطوف طوفاً وطوافاً، والجمع الأطواف. إقرار الطواف؟ كانت كلّ شريعة جديدة قد تستمد مما سبقها من الشرائع، فتذهب بعض التعاليم، وتُشذب بعضها، وقد تُسقط بعضها، وهذا ما فعله خليل الرحمن النبي إبراهيم عليه السلام فأقرّ الطواف، وجعله خالصاً لوجه الله تعالى وحده، حول بيته المُحرم. والكعبة المُشرفة هي البقعة الوحيدة على وجه الإطلاق الذي شرع الله تعالى الطواف حولها، فليس هناك أيّ مكان على وجه الأرض يُطاف حوله، كما يُطاف بالبيت الحرام. يقول الإمام الحسن البصري رضي الله عنه: “وما على وجه الأرض بقعة يُوجد فيها الطواف والسعي والحج والعُمرة إلاّ بمكةَ”. وقد روى ابن بكّار في “شفاء الغرام”: أنّه ما مِن مَلِكٍ بعثه الله تعالى في مهمة إلى الأرض إلاّ نزلَ مُحْرِماً مُلبِياً من تحتِ العرش، ويطوفُ بالبيتِ أسبوعاً، ويُصلي ركعتينِ بداخل البيتِ الحرام، ثم يصعد، وكان أوّل عمل عمله آدم عليه السلام حين أُهبِطَ من السماء الطواف بالبيتِ الحرام، فلقيته الملائكة، فقالوا يا آدم طُفنا بهذا البيتِ قبلكَ بألفي عام. كذلك حجّ جميع الأنبياء والرُسل عليم السلام البيت الحرام، وطافوا به إيماناً واحتساباً، حتى إنّ سفينة النبي نوح عليه السلام عندما جاء وعد الله ووعيده بالطوفان، طافت السفينة بالبيت الحرام. وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال: “إنّ الله عزّ وجل وجّهَ السفينة إلى مكة المكرمة، فدارت بالبيتِ الحرام أربعين يوماً، ثم وجهها إلى الجُودِي، فاستقرّت به”. وكان الطواف حول الكعبة المُشرفة في الماضي مختلطاً بين الرجال والنساء، ولكن حدث ما جعل والي مكة يُفرِّق بينهم في أثناء الطواف، وأورد الأزرقي بأنّ النساء والرجال كانوا يطوفون معاً مُختلطين، حتى وَلِيَ مكة خالد بن عبدالله القسري لعبدالملك بن مروان، ففرق بين الرجال والنساء، وأجلس عند كل ركنٍ حرساً معهم السِياط، يفرقون بين الرجال والنساء... أما عن كيفية طواف نبي الهدى محمد عليه الصلاة والسلام، فوصفه لنا ابن عمر رضي الله عنهما، قال: “كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا طافَ الطواف الأول خَبَّ ـ الركض الخفيف ـ ثلاثاً، ومشى أربعاً، وكان يسعى بطن المسيل إذا طافَ بين الصَفا والمَروة، فقلت لنافع أكانَ عبدالله يمشي إذا بلغ الركن اليماني؟ قال: لا إلاّ أن يزاحم على الركنِ، فإنّه كانَ لا يَدعهُ حتى يستلمهُ”. وقد أمر الرسول الكريم أصحابه التزام جانب الأدب في الطواف. روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنّه قال: “الطواف حول البيتِ مثل الصلاةِ، إلاّ أنّكم تتكلمون فيه، فمن تكلمَ فيه فلا يتكلم إلاّ الخَير”. وللطواف حول الكعبة المُشرفة حلاوة لا يشعرُ بها إلاّ مَن أخلص النيّة لله عزّ وجل، وتوجه إليه بقلبٍ سليم، وقد وصف الشاعر ابن الرشيد البغدادي تلكم اللذة الروحية للطائفين حول البيتِ الحرام في قصيدته الذهبية قائلاً: فشدُوا مَطايا إلى أربـــــــع ثانياً فــــإنّ الهَوى عند رَبعِهم ما ثنينَاهُ ففي رَبعِهم للهِ بيتٌ مُبــــــاركٌ إليه قلــــوب الناس تهوِي وتَهْوَاهُ يَطُوفُ بهِ الجَانِي فيُغْفر ذنبــــهُ ويسقــــطُ عنهُ جُرمــــــــه وخطَاهُ وكَم لذّة أو فَرحـــــــــةً لطوافِهِ فللّه مــــــا أحلَى الطوافَ وأهنَاهُ نطوفُ كأنا بالجِنَـــانِ نطُوفهـــا ولاهــــمَّ لا غــــمَّ جميعاً نفينَاهُ فيا شوقَنَا نحوَ الطــوافِ وطِيْبِهِ فــــذلكَ طِيبٌ لا يُعبِّـــــرُ معنَاهُ فمَن لَمْ يَذُقْهُ لَمْ يّذُقْ لَــــــذّةً فّذُقْهُ تَذُقْ يا صَاحِ ما نَحْنُ ذُقْنَاهُ رمي الجِمَار تمثل مكة المكرمة بالنسبة للمسلمين تاريخاً عابقاً بعطر المقدسات وذكرى انطلاق الدعوة الإسلامية، فهي بهذه الصفة صورة من صور الانتماء الحقيقي الذي يشد الإنسان إليه، ولذا فلا غرو إذا حظيت من علماء المسلمين بمزيد عناية فكثرت التصانيف في تأريخ أخبارها وتوثيق ما ورد فيها من الآثار عبر العصور المتعاقبة. والإمام أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي (ت 250هـ) أحد الذين دونوا هذا التاريخ ووثقوه وكتابه “أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار” يعد أقدم تصنيف مستقل وجد عن تاريخ مكة، وهو مع كتاب “أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه” للإمام الفاكهي (ت 272هـ) أهم مرجعين وثقا تاريخ مكة إلى القرن الثالث الهجري. لقد ظهر في كتاب “أخبار مكة” للإمام الأزرقي بأنّه مؤرخ ضليع ومحدث يتقن الصنعة الحديثية وفقيه بارع في اصطياد الأحكام من أدلتها، ولاسيما أحكام الحج والمناسك، كما ظهر أنه جغرافي يحسن وصف المكان كما أنه لم يغفل التطورات السياسية في كتابه حيث تحدث عن حالة المسجد الحرام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهود الخلفاء الراشدين ليبين بعد ذلك ما طرأ من تغيرات في العهدين الأموي والعباسي. وقد تناول الأزرقي بنفس طويل الآثار الواردة في مكة المكرمة متناولاً الأحكام الفقهية والأصولية المتعلقة بهذه الآثار، ووصف جغرافيتها وعمرانها وصفاً دقيقاً لا يصدر إلا من ساكنها متحدثاً عن أسماء مكة المكرمة ودورها وآبارها وبركها وحياضها وحوائطها والمشاعر المقدسة وغير ذلك، ولا سيما حديثه عن الكعبة المشرفة والمقام وموضعه وذرعته والحجر الأسود وزمزم وذرعة المسجد الحرام ومناراته وجدرانه وسقفه وشرفاته وأبوابه وطاقاته ومنبره وقناديله وثرياته وبركه وسقاياته وآباره وعيونه ومؤذنيه ومواضيه وظلة المؤذنين فيه، كما لمح إلى بعض الأوليات في الحرم كحديثه عن أول من تسلم الركن الأسود، وأول من أدار الصفوف حول الكعبة، ونحو ذلك. كما أسهب المؤلف في الحديث عن المساجد والمواضع التي يستحب فيها الصلاة بمكة المكرمة، وحدود المشاعر المقدسة وما ورد فيها من الآثار وصفة المناسك فيها، كما تحدث عن رباع مكة وأوديتها، وسيولها من جميع الجهات، وأحيائها ومن كان يسكنها وتناول ما ورد في ذكر أخشبي مكة وموضع الحطيم وما جاء فيهما. وذكر الأزرقي في كتابه أول من رمى الجمار، قائلاً عنها: لما قال إبراهيم عليه السلام ربنا أرنا مناسكنا أمر أن يرفع القواعد من البيت، ثم أري الصفا والمروة؛ وقيل هذا من شعاير ـ شعائر ـ الله، ثم خرج به جبريل فلما مر بجمرة العقبة إذا بإبليس، فقال جبريل: كبر وارمه، ثم ارتفع إبليس إلى الجمرة الثانية، فقال جبريل: كبر وارمه، ثم ارتفع إبليس إلى الجمرة القصوى، فقال جبريل: كبر وارمه، ثم انطلق إلى المشعر الحرام، ثم أتى به عرفة، فقال له جبريل: هل عرفت ما أريتك ثلاث مرات؟ قال نعم، قال: فأذن في الناس بالحج قال: كيف أقول؟ قال قل: “يأيها الناس أجيبوا ربكم” ثلاث مرات، قالوا: لبيك اللهم لبيك، قال: فمن أجاب إبراهيم يومئذ فهو حاج، قال خصيف قال لي مجاهد: حين حدثني بهذا الحديث أهل القدر لا يصدقون بهذا الحديث. تنصيب الأصنام ثم ذكر المؤلف أول من نصب الأصنام بمنى بقوله: إن عمرو بن لحى نصب بمنى سبعة أصنام، نصب صنما على القرين الذي بين مسجد منى والجمرة الأولى على بعض الطريق، ونصب على الجمرة الأولى صنما، وعلى المدعا صنما، وعلى الجمرة الوسطى صنما، ونصب على شفير الوادي صنما، وفوق الجمرة العظمى صنما؛ وعلى الجمرة العظمى صنما وقسم عليهن حصى الجمار إحدى وعشرين حصاة يرمى كل وثن منها بثلاث حصيات، ويقال للوثن حين يرمى: أنت أكبر من فلان، الصنم الذي يرمى قبله. حصى الجِمار ثم تطرق للإشارة في رفع حصى الجمار فقال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثني جدي حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خيثم عن أبي الطفيل قال: قلت له: يا أبا الطفيل هذه الجمار ترمى في الجاهلية والإسلام كيف لا تكون هضابا تسد الطريق؟ قال: سألت عنها ابن عباس فقال: إن الله تعالى وكل بها ملكاً فما تقبل منه رفع، وما لم يتقبل منه ترك. وأضاف الأزرقي قائلاً: سألت أبا الطفيل قلت: هذه الجمار ترمى منذ كان الإسلام، كيف لا تكون هضاباً تسد الطريق؟ فقال أبو الطفيل: سألت عنها ابن عباس فقال: إن الله تعالى وكل بها ملكاً فما تقبل منه رفع وما لم يتقبل منه ترك. كما ذكر المؤلف لحصى الجمار، وكيف يرمى به، بقوله: إنما الحصى قربان فما تقبل منه رفع، وما لم يتقبل منه فهو الذي يبقى، وبه عن ابن جريج قال: أخبرت أن نفيعاً كان جالساً عند ابن عمر، إذ قال له رجل: يا أبا عبد الرحمن ما كنا نترايا في الجاهلية من الحصى والمسلمون اليوم أكثر ثم أنه لضحضاح، فقال ابن عمر: إنه والله ما قبل الله من امرئ حجة إلا رفع حصاه. تلبيات العرب قسم الشاعر الفيلسوف أبي العلاء المعري تلبيات العرب قبل الإسلام إلى ثلاثة أقسام هي: المسجوع والمنهوك والمشطور، علماً بأنّ التلبية بالقصيد لم ينقلها لنا الرواة، وربما كانت موجودة، لكنها قد تكون ضاعت ولم تصل إلينا، ومما جاء من التلبية على وزن المسجوع قول الشاعر: لبيك ربّنــــا لبيك والخير كله بيديك وأما ما جاء من التلبية بصيغة المنهوك كقول أحدهم: لبيك يا مُعطي الأمــر لبيك عـــــن بني النمر جئناك في العام الزمر نأمــــل غيثاً ينهمـــــر يطرق بالسيل الخمــــر (يعني الشجر الملتف الكثيف) وقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: “أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية”. كما وصف لنا عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما تلبية النبي عليه الصلاة والسلام بأنّها كانت: “لبيكَ اللهم لبيكَ، لا شريكَ لكَ لبيكَ، إنّ الحَمْدَ والنِعْمَةَ لكَ والمُلْك، لا شرِيْكَ لكَ لبيكَ”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©